٢٠١٧ لم تكن كأي سنة ليس لأنها حملت معها البدايات ولكنها كانت حصاد لما ابتدأ منذ فترة.
عندما بدأت أكتب هذه التدوينة لم أعرف هل أتحدث عما أرجوه للمستقبل أم ما تعلمته من الماضي؟ هل تكون عن الأمل والأحلام أم تركز على التأمل واستدراك الأخطاء؟
من الصعب عليّ أن أحدد مسار القصة عندما أتحدث عن هذه السنة، أكتب هذه التدوينة وأنا على متن الطائرة متجهة للسعودية للمرة الأولى بتذكرة باتجاه واحد ولعلّ هذا أبرز حدث والأكثر تغييراً لهذه السنة ورغم أنه يأتي في نهايتها إلا أنه الجزء المثالي كي أختم به.
اليوم وعلى بعد أسبوع من بداية السنة الجديدة أنهي رحلة ابتعاثي وزوجي وليد للندن فخورة بإنجازنا وأعود للوطن، لعائلتي التي كان غيابي مصدر قلق لكلينا، أعود لجامعتي وطالباتي الذين افتقدتهم وأعود بشخصية لا تشبه مريم التي رحلت قبل مايوشك على مقاربة الثلاث سنوات.
اليوم وعلى بعد أسبوع من بداية السنة الجديدة أنهي رحلة ابتعاثي وزوجي وليد للندن فخورة بإنجازنا وأعود للوطن، لعائلتي التي كان غيابي مصدر قلق لكلينا، أعود لجامعتي وطالباتي الذين افتقدتهم وأعود بشخصية لا تشبه مريم التي رحلت قبل مايوشك على مقاربة الثلاث سنوات.
علاقتي بلندن
قرار الإبتعاث كما أسلفت في تدوينات سابقة كان من أهم قرارات حياتي، وربما أتحدث هنا عن لندن، بإيجاز، التي احتضنتني وتعلمت فيها الكثير مما لا أستطيع حصره. المدينة التي لا أعرف كيف استطعت الإتفاق معها رغم أنني ابنة الماء التي تبحث عن الشمس وتجد بهجتها في الأمواج والإنعاكاسات، لكن بقدرة قادر ودعاء أمي أشعر وأنا أودع لندن بأن بيننا علاقة مميزة تعرفت فيها على الفن بتاريخه العريق وإتجاهه الحضاري ووجدت فيها فكراً يشبه ماأحب، ناقد، حذر، واعي ومطلع على كل شيء. لم أبذل جهداً كبيراً كي أندمج وهو شيء عكس ماتوقعته نظراً لطبيعة آرائي القوية، خلفيتي الدينية المحافظة واختياري للإلتزام بالعباءة في عقر دار الفن، ومن درس في جامعات الآرت والفاشن يعرف تماماً ماأقصد، وليس من العدل أن أقول أن الكل تفهم اختياري أو جنبني الإنتقاد لكن على الأقل لم أتعرض للمضايقة يوماً بسبب مظهري ولم أرفض في مقابلة عمل أو في ترشح لمسابقة أو غيره بسبب اسمي أو وطني ولعلّ المضحك أن بعضهم رأى في طريقة حجابي فنّاً وطلب مني أن أكون جزء من مشروع تصوير وغيره.
ربما تكون هناك تجارب مختلفة لبعض من يقرأ ولست هنا لأمجد الإنجليز فنحن لا نختلف على مايحدثنا به التاريخ والذي لايزال مترسخاً في أذهان الجيل الأقدم في المدينة خصوصاً عندما تضطر للتعامل معهم. لكنني أستطيع أن أتحدث بشكل شخصي عمّا عشته من خلال الجامعة وطبيعة الحياة اليومية التي في معظمها تكون مع جنسيات مختلفة قصدت لندن لنفس الغاية: طلب العلم أو البحث عن الرزق.
أستطيع أن أقول أن علاقتي بالمدينة تطورت هذه السنة تحديداً بشكل غريب. قبل أن أسافر كانت إحدى الصديقات تحدثني إن شعرت بالحزن يوماً أن أطعم البط في الهايد بارك وأتمشى حول البحيرة وكنت أضحك باستغراب على تعليقاتها، لكنني عندما كنت أحن للوطن أو أصادف يوماً غير موفق في الجامعة كنت أجد نفسي أتجه للطبيعة التي تتمثل في لندن بالحدائق والبط والبحيرة.
لم أكن أنا والمدينة على وفاق دائماً فأيامها الغائمة المتتالية وبرودتها القاسية كانت دوماً مصدر إزعاج بالنسبة إليّ خصوصاً حين يصادف ذلك يوماً صعباً في تفاصيله، لكنني وفي الأشهر القليلة الماضية حين لم أكن مرتبطة بالدراسة سمحت لنفسي بإعادة استكشاف المدينة وتكوين لحظاتي الخاصة معها وتوسيع قائمة مفضلاتي من خلال زيارة الأماكن والمحال التي كنت أتجنبها بسبب ضغط الدراسة. كنت أستمتع بقضاء الوقت مع زميلاتي الذين يعرفون المدينة أكثر مني، يرشدوني لوجهات جديدة ولاأضطر معهم لاستخدام التكنولوجيا للوصول للوجهة وهو من أجمل وسائل التعرف على المدينة من جديد. فترة الصيف تحديداً وعند زيارة عائلتي لي كانت من أمتع الأيام التي قضيتها فيها لأنني تعرفت من جديد على المنطقة من وجهة نظر العائلة وتحديداً إخوتي الصغار الذين كانت لهم لمستهم الخاصة في التجربة.
كانت لندن في الأيام الأخيرة في أبهى حلتها مستعدة لنهاية السنة واستمتعت كثيراً بقراءتها فنياً مع وليد والتجول في أبرز معالمها بنظرة المحلل لا الزائر.
بالمناسبة، نزول الثلج في الشهر الماضي لأول مرة منذ سنوات على المدينة ولو أنه كان ليومين فقط إلا أنه جعل النهاية أكثر شاعرية. وداع أبيض كما وصفته إحدى زميلاتي.
الدراسة والعمل
حملت لي هذه السنة العديد من القراءات الممتعة والكتاب المتخصصين في التصميم، السياسة، التحليل النقدي وغيرها الذين أحببت التعرف عليهم بجانب الدراسة. عملي على المشروع بحد ذاته وكوني في حالة بحث دائم عمّا يدعم أو يهدم فكرة الرسالة أوصلني للعديد من المواضيع المتشعبة ووجدت من خلاله فرصة للتواصل مع أشخاص لم أفكر بالتواصل معهم قبل ذلك رغم إعجابي الشديد بمايفعلونه.
تحدثت عن الماجستير سابقاً لذا لن أطيل هنا عن نفس الموضوع، وربما لم تكن هذه السنة متفردة بمشروعي فقط ولكن بمشروع وليد أيضاً، وقد يتحدث هو في وقت لاحق بشكل شخصي عنها لكنها فعلياً من أبرز إنجازات هذه السنة لكلينا، ورغم أننا اختلفنا في كثير من تفاصيلها وتحديد مسارها وخضنا ساعات وأيام طويلة من النقاش إلا أنني فخورة جداً بإنجازه في هذه المرحلة وواثقة بأهمية هذه الخطوة في مستقبله المهني.
أبرز ماأذكره استكشافنا لإمكانات الطباعة، الورق والتصنيع وزيارتتنا للعديد من الموردين والمحال المتخصصة في الموضوع. لازلت أذكر انبهاري بما رأيت وحتى الآن أعتقد أنه الأفضل مستوى بالمقارنة.
لعلّ من أبرز الأحداث أيضاً هو عملي مع فريق KCA وهي شركة مهتمة بدراسة زوار المتاحف والمعارض التفاعلية وتصميم حيزاتها ومختصة أيضاً بتدريب طاقم العمل الذي يتعامل بشكل مباشر مع الجمهور لتحقيق الإستفادة الكبرى من التصميم، تقدمت للعمل لديهم بحكم عملهم المتواصل في الشرق الأوسط وكنت مهتمة جداً بفهم اتصال الشرق بالغرب من خلال نظرة داخلية أقرب على خطوات التصميم من الفكرة والإتصال بالعميل حتى التنفيذ.
لم تكن هذه هي التجربة الأولى حيث عملت في ٢٠١٦ مع شركة 20.20 وهي مشابهة في نشاطها إلا أنها كانت تركز أكثر على البعد التجاري للمشاريع من محال تجارية، سينما، معارض أطفال وغيره وكان مفيداً جداً بالنسبة إلى أن أتعرف على نموذج مختلف هذه السنة حتى أميّز الفرق بينهم وأصقل التجربة وأحدد ماأميل له أكثر ولذا أعتقد أن هذه السنة ما هي إلاّ حصاد لما بدأ في سنوات قبلها.
الأصدقاء والسفر
من أجمل ماحصلت عليه خلال هذه السنة أيضاً هو تعرفي على صديقة عزيزة جداً من البرتغال، لاأستطيع تخيّل مكان غير لندن كنا لنلتقي فيه، أذكر المحاضرة الأولى لنا بالجامعة، كان علينا أن نستعرض ما لايزيد عن ١٠ دقائق عن أنفسنا ومجال خبرتنا وكنت في غاية توتري حتى أنني أضعت مكان الإجتماع ووصلت متأخرة. لاأنسى لكارولينا كيف أشارت لي من بعيد وأزاحت حقيبتها كي أجلس بجانبها. كانت هذه هي المرة الأولى التي أقابلها ومنذ تلك اللحظة وحتى لقاءنا الأخير قبل أيام في مدينتها لشبونة التي وقعت في حبها بسببها، وأنا مغمورة بصداقتها وطيب الذكريات التي جمعتنا سوياً. حب الفنّ والإهتمام بنقد الثقافات والتصميم، مدينة باث، جين أوستن، زيارة المتاحف والحدائق، أحلامنا للمستقبل، شرب الشاي الإنجليزي مع السكونز، نتشارك الطبق، تحظى بالزبدة وأأخذ المربى، ماتفضله من بقية المطابخ العالمية وحبها للشوكولا الذي يتحول لإدمان عند التوتر وصوتي الذي لايقلّ تعبيراً عن ملامح وجهي التي تجيد قراءتها.
في الأيام الطويلة الرتيبة تأتي لمنزلي أو أذهب لها ونعد الطعام سوياً، حتى قررنا أن نبتكر كتاب وصفات خاص بنا ولعله يرى النور قريباً. اكشتفنا في تعلّم الطهي الذكي ملجأً جميلاً بعيداً عن تعقيدات الحياة اتخدناه سوياً كهواية نستمتع بها من وقت لآخر.
------------
بعيداً عن كل هذا السرد والتفاصيل، أشعر بأنّ نهاية هذه السنة حملت معها نتاج ما قبلها بشكل محسوس، لم تخلُ من الأخطاء والدروس الصعبة لكن أستطيع القول أنني نضجت فكرياً وأصبح من السهل عليّ أن أحدد رغباتي وميولي وماأريده للمستقبل ورغم أنني لا زلت أحلم بالكثير وقائمتي بالتجارب التي أود أن أخوضها لم تنتصف بعد بل وتوسعت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة إلاّ أنني أشعر بثقة كبيرة بما وصلت إليه اليوم، أشعر بأنني بعد توفيق الله ورضاه أستطيع أن أفعل الكثير، خاصة بعد اختلاطي بأجناس وأصناف من البشر لاحصر لها وزياراتي للعديد من المدن برفقة وليد وتعرفنا سوياً على الأشياء للمرة الأولى، بعد كل هذه التجارب المختلفة أستطيع القول بصوت أوضح أنني أكثر ثقة بعملي وشخصيتي وقدراتي على النجاح ومايمكن أن أقدمه للآخرين.
حمداً لله أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
ممتنة لوطني الذي وثق بقدراتي، لأبي وأمي، لعائلتي وزوجي الذين لاأكون إلا بهم، للدعوات الصادقة التي غمرني بها الأحباب والأصدقاء.
وداعاً ٢٠١٧، إلى لقاء قريب لندن ومرحباً بالبدايات الجديدة.