الأربعاء، 26 يونيو 2013

السادس عشر من شهر شعبان


تزينّا كأنه العيد! 
رائحة العود تعمّ المكان، المباخر مجهزّة، القهوة معدّة على أحسن طريقة والتمر قد وضع في السلال استعداداً للانطلاق. 
كان هناك شعور سعيد جداً، العائلة كلها مجتمعة، الأقارب الذين حضروا من كل مكان، والفرحة التي اعتلت الجميع تماماً مثل يوم العيد.
في الخامسة مساءً انطلق الموكب نحو جامع أحمد بن عبدالرحمن الغامدي يرحمه الله. قد يسأل أحدهم لمَ كلّ هذه الأهمية؟ لأن هذا الانسان لم يكن يوماً عاديّاً ولذا فارتباط اسمه بأيٍّ كان لن يكون أبداً عادياً وسيصبح ذو شأن على الأقل لمن عرفه. 

حظيتُ بفرصة العيش مع جدّي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته لما يقارب الست سنوات أو تزيد، وقد كنتُ في سن تكوّن وجهات النظر والأفكار وكان له رحمه الله الدور الأكبر في صقل شخصيتي على ماأنا عليه اليوم. 
اليوم وبعد مرور ست سنواتٍ ويومين على وفاتِه لاتزال تلك التفاصيل الصغيرة جداً عالقة في ذهني وكأنني للتوّ عشتها معه، لازلت أذكر بالتفصيل كيف كنّا ننتظره ليصل من عمله للمنزل، نتسابق للسلام عليه و"آخر واحد أم عيال" يذهب ليرتاح، يشرب عصير البرتقال ويأكل شيئاً من التفاح ثم يحين موعد الغداء، نجتمع جميعاً حول المائدة ونتحدث كلٌّ عن يومه، "ايش أخذتِ اليوم يامريم؟" ثم بعد أن يُنهي كلّ منّا الاجابة، يحكي لنا شيئاً من التاريخ، أو قصةً حصلت له يوماً ما، ولا أظنّ أنّ أحداً جعلني أحبّ التاريخ أكثر منه، ولاأظن أن أحداً لقنني حِكماً كما فعل.
لازلت أذكر حبّه لشرب "الحليب مع هيل وزنجبيل"، لازلتُ أذكر سؤاله لنا عن سورة الكهف يومَ الجمعة، وكم حفظنا من السور في أيام الاجازات.
كنتُ أعدّ كعكة الزبادي وكان يحبّها لأنها "خفيفة" وأذكر يوماً أنني أعددتُ شيئاً ذو مذاقٍ هنديّ فقال لي فيما معناه:"حلو الواحد يعرف طبخات لكن نبغا أكل البلد". 
 زرع فيني حب القراءة وكنتُ أشاهد اقباله على الكتب، لازلت أذكر كتب الموسوعة العربية الخضراء التي كان يقرؤها، ولازلت أذكر البحث الذي أعددته في ثاني متوسط عن التدخين والذي استشرته فيه. كنتُ أريد معلومة من النت لكنّه علّمني كيف أحصل على المعلومة من الكتب. 
وحتى عندما كان يؤُمّنا للصلاة، نجتمع كلنا، يكبّر، يقرأ في الركعة الأولى: {ياأيّها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدّمت لغد واتقو الله إنّ الله خبير بما تعملون...} ثم يكمل السورة في الركعة الثانية. كان يقرأ أواخر الحشر وأواخر البقرة كثيراً، ولازالت اليوم راسخة في ذهني أحفظها من ترديده وتُذكّرني كثيراً به. 
أسألُ الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجمعنا به في الجنّة. 
هذه الشخصية العظيمة والتي لا أشهد لها لوحدي، بل ولله الحمد كلّ من عرف جدّي شهد له بحسن الأخلاق، بالحكمة، بالدين وبحبّ مساعدة الآخرين. ولربّما غابت عنّي جوانب أكثر. 

الرجال العظماء لابدّ أن تسطّر سيرُهم بماء الذهب. وأنا اليوم إذ أكتب أرجو يكون هذا من برّي به يرحمه الله. 

في الأمس وعند ذهابنا للصلاة الأولى في مسجده يرحمه الله، تجددت عندي كلّ هذه الذكريات، وغمرتني السعادة.
 حتى بعد موته، لازلنا تلك العائلة الواحدة التي لم تُفرقها الصعاب، ولازلنا نتذكرّه في تفاصيل حياتنا كما لو أنه لازال بيننا. 
الموقف كان مهيباً، ليس لعظمة البناء فقط، بل لكونه بيتاً من بيوت الله، أسأل الله أن يجعله مباركاً وأن يطرح حبّه في قلوب العباد، وأن يتقبّله ويجزي جميع من قام عليه خير الجزاء. 

أريد لأطفالي أن يعيشو جوّ أسرةٍ يُشبه ماعشته مع جدّي رحمه الله، أريدهم أن يعرفوا عنه، وأن يحبّوه كما أحببته وأن يشعروا بالفخر تماماً كما أشعر به الآن. أريدُ أن أغرس فيهم نفس القيم، العائلة، التعليم، حسن الخلق وممارسات صغيرة مما كنّا نشاهده ويترك فينا أثراً كبيراً. 

اللهم أكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقّه من الذنوبِ والخطايا كما يُنقّى الثوبُ الأبيضُ من الدنس، اللهم اجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنّة، اللهم اجمعنا به في الجنّة اللهم اجمعنا في الجنّة مع أهلينا وأحبابنا ياربّ العالمين. 
آمين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Feature Post