قبل أشهر وأثناء مرحلة التقديم على الجامعات اتصلت بي احدى الزميلات تستشيرني في التخصص بحكم أن أختها ترغب في التقديم عليه، كان لديها سبب واحد جعلها مترددة بشأن الموضوع وهو ضمان حصولها على وظيفة بعد التخرج. لست هنا لأحكي القصة ولكنّ هذا التساؤل تكرر كثيراً من قبل أشخاص مختلفين، ورغم أن الشخص يملك كل مقومات اجتياز سنوات الدراسة بامتياز إلا أن موضوع الوظيفة لا زال يجعل الكثيرين غير واثقين من هذا المجال.
التصميم لا يختلف عن كثير من التخصصات فهو لا يقدم ضمانات للأشخاص العاديين الذين لا يملكون سوا شهاداتهم، وحصولك على وظيفة فيه أو في غيره من التخصصات يعتمد على اجتهادك ومدى عصاميتك في العمل على تقديم نموذج راقي من الأعمال وشخصية متميزة في علاقاتها.
في المقابل هو يقدم لك بعض الامتيازات التي لا تجدها في غيره مثل إمكانية العمل من المنزل، والعمل الحر الغير ملتزم بدوام بالاضافة لأن طالب/ة التصميم يتعلم من المهارات ما يمكّنه من الإبداع في مجالات حِرفية أخرى أوسع من مجال دراسته لأنه يفتح لك مواضيع بحث وآفاق لم تخطر ببالك يوماً فهو لا يعتمد على التلقين والحفظ بل يقوم على التجربة والاختبار وتعلّم وسائل البحث ثم الخروج من كل هذا بتصميم قابل للتطبيق، وكم من خريجي التصميم والعمارة أو الهندسة حتى انتهى بهم المطاف لتصوير الأفلام وتصميم الأزياء والأنيميشن أو حتى رسوم القصص المصورة! وهناك الكثير ممن بدأ ببيع منتجاته الخاصة، أضف إلى ذلك أنّه من التخصصات القليلة التي يُدفع لها مكافأة “رمزية” عند التطوع في أي مجال كان.
العجيب في الموضوع وبعد كل هذه المقدمة أن الطالب يتخرج من الثانوية وهو يحمل هم رأس المال الذي لا يملكه ولن يملكه حتى بعد خمس سنوات ويقرر بناء على ذلك تغيير رغباته الجامعية والتوجه لتخصص آخر طبي مثلاً!
صدّق أو لا لكن لا أحد منّا يولد بملعقة ذهبية أو بالأصح الأغلبية منّا لا يحصل له ذلك. مجال الأعمال لا يعتمد على المال بقدر ما يعتمد على علاقاتك التي تجلب لك المال فيما بعد وهناك من الطرق الآلاف التي يمكن لك أن تسأل عنها وتتعلم الكثير منها خلال مشوارك الجامعي، ومن الطبيعي جداً أنّك لا تملك مقومات حلمك الكبير وأنت في عمر الخامسة عشر! كما أنّ بداية عمل في وقتنا الحالي أسهل بكثير مما كان عليه قبل سنوات وهذا بسبب تعدد وسائل التسويق المجانية التي يمكنك استخدامها بذكاء لتروّج لما تريد بيعه من الأفكار وغيرها!
لو أنّ هدفك الأساسي من العلم هو الحصول على وظيفة فأنت تضيّع على نفسك متعة التخصص الذي تختاره والذي سيلازمك لبقيّة عمرك! رزقك مكتوب منذ ولادتك ونصيبك لن تُقبض روحك حتى تستوفيه فلمَ تستبق الأحداث وتجزم بما لا تعلم وتروّج لفكرة أنّ هذا المجال لا مستقبل وظيفي له بناءً على رأيك الشخصي الذي -ومع فائق احترامي- لا أساس له من الصحة.
حصولك على وظيفة يعتمد بالدرجة الأولى على علاقاتك، ومن يعتقد غير ذلك فعليه تغيير هذه النظرة وإلا فسينتهي به المطاف في المنزل، وهذا ليس كلامي فهناك العديد من أصحاب الخبرات من يؤكد ذلك، جودة العمل تأتي في المرحلة الثانية، لأن العمل الجيد الذي لا يعرفه أحد لا قيمة له. وكم من المصممين المبدعين الغير معروفين وكم من المصممين بمستوى عادي والذين تنتشر أعمالهم في كل مكان وهذا ليس نقصاً وإنّما مهارة تجارية وازنوا بها مهاراتهم الفنية.
احرص منذ البداية على المشاركة في الفعاليات المتعلقة بتخصصك من مؤتمرات، ندوات او معارض وحتى وإلّم تُقدم أعمالك فيها فعلى الأقل ستلتقي بأشخاص يعرفون بدورهم آخرين يبحثون عن أمثالك وستتعلّم منهم كيف تسوّق لعملك.
لا يهمّني أن أجد قصة حياتك ولكن أريد أن أرى اسمك متواجداً عندما أبحث عنه في أي محرّك بحث، أعمالك، سيرتك الذاتية، موقعك الشخصي، مشاركتك في فعاليات كلّ هذا يضيف لرصيدك من المهارات ويجعلك متميّزاً عن غيرك في نفس المجال.
لذا وقبل أن تحرم نفسك فرصة تعلّم ما تُحب لسبب قد لايكون له أي أساس من الصحة أعِد التفكير وانتبه لكمية الخسارة التي قد تحصل لك وليس فقط الفوز، المجال الذي ستعمل به سيأخذ من عمرك الوقت الكثير وإلّم تكن شغوفاً بتخصصك فلن تتمكن من مواكبة تطوراته والبحث في مجالاته المختلفة والتعمق بها وأنت مرتاح البال، ستفعل ذلك رغماً عنك و سيكون من الصعب أن تبدع وسينحصر همك على الكم المادي الذي سيعود به عليك، لكن في المقابل الصعاب التي تواجهك في مجال تحبّه تهون وقد توجِد لها ألف مخرج وحل في سبيل الوصول لما تطمح له والاستمتاع بالرحلة.