الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

تقني أم مفكّر؟

كلّ صباح جمعة نشارك في محاضرة لمدة ثلاث ساعات تناقش التصميم الروائي من مختلف الزوايا، من الأمور التي أثارت اهتمامي أثناء أحد المحاضرات حديث جانبي دار عن دور المصمم في صياغة المستقبل. تخيّل معي شخصاً يعمل يومياً ولمدة أربع سنوات في تصميم المساكن الخاصة، وآخر يصمم المباني التجارية، وثالث متخصص في الأبراج الإدارية، هل يدرك هؤلاء أنّ المباني التي يطرحونها على أرض الواقع تساهم في رسم شكل المدينة؟ وأنّ الإستمرار على نمط معين في التصميم لسنوات متتالية قد يشكل جزءاً كبيراً من هويتها؟
ينطبق هذا على كلّ مجالات التصميم، في الحقيقة أصبحت الصور النمطية التي نشاهدها في هوية المحلات التجارية، الإعلانات، المعارض التي تقام وغيرها تشكل طابعاً للمنطقة وتعبّر عن ذوق أصحابها. في الغالب لا يعي المصممون هذه النقطة ويصمم كل منهم بحسب ذائقته ومهاراته، ولكننا وربما بقصد أو دونه، نتأثر ببعضنا ونقلد بطريقة أو بأخرى ماينجح في التأثير على الجمهور، من ألوان وأنواع خطوط وغيرها، والكثير من العملاء في المقابل يذهبون لمصممين حاملين في هواتفهم صوراً لمايريدون من المصمم تنفيذه بدون تعديلات لأنهم أحبوه، وقد يجد المصمم في هذا صفقةً رابحة ومكسباً مضموناً وقد يرفض إلاّ أن يجدد من الفكرة. وهنا يأتي السؤال: ماهو دور المصمم فعلاً؟ هل هو مجرد"أداة" تنفذ مايطلبه العميل وتكرر تصميم الرائج في وقته؟ هل نحنُ حقاً نملك التأثير على المجتمع من خلال الإنتاج البصري الذي نقوم به؟ هل نعبّر فيه عن أفكارنا أم أننا انعكاس مبني على طلب السوق؟

يدرس الطالب التصميم وهو مدرك لحجم العمل الذي ينتظره في سوق العمل، يعرف تماماً أنّ المجتمع لم يستوعب أهمية المصمم في حياته، ويعرف أنّ مهمته لن تكون سهلة لأنّه كما يبدو هناك الكثير ممن يعتقد التصميم مهمة يمكن لأي شخص صاحب ذوق فني أن يؤديها وأنّ المصمم صاحب الشهادة أهدر عمره في تخصص استغرق منه خمس سنوات! 
يعرف أنّ مابعد التخرج يحتاج للمثابرة ولكنّه ينسى كلّ ذلك مع انتهاء السنة الأولى لمباشرته العمل وشيئاً فشيئاً يصبح طالباً للشهرة باحثاً عن أسبابها التي هي في الغالب "ترويجية وموجودة بهدف البيع فقط". وأعني بهذا أنّها لاتحمل رسالة أو تتحدث بلسان الواقع وإنما هي في الغالب ترجمة مكررة لأفكار مستوردة من واقع آخر أو من مصمم آخر. 
  
لأوضح أكثر ماأعنيه، دعونا نتناول بعضاً من الأفكار السائدة في التصميم الجرافيكي على سبيل المثال، في انستقرام مثلاً كم عدد المصممين الذين يستخدمون "البوب آرت" بنفس الأسلوب والمراجع؟ أصبحت لاتفرق بين حساب وآخر وبين يد وأخرى في التصميم لأنّ الجميع يصمم بحسب الطلب، عدد أكثر من اللايكات، قبول أكثر من الجمهور، إذاً هو أسلوب ناجح!
 أعتقد أنّ هذه المعادلة غير صحيحة وهي سبب في نمطية الذوق السائد للأسف. مثال آخر، كم عدد المصممين الذين تناولو حال المرأة السعودية وعبّروا عن ذلك ببقعة سوداء وخط فارسي مرقوع؟ بصورة لإمرأة مبرقعة تطل من تحت مايشبه القفص؟ وأكاد أجزم أنّ صورة واضحة لماأعنيه طرأت ببالك الآن. 

هذه الطريقة في العمل جعلت دور المصمم للأسف لايتعدى كونه أداة كأي شخص آخر، بينما هو يملك من المهارات والأساليب ماتؤهله ليكون مفكّراً باحثاً من الدرجة الأولى. إنّ دراسة التصميم تدرب العقل على البحث، التحليل، النقد وإيجاد الحلول وهذه هي المهارات الأساسية المطلوبة لأصحاب القرار. فلم لا نوسع دائرة تطبيقها لتتعدى الشاشة التي نصمم عليها وتصل إلى مابعد ذلك من واقع نعيشه؟ 


لا أنكر أنّ كثيراً من المشاريع تتطلب نمطاً متكرراً من التصميم ولكن عندما لاتكون هناك فرصة واضحة لتضع بصمتك الخاصة في النتيجة ابتكر حلولاً غير مباشرة وجرّب طرقاً مختلفة. لا ترضَ بأن تكون أداة تنفذ فقط ولكن اجعل لوجهة نظرك نصيباً من العمل وقد يعني ذلك في كثير من الأحيان ألا تتفق مع العميل أو مديرك في القسم لكن فكّر في الصورة العامة لدور ماتقدمه الآن في صياغة المستقبل، عندما نكون في ٢٠٣٠ ونبحث عن الذوق العام لـ ٢٠١٥ وانعكاسه على التطورات في المنطقة، مالذي سنتحدث عنه؟ وكيف سنقرأ انعكاس ماعشناه من خلاله؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Feature Post