الخميس، 25 ديسمبر 2014

ثقافة الفن المبتذلة



“إن الفن ابن الدين، وإذا أراد الفن أن يبقى حيا فعليه أن يستقي دائمًا من المصدر الذي جاء منه” علي عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب 


بعد زيارتي الأخيرة لمعرض "فن أبوظبي" وعلى الرغم من كمية الجمال الذي كنت محاطة به إلاّ أنّ تلك الزيارة أثارت كثيراً من التساؤلات في ذهني عن حقيقة الفن. حضرت هذا المعرض لسنتين على التوالي وما يميّز السنة الثانية هو العدد الأكبر من صالات العرض المشاركة بالإضافة إلى التنوع الكبير في الحضور من الجنسيات وفئات مختلفة من المجتمع. لكن على الرغم من التنوع الملاحظ تجد أنّ الشريحة الموجودة وإن اختلفت يمكن أن تصنّف ضمن دائرة واحدة.
في كلّ معرض يقام في السعودية أو غيرها نجد أنّ المنظمين والمشاركين والحضور في الغالب يتشابه توجههم ولا أعمم ولكن في كثير من الأحيان تجدهم ينتمون لطبقة معينة وبأفكار متشابهة عن الثقافة والدين وغيرها. كلّ هذا أثار في ذهني العديد من التساؤلات التي أمضيت الكثير من الوقت أفكّر بها ومنها; هل يتعارض الفن مع الدين؟ هل يكون الدين للفقراء والفن للمترفين؟ تذهب لدور تحفيظ القرآن على سبيل المثال وتجد الأغلبية هناك من الفئة البسيطة المتقاعدة من التعليم أو غيره والمتفرغة "حالياً” للعبادة بعد أن أفنت عمرها في الدنيا، وفي المقابل الذهاب للمعارض الفنية يعني مقابلة العديد من "المثقفين" الغير متدينين بالضرورة والمنفتحين على كل شيء بدون وازع سوى تجارب شخصية وقراءات في مختارات من الكتب.

ربّما تكون المقارنة ليس لها أساس من الصحة لكن فكّر في الأمر للحظة؟ لمَ ينتشر فكر كون المتدين معقد وغير مثقف أو ليس له ذائقة فنية؟ لمَ يجب عند إقامة معرض فني يحتوي على أفكار ومشاريع ولوح وتجارب جميلة أن يكون مليئاً بكل مايتعارض مع الدين؟

على مرّ العصور وإذا عدنا لتطور الفن التاريخي نجد أنّ الدين لم يكن يوماً مثبطاً للفن أو مانعاً لانتشاره إلا في فترة الضلال حين اعتبر الفنانون زنادقة وأعداء لله، وعلى صعيد الفنانين نجد هناك شريحة كبيرة من الذين اشتهرت أعمالهم حتى بعد موتهم في دورالعبادة بمختلف توجهاتها ومعظمهم كان من الفقراء وأصحاب المعاناة الذين عبّروا عن مأساتهم باستخدام الألوان التي لامست قلوب الكثير من المترفين ربّما أو بعبارة أخرى من هم في حالة مادية أفضل. الفن للجميع، لعامة الشعب، وربّما اقتناؤه يكون من نصيب أصحاب الثروات لكنّ ثقافته حقٌ للجميع وهي من أساسيات البناء لأي حضارة.  

للأسف بحثت عن نموذج عمّا أعنيه في المنطقة العربية لكنني لم أجد، أي معرض هنا لا يختلف كثيراً عن أي معرض يقام في أي بقعة في العالم في طريقة العرض والتفكير والتوزيع والمعروضات وغيرها، بل إنّ كثيراً من المعارض المقامة في المنطقة هي من تنظيم جهات أجنبية في الأصل، بالطبع أدى هذا إلى دقة الاخراج وإبداع وسائل العرض لكنه في نفس الوقت غيّب الهوية الشرقية بتفاصيلها الساحرة وخصوصيتها التي بدأت تضمحلّ مع الأيام للأسف. 

الله جميل يحب الجمال، وإذا كان الدين يضع للإنسان شروطاً وخطوطاً حمراء فهذا لا يعني أنّه يعارض المبدأ ولكنّه يضبطه ويضعه ضمن إطار يحميه من الوقوع في الشبهات، المشكلة أنّ  دارس الفن يتعرّض لكثير من البحث في أفكار تصوفية ونماذج لفنانين بطقوس معينة، ينفتح فجأة على عالم مختلف، ظاهِرهُ جميل دون أن يكون لديه أساس متين يحميه من السقوط في عثراته، يجد الكثير ممن يصفق له ويمتدح عمله ويوهمه بأن المستقبل المختلف سيكون على يده، وفي هذا جزء من الصحة لكنّ التطور لا يعني الثورة على كل الماضي بحسنه وسيئه بل البناء عليه والإستفادة من تجاربه.


إنّ جمال الفن يكمن في اختلافه وليس في كونه نسخة طبق الأصل لنموذج مطبق في دولة أخرى، لمَ لا يكون لدينا تجربة مختلفة وغنية بالمقومات المطلوبة بنفس مستوى الاحترافية لكنّها تشبهنا، بأفكارنا، باختلافنا، وتنوّع توجهاتنا دون أنّ تتعارض مع قيمنا الدينية والمجتمعية؟ لمَ نحصر اختياراتنا بين نسخ النموذج أوإعدامه؟ لمَ لايكون هناك حلّ وسط؟ برأيي أنّ مايحدث الآن هو انتشار ثقافة مبتذلة وشروط ألزمنا بها أنفسنا بأنفسنا بحيث أصبح من يخرج عنها يُحكم عليه مسبقاً بالفشل. وهذا ينطبق على الفنانين في المستوى الأول والمنظمين من بعدهم. أحلم بيوم نكون فيه رائدين في التجربة الفنية في المنطقة، من أفكار وأعمال وطُرق عرض ولا ينقصنا أي شيء لتحقيق ذلك! وحتى وإن كانت جميع مقومات هذا الحلم مفقودة حالياً، لكنها وإن طال الزمن فلابد أن تتحد يوماً ما لتخرج بمنتجات تحمل أصل الهوية وتعبّر في نفس الوقت عن وجهة نظر أصحابها بطريقة متزنة. 

إنّ أردت البحث أكثر في علاقة الفن بالدين فأنا أنصح بقراءة الإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش، كتاب غني وفيه كثير من المعلومات التي تستحق وقتك. 




Feature Post