الأحد، 19 يونيو 2016

أول سعودية

منذ بدأت دراسة الماجستير وأنا أمام مراجع ومفكّرين كثر شدتني مؤلفاتهم وأرغب في التعرف عليهم أكثر. استمتعت حتى الآن بالتجربة وإن كان من شيء أندم عليه فهو أنني لم أقرأ بما فيه الكفاية في السابق، مهما كنت قارئاً نهماً فلايزال هناك الكثير لتقرأ عنه، كنت أعتقد أنني وصلت لمرحلة كافية من الإستعداد للدراسات العليا ولكنّ تركيزي انصب في تعلّم اللغة وفهم النصوص العلمية والمحاضرات، نجحت في هذه ولله الحمد وأنا فخورة جداً بنفسي إذ لم اضطر لتعلّم اللغة من جديد رغم أنّ تعليمي كان في مدارس حكومية توفّر الأساسيات فقط في الإنجليزية إلا أنني استطعت أن أتحدثها وأستخدمها بكفاءة ولله الحمد. 
في البكالوريوس كان التركيز أكثر على تعلّم المهارات الفنية والتقنية، ماذا يعني التصميم وكيف تطبقه في وسائط مختلفة، أعتقد أنني توجهت للماجستير لأنني كنت أرغب في التعمق أكثر في الأفكار والفلسفة التي تكمن خلف ذلك، الأبعاد الإجتماعية، السياسية والإقتصادية لإختيارات السوق وقراراته في عالم التصميم الواسع، وحتى الآن حققت جزءاً من هذه المعرفة ولكنني في كل مرة أصل لخيط منها، تفتح أمامي العديد من الموسوعات التي لم أعرف بها قبلاً وهكذا فهي سلسة غير منقطعة، تعطيك الجواب حيناً وتستمتع بشتيتك وإلهاب حماسك للمزيد حيناً آخر.

في نهاية هذا الشهر سأقوم بتسليم الفكرة المبدئية لمشروع التخرج، قد يبدو الأمر سلساً وبديهياً وحاضراً قبل قيامك بالتقديم على الرسالة، ولكن مع كل هذه المعرفة الجديدة التي تلقيتها، اختلفت الموازيين ورغم أنّ المجال لايزال محدوداً في ذهني إلاّ أن خياراته اتسعت وتشعبت بطريقة يجب أن تحلّ في نهاية المطاف. 
لايمكنك أن تكون حيادياً في توجهك وخصوصاً كونك من دولة عربية وتدرس في جامعة أوروبية، في عديد من المواقف والمحاضرات الدراسية يشار للعرب، للشرق الأوسط، للإسلام وبالتأكيد لوضع المرأة في كلّ هذا، في كثير من المواقف يعبّر عن الخليج ب "دبي" وهناك الكثير ممن لايعرف عن الإسلام سوى داعش وعن السعودية سوى حياة البدو وأنها الوحيدة التي لا تسمح للنساء بقيادة السيارة. كطالبة سعودية هناك الكثير من التساؤلات التي توجه لي عن خلفيتي الثقافية والإجتماعية عن الزواج تحديداً وعن حرية الرأي والعلاقات مع العائلة وإمام المسجد!
في كثير من الأحيان يتم السؤال بصورة تضع الأضواء علي وتجبرني على الإجابة كأن يقوم المحاضر بالسؤال: هل يوجد أحد من الخليج هنا؟ ثم يطرح تساؤله الذي يحمل نظره مجحفة في كثير من الأحيان. كلّ هذا وإن كان في جزء منه يحمل المتعة في التعريف بالخلفية التي أنتمي لها كما أتمنى لها أن تُعرّف إلا أنها تضع لك العديد من الإطارات التي يمكن أن تعرّف بها والتي يستحيل أن تكون حيادية على الإطلاق. 
من السهل جداً أن أختار موضوعاً ينتقد النساء، الحقوق، الهوية وغيرها من المواضييع التي تُشبع عند كثير من الناس الألقاب والإعلام الذي يمكن أن يغطيها فيما بعد كـ"أول سعودية" ويغلفها بحبّ الإصلاح والسعي للأفضل وهناك الكثير من الأمثلة عمّن نجح في إيصال انتقاده لمجتمعه لدور العرض الأوروبية وغيرها دون أن نجد لنقده أي شي ملموس على الواقع.  مثل هذه المواضيع المتسفزة تعجب بشدة أساتذتي وتشدهم لمعرفة المجهول عن الشرق الذي لايستطيعون السفر إليه أو فهم تفكيره، ويمكن من خلالها الوصول بسهولة للرعاة والصحف وغيرها ولكن هل أريد ذلك؟ هل أريد أن أسلك الطريق السهلة؟ أعتقد أنني أفضل من هذا.
لم أعش طويلاً في لندن، لكنني أعرف أنني في كل مرة أتعامل مع شخص أوروبي أفتقد شهامة العرب وحسّ الواجب لديهم. أفتقد كرم ضيافتهم وحسن أخلاقهم، أفتقد اهتمامهم بالتفاصيل الجميلة في المظاهر والملافظ. بالتأكيد هناك شواذ لكل قاعدة ولكنني أعتقد أن فترة إقامتي علمتني أننا أفضل مما نعتقد بكثير وأنّ لدينا من معادن الأخلاق مايفتقده العالم المادي في الغرب وهو شيء لايمكن فرضه أو اكتسابه على مجتمع لم ينشأ عليه يوماً، هي أمور يجب أن تكبر عليه كي تكبر فيك ولايمكن لشخص لم يعش بأسلوبها يوماً أن يفهم مالذي تعنيه.
الإنتقاد وسيلة جداً فعّالة للتطور، لكنّ السؤال هو كيف تكون ناقداً محترفاً؟ كيف تنتقد دون الإساءة وفي نفس الوقت بجرأة ووضوح؟
أن تتيسّر لك الفرصة لتكمل تعليمك على حساب الدولة، أن تبتعث لتتعلم شيء جديد وتطور نفسك، ليس عادياً وربما غير متاح لكثير من الدول، فرصة قصيرة ولكنها يمكن أن تغيّر حياتك بالكامل، اختياراتك فيها مهمة، وتطوير فكرك باستغلال مايتاح لك وماتجتهد في البحث عنه ربما لن يكون بحوزتك لاحقاً. أحسن استخدامه وأحسن التفكير بتوازن دون أن تثور على كل شيء أو تتقوقع في العزلة.  

الخميس، 9 يونيو 2016

رمضان، فرصة لطلب العلم


أكثر شي تتعلمه في الغربة، أو ربما تضطر لتعلمه هو امتلاك الحجّة،
لا يختلف كثيراً دفاعك عن قراراتك أمام لجنة تحكيم في دراستك، عن دفاعك عن معتقد أو مبدئ تؤمن به، كلاهما يتطلب العلم والأسلوب المقنع وبعض ما ننشئ عليه كمبادئ يبدو واضحاً جداً في عقولنا إلاّ أننا نُهزم أمام أول استفسار يدخل في تفاصيل لانملك إجابتها بالدرجة المطلوبة.

تطوير مهارات القدرة على النقد، التحليل والتربية على العقلية التي تستطيع طرح سؤال لكل مالاتفهم حتى تسعى للإجابة عليه، شيء يجب أن يكون ضمن منهج الدراسة ولا أعني طرح كل مايخطر ببالك دون تمحيص ولهدف السؤال فقط، ولكن ضمن منهج علمي يبدأ من مشاهدات يومية وينتهي بعقول مهيئة للطّرح البناء وللإجابة المقنعة عن الأسباب. 

في كثير من الأحيان وجدت نفسي في صمت مطبق لسؤال يتعلق بمظهر أو مسألة من المسلمات في ثقافتنا وفي أحيان كثيرة في ديننا رغم أني أعرف أهميتها والسبب وراءها، لكنّ كل هذا لايبدو مقنعاً عندما أخاطب به شخصاً لايحمل خلفية تشبه ماأعرفه. 

 أقدّر الأشخاص الذين يملكون الأسلوب في إقناع من حولهم بفكرة مهما كانت، والأجمل إن كانوا يملكون الصّبر اللازم للإجابة عن كل مالم يعتادوا السؤال عليه، لتقبّل ردات الفعل المختلفة التي قد لاتعجبهم في كثير من الأحيان أو قد تستفز شيئاً يعتقدون بصحته.أعترف الكثير من الخلل هنا هو شخصي ربّما لم أقرأ بمافيه الكفاية ربما لم أدخل في حوارات نقدية أو أهتم كثيراً بسماع من لايوافقني الرأي. حقيقة كثير من تصرفاتنا كمجتمع تقوم على العلاقات الشخصية والمجاملات اللامتناهية سواء في مجال العمل أو العائلة لذلك نجد الكثير من المظاهر والقليل من الجوهر للأسف ولذا فليس هناك حاجة واضحة كي نبحث عن العلم. 

أن تنشئ في وسط متشابه، يتصرف بنفس السلوك ويتبع نفس المنهج لايعني بالضرورة حاجتك لإمتلاك الحجة، لمَ قد تحتجاها والجميع يملك شيء يشبه مبادئك؟ لكنّ هذه الحجة ستجعلك متيقن، قويّ بعلمك وأبلغ في إرسال قضيتك للعالم خصوصاً في عصر كل شيء فيه مفتوح ومن لايعرف المعاني الحقيقة لمايقوم به قد يقع بسهولة في الفتن وقد يغيّر فكره بين لحظة وأخرى لأنه قلد مانشأ عليه دون أن يعي معناه الحقيقي. 
قبل فترة وفي حديث عن مشاريع الإجازة الصيفية، طرحت إحدى زميلات الدراسة رغبتها في الإلتحاق ببرنامج يهدف إلى تصفية الروح وإنهاء تعلقها بالماديات المنتشرة في عصرنا الحالي. هي لاتعرف الإسلام، لكنّها عبرت عن خطة البرنامج بأنه صوم عن الحياة. ثلاث أسابيع من الصمت التام، لقاء في كل أسبوع، رياضة يوقا وانقطاع تام عن كل شيء آخر.أخبرتها عن رمضان وبأنّ صيامنا يشمل الطعام والشراب أيضاً ولكنه ينتهي بغروب الشمس، وعلى عكس من يصوم صوماً تاماً عن الحياة، يوفر لنا الإسلام نظاماً سنوياً لاعادة التوازن بين الروح والجسد. أخذنا الحديث إلى نقاشات متفرعة ووجدتني في جزء كبير منها أتحدث بارتباك خوفاً أن أصل إلى صدام أو أن ينتهي الحديث بشيء غير إيجابي عمّا أؤمن به. 

الشاهد من القصة، عندما يسألك شخص غير مسلم عن الصوم، لايكفي أن تكون إجابتك "نصوم لنحس بالفقراء" هذه الحجة غير كافية وإن لم تعرف من مغزى الصيام سواها فستقع في مشكلة فإما أن يقنعك الشخص الآخر بعدم أهمية ماتفعله أو أن ينتهي النقاش بتشكيكك بالهدف وكونك تابع دون إرادة وكذا كافة الشعائر التي نعرف أهميتها ونمارسها مؤمنين بها كركن من ديننا ولكن للأسف لانذهب لأعمق من السلوك فنفهم حقيقة السبب في فرضها وأثرها على الإنسان جسداً وروحاً.

نحن الآن في رمضان، وأعتقد أنها فرصة ثمينة لترجو شيئاً من العلم الذي ينفعك في آخرتك، العلم الذي يعطيك الحجّة، العلم الذي يُفلح في إقناع شخص لايعرف عن دينك ماتعرفه! ولايعني هذا أن السفر ضرورة لتطبّق فهمك، ولكنه المنهج المتبّع في البلاغ، فهناك فرق عندما تعرف عن دينك ما يكفي ليصحح سلوك خاطئ أو تصرّف بدعي وعندما تعرف عن دينك مايُقنع شخصاً ربما لم يسمع عنه أبداً ليغيّر من نمط حياته ويحترم ماتقوم به. 

Feature Post