السبت، 16 مارس 2019

معلم قيد التعلّم: حول دور المصمم في التغيير

في نهاية الأسبوع قمنا بطرح سؤال عن دور المصمم في تغيير العالم. قد يخطر للبعض على الفور أن أي إنسان يجب أن يساهم تخصصه في تغيير العالم وأن يضع لنفسه هدفاً واضحاً وخطة تصل به لهذا التغيير. 
هل يجب على الإنسان التفكير بهذه الطريقة؟ هل التغيير يجب أن يكون من خلال تخصصه؟ هل زكاة علمه محصورة في التغيير؟ كيف نعرف التغيير أساساً وعلى ماذا نقيس نجاحه أو فشله؟ 

العديد من الأسئلة الجوهرية والفلسفية التي تتداخل أجوبتها مع فهمنا للدين، للأخلاقيات والقيم وطريقة استيعابنا للحياة. 
من وجهة نظري الموضوع شخصي جداً ولايوجد قالب واحد صحيح لتحيقيقه بل تجارب مختلفة قد يختلف أو يتفق معها السائل. تحدثنا مع طالبات التخرج عن هذا الموضوع وتطرقنا في البداية لتعريف التغيير وقياس نجاحه، هل يكفي أن أقوم بعملي بشكل جيد وأن أقنع شخصاً واحداً بأهمية التصميم هنا تحديداً في هذا المثال حتى أساهم في التغيير؟
المشكلة أن هذه الأهداف تخفت عندما تبدأ في  الإندماج في عجلة العمل، دوامة (العميل-التصميم-العرض) تشغلك عن القيم الأكبر ويصبح همك جذب العميل وإرضاءه لزيادة مصدر الدخل. البعض يكون محظوظاً بأفضلية اختيار الأعمال التي يرغب عليها والبعض يستطيع توفير وقت إضافي للعمل على مشاريع خيرية أو تطوعية لكن الأغلبية جزء من دوامة العمل التي تساهم باعتقادي سلباً في تغيير العالم. 
كمصمم جرافيك، جزء كبير من وظيفتك هو إقناع الناس بالاستهلاك، سواء من خلال تصميم الهويات التجارية أو الإعلانات وهذا بطريقة أو بأخرى هو تشجيع على الإستهلاك. 

ماهو الدور الذي تلعبه في عجلة التغيير؟
 سؤال آخر قد يوضح الأمر بشكل أبسط، فليس من المهم أن تكون القائد أو الوجه الإعلامي للفكرة أو المشروع، يمكنك أن تلعب دوراً ثانوياً باستشارة أو تنفيذ أو استثمار وقت أو مال وهذا مايجعل تحقيق التغيير أسرع  باشتراك أطراف مختلفة بأدوار مختلفة فيه. 

ماذا عن المعلم؟ 
سألتني إحدى الطالبات، ماذا عنك كمعلم؟ هل يكفي أن تغيري في طالبة واحدة كي تساهمي في تغيير العالم؟ 
أعتقد أن هذا غير كاف. وعذراً فقد يبدو الكلام هنا سلبياً بعض الشيء لكنه حقيقي دون مجاملات. تغيير شخص واحد بالنسبة لي غير كاف حتى لو آمنا بنظرية الفوضى وتأثير هذا الشخص على من حوله. التغيير الحقيقي الذي أسعى له هو تغيير جوهري ينتهي بأصحاب القرار من سياسين وإداريين قادرين على التأثير على سلوكيات يومية حتى البسيط منها والتي تنتهي بتغيير أفضل للعالم بصورة سريعة. التأثير الإيجابي مثلاً على طالباتي في الجامعة يعتبر تأثير في طبقة متعلمة حظيت بفرصة أكاديمية ممتازة والفرص المتاحة لها بعد ذلك هي مرفهة نوعاً ما ولا تعتبر مقياس للمجتمع البتة. خصوصاً وأن عدد الطالبات في الكلية تحديداً قليل جداً مقارنة بعددهن في الجامعة وفي المنطقة تبعاً وسيأخذ الموضوع سنوات قد لا أعيش لأرى نتيجتها. أعتقد أن التأثير الحقيقي الذي يساهم في تغيير العالم هو في إيصال مثل هذه التجربة التعليمية لمن هم أقل إطلاعاً ممن لديهم ميول للتخصص ولم تتح لهم فرصة تعلمها لأسباب مختلفة. وقد تتفاجئ بأن الحلول لتحقيق هذا الهدف بسيطة جداً يتمثل بعضها في توفير الإنترنت و تعلم البرامج التطبيقية. 
بالطبع هذا التفكير لن يؤثر على سعيي في إلهام الطالبات وتوجيههن لأنّ هذه الفكرة هي جوهر ماأقوم به، لكن يمكن القول بأنني أثق بقدرة طالباتي على النجاح بالأدوات المتاحة لهن وأنني أسعى لأكثر من هذا.  

قوة التغيير اليوم 
العالم اليوم يعطينا الكثير من الأمل في جهود فردية تكاتفت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال ونجحت في إحداث تغيير حقيقي في هذا العالم بمساعدة شخص أو تحسين جودة نظام أو تغيير مسمى حركة أو غيرها. هذا النموذج من التغيير هو الأكثر انتشاراً لكنه ليس الوحيد وربما يلخص إمكانية الأثر الحقيقي بين خيارين. إما الوصول لصاحب القرار أو جمع حشود المؤيدين من مختلف الخلفيات وخلق قضية رأي عام. 

كيف أساهم في تغيير العالم؟
 سؤال يجب على كل طالب علم طرحه في مراحل مختلفة من رحلته في التعلم، عليه أن يحد تعريفات مناسبات لشخصيته وتفضيلاته في العمل والتعامل مع الناس ومن الطبيعي أن يختلف تعريفك بناء على ظروفك وقت طرح السؤال، فما تعتبره اليوم ضرورة قد يكون غداً مجرد فكرة عابرة. المهم أن تجرد جوابك من المثالية وتفكر في مشاريع تطبيقية يمكنك العمل عليها يوماً بيوم حتى تصل للهدف الأكبر

السبت، 2 مارس 2019

معلم قيد التعلّم: تجربة تدريس المرسم

"ليست المسألة أن تحاول فرض إجابات معينة بل إن الإجابات ما كانت لتكشف عن نفسها إذا لم تثق فيها و تظل تعمل معها"
إيمي باكن

شغف التجارب الأولى 
خضت هذا الترم تجربة أولى في مشواري الأكاديمي حيث بدأت بإعداد منهج مادة المرسم أو استيديو التصميم لطالبات السنة الثالثة. لمن لايعرف، مادة المرسم هي المادة الأساسية التي يتناولها طالب التصاميم أو الهندسة بفروعها وتشكل ثقل ساعاته الدراسية ونجاحه فيها يعني احترافه لذا فهي تعتبر من المواد المهمة جداً في مشوارك الجامعي ويتم تخطيط باقي المواد كمحتوى وتسلميات على أساسها. 
تجربة تدريس هذه المادة أتاحت لي العديد من الفرص حيث أقابل طالباتي ٤ ساعات خلال يومين في الأسبوع مايعني متسع من الوقت لاكتساب مهارات جديدة بين محاضرات، ورش عمل، تمارين، تصحيح، نقد وعمل جماعي. ولا شك بأن هناك العديد من الخبرات من حولي ممن سبقني في هذا المجال لكنني أود الحديث هنا عن تجربتي في إضافة مواد علمية للقراءة في استديو التصميم.
عنوان هذا الترم هو الهويات التجارية والتعامل معها منذ التفكير بإنشاء النشاط التجاري حتى وصول المنتج للعميل ونركز تحديداً على جانب المطبوعات والهويات البصرية ونتحدث قليلاً عن الإستراتيجيات وغيرها من أمور ريادة الأعمال. 
لأنّ هذه المادة تدرس لطالبات السنة الثالثة فإعداد المحتوى يجب أن يكون أنيق جداً بحيث يستوعب مرحلة تكوين الشخصية كمصمم وفي نفس الوقت يتحدى مهارات الطالبة الحالية ليعدّها للنضج المطلوب للمراحل الدراسية التالية. أحببت أن أدرج ضمن المنهج مواد علمية للقراءة والهدف الأساسي هنا هو إعداد المصمم الناضج المطلع على أبعاد تخصصه من مختلف السياقات. أطمح أن تخرج طالباتي من هذه المادة ببصمة مختلفة تؤثر إيجابياً على توجيههن كقياديات في مسيرتهن المهنية لاحقاً بإذن الله ليس فقط كمصمم قادر على إنجاز المطلوب ولكن كمصمم مفكر واع بالمتغيرات من حوله. 


الإستهلاكية كبداية 
بدأنا الفصل الدراسي بحديث عن الإستهلاكية بين ناقد ومؤيد للحركة الرأسمالية وتبعاتها على وظيفة المصمم. دار بين الطالبات حديث شيق حول المبادئ والقيم واستغلال وسائل التواصل الإجتماعي لهذه الحاجة لزيادة البيع وإيجاد حاجة الشراء الملحة المستمرة. أكثر ماأعجبني في حوارنا عن الإستلاهكية هو اشتراك الأغلبية في نقدهم لمبدأها وفي نفس الوقت طرحهم لحلول كمبدأ لكسب العيش دون الحاجة للخروج عن التيار. تحدثنا عن آثار هذه العجلة على البيئة والمجتمع وعن سبب تأخر وعي الناس بآثارها وأساليبهم المبتكرة للتخلص من شعور المسؤولية تجاه المشاركة في خلق مثل هذا النوع من الحركات. كمصمم يبحث عن مصدر رزق في سوق العمل الحالي، هذه الحركة هي المحرك الأساسي لزيادة الطلب على التصميم فمع زيادة البيع يزداد الطلب على الهويات والدعاية وغيرها من التصاميم ولعل فهم هذه الدوامة يوازن بين خيارك في المشاركة فيها وبين مبادءك المتعلقة بأخلاقيات التصميم.


قيمة الفن في زمن الإستنساخ 
نقاشنا التالي تطرق لقيمة الفن في زمن التقنية الحديثة وقدرة الجميع على النسخ. طرحنا هنا وجهة نظر والتر بيجامين حول مبدأ الإستنساخ وقيمة العمل الأصلي في زمن يمكن للجميع فيه أن يشاهد الفن ويعيد إنتاجه دون أدنى جهد. ولأننا تحدثنا عن الإستلاهكية مسبقاً فقد قادنا الحديث هنا للتطرق للشيوعية والإشتراكية وأخيراً الديمقراطية وأثر مثل هذه الحركات على قيمة الفن والتصميم. 
هل يجب أن يكون العمل حصري حتى يكسب قيمته؟ كيف نوازن بين السعي للشهرة من خلال النشر وبين حفظ قيمة الأعمال من السرقة أو التقليد أو غيرها؟ كيف يمكن للفنان أو المصمم أن يحفظ حقوقه في زمن الإنتشار؟ 
طرحت أحد الطالبات مثال لوحة الموناليزا وأنه لا يمكن مقارنة رؤية صورة لها على الإنترنت بتجربة الإنتظار في الصف لإلقاء نظرة خاطفة عليها. قادنا هذا المثال لتعريف القيمة وفهم اختلافها من شخص لآخر وخلصنا إلى أن الموضوع يعتمد بشكل كبير على تفضيلات شخصية علاقة الفرد بالفن ابتداءً. 
أسئلة كثيرة دارت في نقاشنا وتركت لدينا أسئلة أكثر إثارة. في نهاية النقاش طلبت من الجميع أن يكتب سؤالاً وجد إجابته في الحوار وآخر لازال يبحث عن معناه وكانت النتيجة شيقة جداً.

المحاضرة الأخيرة 
نناقش الأسبوع القادم موضوعنا قبل الأخير ونتحدث فيه عن سياسات التصميم الثقافية ونعتزم على استضافة شخصيتين مؤثرة في مجال التصميم الجرافيكي في نقاشنا الأخير كي نتطرق لوجهة نظر سوق العمل في المواضيع التي طرحت غالباً من وجهة نظر أكاديمية ونختم به سلسلة نقاشاتنا لهذا الفصل.

هل لديكم تجربة أكاديمية مختلفة؟ شاركوني قصص وتجارب حول الموضوع 

Feature Post