الخميس، 25 ديسمبر 2014

ثقافة الفن المبتذلة



“إن الفن ابن الدين، وإذا أراد الفن أن يبقى حيا فعليه أن يستقي دائمًا من المصدر الذي جاء منه” علي عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب 


بعد زيارتي الأخيرة لمعرض "فن أبوظبي" وعلى الرغم من كمية الجمال الذي كنت محاطة به إلاّ أنّ تلك الزيارة أثارت كثيراً من التساؤلات في ذهني عن حقيقة الفن. حضرت هذا المعرض لسنتين على التوالي وما يميّز السنة الثانية هو العدد الأكبر من صالات العرض المشاركة بالإضافة إلى التنوع الكبير في الحضور من الجنسيات وفئات مختلفة من المجتمع. لكن على الرغم من التنوع الملاحظ تجد أنّ الشريحة الموجودة وإن اختلفت يمكن أن تصنّف ضمن دائرة واحدة.
في كلّ معرض يقام في السعودية أو غيرها نجد أنّ المنظمين والمشاركين والحضور في الغالب يتشابه توجههم ولا أعمم ولكن في كثير من الأحيان تجدهم ينتمون لطبقة معينة وبأفكار متشابهة عن الثقافة والدين وغيرها. كلّ هذا أثار في ذهني العديد من التساؤلات التي أمضيت الكثير من الوقت أفكّر بها ومنها; هل يتعارض الفن مع الدين؟ هل يكون الدين للفقراء والفن للمترفين؟ تذهب لدور تحفيظ القرآن على سبيل المثال وتجد الأغلبية هناك من الفئة البسيطة المتقاعدة من التعليم أو غيره والمتفرغة "حالياً” للعبادة بعد أن أفنت عمرها في الدنيا، وفي المقابل الذهاب للمعارض الفنية يعني مقابلة العديد من "المثقفين" الغير متدينين بالضرورة والمنفتحين على كل شيء بدون وازع سوى تجارب شخصية وقراءات في مختارات من الكتب.

ربّما تكون المقارنة ليس لها أساس من الصحة لكن فكّر في الأمر للحظة؟ لمَ ينتشر فكر كون المتدين معقد وغير مثقف أو ليس له ذائقة فنية؟ لمَ يجب عند إقامة معرض فني يحتوي على أفكار ومشاريع ولوح وتجارب جميلة أن يكون مليئاً بكل مايتعارض مع الدين؟

على مرّ العصور وإذا عدنا لتطور الفن التاريخي نجد أنّ الدين لم يكن يوماً مثبطاً للفن أو مانعاً لانتشاره إلا في فترة الضلال حين اعتبر الفنانون زنادقة وأعداء لله، وعلى صعيد الفنانين نجد هناك شريحة كبيرة من الذين اشتهرت أعمالهم حتى بعد موتهم في دورالعبادة بمختلف توجهاتها ومعظمهم كان من الفقراء وأصحاب المعاناة الذين عبّروا عن مأساتهم باستخدام الألوان التي لامست قلوب الكثير من المترفين ربّما أو بعبارة أخرى من هم في حالة مادية أفضل. الفن للجميع، لعامة الشعب، وربّما اقتناؤه يكون من نصيب أصحاب الثروات لكنّ ثقافته حقٌ للجميع وهي من أساسيات البناء لأي حضارة.  

للأسف بحثت عن نموذج عمّا أعنيه في المنطقة العربية لكنني لم أجد، أي معرض هنا لا يختلف كثيراً عن أي معرض يقام في أي بقعة في العالم في طريقة العرض والتفكير والتوزيع والمعروضات وغيرها، بل إنّ كثيراً من المعارض المقامة في المنطقة هي من تنظيم جهات أجنبية في الأصل، بالطبع أدى هذا إلى دقة الاخراج وإبداع وسائل العرض لكنه في نفس الوقت غيّب الهوية الشرقية بتفاصيلها الساحرة وخصوصيتها التي بدأت تضمحلّ مع الأيام للأسف. 

الله جميل يحب الجمال، وإذا كان الدين يضع للإنسان شروطاً وخطوطاً حمراء فهذا لا يعني أنّه يعارض المبدأ ولكنّه يضبطه ويضعه ضمن إطار يحميه من الوقوع في الشبهات، المشكلة أنّ  دارس الفن يتعرّض لكثير من البحث في أفكار تصوفية ونماذج لفنانين بطقوس معينة، ينفتح فجأة على عالم مختلف، ظاهِرهُ جميل دون أن يكون لديه أساس متين يحميه من السقوط في عثراته، يجد الكثير ممن يصفق له ويمتدح عمله ويوهمه بأن المستقبل المختلف سيكون على يده، وفي هذا جزء من الصحة لكنّ التطور لا يعني الثورة على كل الماضي بحسنه وسيئه بل البناء عليه والإستفادة من تجاربه.


إنّ جمال الفن يكمن في اختلافه وليس في كونه نسخة طبق الأصل لنموذج مطبق في دولة أخرى، لمَ لا يكون لدينا تجربة مختلفة وغنية بالمقومات المطلوبة بنفس مستوى الاحترافية لكنّها تشبهنا، بأفكارنا، باختلافنا، وتنوّع توجهاتنا دون أنّ تتعارض مع قيمنا الدينية والمجتمعية؟ لمَ نحصر اختياراتنا بين نسخ النموذج أوإعدامه؟ لمَ لايكون هناك حلّ وسط؟ برأيي أنّ مايحدث الآن هو انتشار ثقافة مبتذلة وشروط ألزمنا بها أنفسنا بأنفسنا بحيث أصبح من يخرج عنها يُحكم عليه مسبقاً بالفشل. وهذا ينطبق على الفنانين في المستوى الأول والمنظمين من بعدهم. أحلم بيوم نكون فيه رائدين في التجربة الفنية في المنطقة، من أفكار وأعمال وطُرق عرض ولا ينقصنا أي شيء لتحقيق ذلك! وحتى وإن كانت جميع مقومات هذا الحلم مفقودة حالياً، لكنها وإن طال الزمن فلابد أن تتحد يوماً ما لتخرج بمنتجات تحمل أصل الهوية وتعبّر في نفس الوقت عن وجهة نظر أصحابها بطريقة متزنة. 

إنّ أردت البحث أكثر في علاقة الفن بالدين فأنا أنصح بقراءة الإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش، كتاب غني وفيه كثير من المعلومات التي تستحق وقتك. 




الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الدرس الثاني | الرابط العجيب

في نهاية السنة الأولى من التخصص كان المشروع النهائي عبارة عن قرعة بحيث تختار كل طالبة من بين كلمات متنوعة كتبت على أوراق. المطلوب هو أن تبحث حتى تصل لعلاقة تربط بين الكلمتين وتنتهي بتصميم بالتأكيد. في البداية كانت ردات فعلنا عجيبة تجاه الموضوع لكنّ الأمر أثبت جدواه بعد فترة.
كان السحب عشوائياً لدرجة أنّه يمكن أن تبدأ بموضوع عن المطر وتنتهي بموضوع عن الأطفال، الفكرة كانت في البحث وليس في التصميم. المشروع يأخذ شهر بحيث يخصص أسبوعين للبحث وأسبوعين للعمل على تطبيق نتيجته. 
في السنة الأولى لتطبيق هذه الفكرة لم تكن النتائج مذهلة بحكم أننا كنّا لا نزال في بداية التخصص.

السنة التي تليها طبقنا نفس الفكرة على المشروع النهائي لكن بطريقة أقل فرضاً بمعنى كان للجميع حرية اختيار موضوعاتهم بشرط ألاً تبدأ وفي ذهنك نتيجة المشروع، تبحث في الموضوع بعيداً عن التصميم حتى تتكوّن لك فكرة واضحة عن كل أبعاده وبعد ذلك تقدّم مقترحاتك عن التصاميم التي قد تخرج بها من بحثك، تناقش فيها ثم يعتمد أحدها وتبدأ رحلة أسبوعين من التصميم.
أكثر ماأعجبني في هذه الطريقة أنّها تناقض مايعرف بـ “ابدأ والنهاية في ذهنك” وتجبرك على السير عكس المألوف ولا تهتمّ كثيراً بالنهاية لكنّها تعتمد على تطوير مهاراتك البحثية وقدرتك على الخروج من أيّ موضوع كان سواء في الفلسفة أو الطب أو الحياة الاجتماعية أو العلوم أوالفلك أو أو.. بمنتج له علاقة بالتصميم.


سأحدثكم قليلاً عن المشروع الذي خرجت به من هذه التجربة في السنة الثانية للتخصص لعلّ الفكرة تتضح أكثر:

كنتُ أبحث عن بداية لا تشبهني، موضوع مثير لم أبحث فيه من قبل بعيداً عن كل الأمور التي قمتُ بها سابقاً، كنّا نجلس في حلقة ونناقش اختياراتنا وكنتُ أخبر زميلاتي بأنني مللت من البحث في الأمور التي أعرفها من هوايات وغيرها، واقترحت كل واحدة منّا موضوعاً على الأخرى. لا أذكر التفاصيل حول كيف وصلت لهذا الموضوع ولكن عموماً بدأت أبحث بكلمة “لاس فيغاس”. مثير ها؟
في تلك الفترة عندما أخبر أي شخص أنني أبحث عن هذا الموضوع يستغرب ويضحك بسخرية: “مرة ماينفع” حسناً لقد جرت الأمور عكس ماتوقعت حقيقة ولكن بشكل جيّد. بحثت في كل شيء يتعلق بالمدينة، تعرفت على أمور لم أكن أعرف بوجودها، عرفتُ لمَ يفضّل كثير من الناس قضاء الصيف فيها ليس لأنها مليئة بالأندية أو غيرها لكن لأنها تملك من الجبال ما يمكنك التخييم فيه وفيها من الطبيعة الجبلية والأنشطة ما يستهوي الكثيرين. مدينة تقام فيها العديد من الفعاليات ولست هنا لأتحدث عنها.

لم أكن مهتمة كثيراً بالمدينة ولكنّ اهتمامي انصب على  لماذا يفضلها الناس؟
انتقلت للبحث عن سبب تفضيل الناس للمناطق المزعجة أو الضوضاء، فكما هو معروف لاس فيغاس مدينة مكتضة بالسكّان و في الليل يصبح قلب المدينة وكأنّه يحتفل للمرة الأولى في حياته! الأضواء مشتعلة، الناس في حركة دؤوبة ووسائل المواصلات لا تتوقف عن الحركة.

على عكس كوني شخصاً يبحث عن الهدوء ويبتعد عن الازعاج هناك من يذهب لوسط المدن المكتضة مثل نيويورك أو لاس فيغاس ليس لشيء ولكن ليتيه بين الجموع. حينما يكون حولك الكثير من الأشخاص والكثير ممن لايبالي بوجودك ممن لاتعرف، لايكون وجودك هناك أمراً ذا قيمة وكأنك لوحدك في الازدحام. فكما أنّ عدم وجود الأشياء يعني الفراغ فوجودها بصورة مبالغ فيها يساوي الفراغ أيضاً. وجدت العديد من الأبحاث والدراسات التي تتحدث عن الموضوع بطريقة غريبة، كيف يكون للأصوات العالية من حولنا أثر على تصفية أدمغتنا وتفريغ السالب من الشحنات التي توجد بها. صدق أو لا كما أنّ الضوضاء قد تصيبك بالمرض هناك أشخاص يألفونها ويلجؤون لها لتصفية تفكيرهم!
وهكذا تحوّل موضوع البحث من لاس فيغاس لفلسفة الصوت، ولم يقف هنا!

بدأت أبحث في الموجات الصوتية وتأثيرها الذي يتعدى الإنسان للجمادات، الموضوع قديم جداً يرجع للحروب النازية عندما دُمّرت مدن بكاملها باستخدام ذبذات متخصصة، إلى أن صدرت قوانين دولية تحدد المسموح باستخدامه من ترددات الصوت المختلفة بناء على تأثيرها. 

اليوم وتبعاً للتطورات المنطقية للموضوع والمخيفة في نفس الوقت، هناك من يروّج لفكرة Digital Drugs الفكرة جيّدة لكنّ وضعها في اليد الخطأ أدى إلى وجود مواقع ترّوج هذه التقنية للمراهقين والأمر أشبه بغسيل الدماغ!
الفكرة أنهّا تبعيك مقطعاً صوتيّاً، تطلب منك استخدامه بطريقة معينة في وقت معيّن وبتكرار ما، حتى يؤثر عليك وكأنّك قمت بأخذ جرعة كوكاين أو هيروين أو غيرها من المخدرات والمسكرات.
مستحيل؟
لاشيء في عصرنا مستحيل :)

هناك في المقابل من يستخدم الأصوات بشكل عام كنوع من العلاج النفسي وهناك وهو المخيف أكثر من يدرس تأثير الذبذات والترددات على دماغ الإنسان ليتسخدمها في التأثير عليه لأغراض غير سليمة.

أين وصلت في المشروع؟ في هذه المرحلة كنت منبهرة جداً بكمية المعلومات التي تعرّفت عليها ونسيت أنّ عليّ أن أوصلها للتصميم. لكنّ الأمور سارت جيّداً في النهاية وللّه الحمد. فكّرت ماذا لو تطورت هذه التقنية لدرجة أن يتم طرحها في الأسواق وتصبح فعلاً أدوية تباع في الصيدليات؟ هل يمكن استباق الأحداث وتصميم دواء يعالج بالصوت بدل الحبوب، الشراب أو الإبر؟
يوماً ما سيكون هذا كلّه جزءاً من حياتنا اليومية وبطريقة جيّدة hopefully. 

هنا بعض الصور للمشروع:







صممت ثلاث أنواع للدواء المعالج بالصوت، للصداع، الأرق ولاكتئاب، مرحلة التصميم كانت رحلة أخرى من البحث لأن ماصممته يعتبر جديد في مجاله، كان عليّ تعلّم كيفية عمل هذه التقنية ومقارنتها بالأدوية المتوفرة حالياً للوصول إلى تصميم يمكن فعلاً أن يستفيد منه المريض بأحد هذه الأمراض. طوّرت الهوية، الرسومات والمعلومات بالإضافة إلى مايوجد داخل العبوّة من سماعات وغطاء للعين وغيرها من الأمور المناسبة لارشادات الاستخدام. 


يمكنك الاطلاع على جزء من البحث الذي قمت به هنا والتصفح إن كنت مهتمّاً : 
http://mariamawesomedesigns.tumblr.com/page/10 


المهم من كلّ هذا وخلاصة الكلام أنّ البحث هو الأساس لأي مشروع وهي المرحلة التي يجب أن تأخذ جلّ وقتك واهتمامك، عندما تصمم مثلاً إعلاناً عن القهوة،، لاتبدأ بالبحث عن "اعلانات القهوة" بل ابدأ بتاريخها، كيف تُزرع، كيف تطورت صناعتها، ثم وبعد أن تعرف كلّ هذه التفاصيل ابدأ بالتصميم وإلاّ فكيف ستخرج بأفكار جديدة؟ الأمثلة التي تراها حتماً ستؤثر عليك وسينتهي بك المطاف تشبه أحد التصاميم التي شاهدتها، لكنّ البحث هو مايميّزك لأنّه يستحيل أن يصل اثنان لنفس النتيجة حتماً حتى وإن كانت البداية متشابهة، بالإضافة إلى ذلك فنحن نعيش اليوم في زمن لايمكن اخفاء أيّ معلومة عن الناس وبضغطة زر يمكنك الوصول لآلاف منها، لذا فهناك تحدٍّ كبير أن تخرج بفكرة جديدة لم تخطر ببال المستخدم حول موضوعك، تجذبه لها وبهذا تحقق مبتغاك من لفت انتباهه للموضوع أو بيعه المنتج. 


إذا كان لديك أي مواضييع أو أسئلة تخص التصميم وترغب في طرحها أرحب باستقبالها عبر البريد الإكتروني mariamgdesign.a@gmail.com 


السبت، 20 سبتمبر 2014

فوبيا الحصول على وظيفة

قبل أشهر وأثناء مرحلة التقديم على الجامعات اتصلت بي احدى الزميلات تستشيرني في التخصص بحكم أن أختها ترغب في التقديم عليه، كان لديها سبب واحد جعلها مترددة بشأن الموضوع وهو ضمان حصولها على وظيفة بعد التخرج. لست هنا لأحكي القصة ولكنّ هذا التساؤل تكرر كثيراً من قبل أشخاص مختلفين، ورغم أن الشخص يملك كل مقومات اجتياز سنوات الدراسة بامتياز إلا أن موضوع الوظيفة لا زال يجعل الكثيرين غير واثقين من هذا المجال. 

التصميم لا يختلف عن كثير من التخصصات فهو لا يقدم ضمانات للأشخاص العاديين الذين لا يملكون سوا شهاداتهم، وحصولك على وظيفة فيه أو في غيره من التخصصات يعتمد على اجتهادك ومدى عصاميتك في العمل على تقديم نموذج راقي من الأعمال وشخصية متميزة في علاقاتها. 
في المقابل هو يقدم لك بعض الامتيازات التي لا تجدها في غيره مثل إمكانية العمل من المنزل، والعمل الحر الغير ملتزم بدوام بالاضافة لأن طالب/ة التصميم يتعلم من المهارات ما يمكّنه من الإبداع في مجالات حِرفية أخرى أوسع من مجال دراسته لأنه يفتح لك مواضيع بحث وآفاق لم تخطر ببالك يوماً فهو لا يعتمد على التلقين والحفظ بل يقوم على التجربة والاختبار وتعلّم وسائل البحث ثم الخروج من كل هذا بتصميم قابل للتطبيق، وكم من خريجي التصميم  والعمارة أو الهندسة حتى انتهى بهم المطاف لتصوير الأفلام وتصميم الأزياء والأنيميشن أو حتى رسوم القصص المصورة! وهناك الكثير ممن بدأ ببيع منتجاته الخاصة، أضف إلى ذلك أنّه من التخصصات القليلة التي يُدفع لها مكافأة “رمزية” عند التطوع في أي مجال كان. 

العجيب في الموضوع وبعد كل هذه المقدمة أن الطالب يتخرج من الثانوية وهو يحمل هم رأس المال الذي لا يملكه ولن يملكه حتى بعد خمس سنوات ويقرر بناء على ذلك تغيير رغباته الجامعية والتوجه لتخصص آخر طبي مثلاً! 
صدّق أو لا لكن لا أحد منّا يولد بملعقة ذهبية أو بالأصح الأغلبية منّا لا يحصل له ذلك. مجال الأعمال لا يعتمد على المال بقدر ما يعتمد على علاقاتك التي تجلب لك المال فيما بعد وهناك من الطرق الآلاف التي يمكن لك أن تسأل عنها وتتعلم الكثير منها خلال مشوارك الجامعي، ومن الطبيعي جداً أنّك لا تملك مقومات حلمك الكبير وأنت في عمر الخامسة عشر! كما أنّ بداية عمل في وقتنا الحالي أسهل بكثير مما كان عليه قبل سنوات وهذا بسبب تعدد وسائل التسويق المجانية التي يمكنك استخدامها بذكاء لتروّج لما تريد بيعه من الأفكار وغيرها!

لو أنّ هدفك الأساسي من العلم هو الحصول على وظيفة فأنت تضيّع على نفسك متعة التخصص الذي تختاره والذي سيلازمك لبقيّة عمرك! رزقك مكتوب منذ ولادتك ونصيبك لن تُقبض روحك حتى تستوفيه فلمَ تستبق الأحداث وتجزم بما لا تعلم وتروّج لفكرة أنّ هذا المجال لا مستقبل وظيفي له بناءً على رأيك الشخصي الذي -ومع فائق احترامي- لا أساس له من الصحة. 

حصولك على وظيفة يعتمد بالدرجة الأولى على علاقاتك، ومن يعتقد غير ذلك فعليه تغيير هذه النظرة وإلا فسينتهي به المطاف في المنزل، وهذا ليس كلامي فهناك العديد من أصحاب الخبرات من يؤكد ذلك، جودة العمل تأتي في المرحلة الثانية، لأن العمل الجيد الذي لا يعرفه أحد لا قيمة له. وكم من المصممين المبدعين الغير معروفين وكم من المصممين بمستوى عادي والذين تنتشر أعمالهم في كل مكان وهذا ليس نقصاً وإنّما مهارة تجارية وازنوا بها مهاراتهم الفنية. 

احرص منذ البداية على المشاركة في الفعاليات المتعلقة بتخصصك من مؤتمرات، ندوات او معارض وحتى وإلّم تُقدم أعمالك فيها فعلى الأقل ستلتقي بأشخاص يعرفون بدورهم آخرين يبحثون عن أمثالك وستتعلّم منهم كيف تسوّق لعملك.

لا يهمّني أن أجد قصة حياتك ولكن أريد أن أرى اسمك متواجداً عندما أبحث عنه في أي محرّك بحث، أعمالك، سيرتك الذاتية، موقعك الشخصي، مشاركتك في فعاليات كلّ هذا يضيف لرصيدك من المهارات ويجعلك متميّزاً عن غيرك في نفس المجال. 

لذا وقبل أن تحرم نفسك فرصة تعلّم ما تُحب لسبب قد لايكون له أي أساس من الصحة أعِد التفكير وانتبه لكمية الخسارة التي قد تحصل لك وليس فقط الفوز، المجال الذي ستعمل به سيأخذ من عمرك الوقت الكثير وإلّم تكن شغوفاً بتخصصك فلن تتمكن من مواكبة تطوراته والبحث في مجالاته المختلفة والتعمق بها وأنت مرتاح البال، ستفعل ذلك رغماً عنك و سيكون من الصعب أن تبدع وسينحصر همك على الكم المادي الذي سيعود به عليك، لكن في المقابل الصعاب التي تواجهك في مجال تحبّه تهون وقد توجِد لها ألف مخرج وحل في سبيل الوصول لما تطمح له والاستمتاع بالرحلة.


الأحد، 14 سبتمبر 2014

انظر بعين المستقبل

من أصعب القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته، القرارات المتعلقة بالمستقبل.العجيب في الموضوع أنّ كل مرحلة انتقالية في حياة الإنسان تتطلب اتخاذ قرار يعتقد في وقته أنه مصيري ثم يكتشف بعد ذلك أنّ هناك أكثر من طريقة لتصحيحه في حال كان غير موفق. 
عندما كنت في المرحلة الثانوية وبالقرب من امتحانات القدرات العامة والتحصيلي كان عليّ اختيار الرغبات الجامعية الست وترتيبها حسب الأهمية، في تلك اللحظة كانت هذه الخطوة هي أصعب خطوة قمت بها، وكنت أعتقد أنّ التخصص الخاطئ هو نهاية العالم! 
والآن أنظر لتلك الأيام وأعتقد أنني حملت نفسي فيها أكثر مما يجب ورغم أنها آتت أكلها إلا أنه كان يمكن لها أن تمر بسلام أكبر ..

مع تطور حياة الإنسان تتطور طبيعة القرارات التي يجب عليه اتخاذها ويتعلم كيف يرتب أولوياته، ومن الأمور التي ساعدتني في هذا الجانب حتى في المواقف البسيطة مثل حضور فعالية معينة أو الاشتراك في ورشة أو مسابقة أو غيرها هو النظرة الشاملة للأمور، على سبيل المثال بعد خمس سنوات من الآن هل سأستفيد من هذه الفعالية؟ أو ما أثرها بعد التخرج على فرص حصولي على وظيفة؟ أو هل ستضيف لشخصيتي أم أنها مجرد مهارات؟ ونحو ذلك من الأسئلة التي قد تتفاوت في دقتها من شخص لآخر ولكنّها في الإجمال لا تتحدث عن صعوبات اللحظة وإنّما تنظر بعين المستقبل لأثر هذا القرار.
مايجعلني أستحضر كل هذا هو مقال قرأته عن قدرة الإنسان على التغيير ووجود شخصيات في طبيعتها تميل لصنع الفارق أيّاً كان المجال الذي تحبّه، والعجيب في الموضوع أنّ هناك أشخاص يعلمون بهذه الصفة المميزة لديهم لكنهّم أكسل وعلى قدر كبير من المزاجية من أن يستثمروها في مجالها الصحيح كالتعليم مثلاً أو نحوه.
على سبيل المثال في الفترة الحالية قد يكون المجال الذي تتقنه مليئاً بالتحديات أو أن النقص في موارده كبير، لكنك تعلم أن الوضع في تحسن وأن هناك من الجهود ما يعد بحال أفضل بعد أربع سنوات أو نحوها، هل تتخذ قرارك بناء على اللحظة السيئة؟ أم تنظر للتغيير الذي يمكن أن تساهم فيه بعد سنوات؟

سيحاسب كلّ منا على استغلاله لمواهبه في مجالها الصحيح وتسخيرها لخدمة المجتمع والدين، والموضوع تكليف أكثر من كونه تشريف ويتطلب تحمّل الكثير من المسؤولية والصبر! وفي اختياراتك المتعلقة بنفع الناس ادرس أفضل ما يمكنك تقديمه و أفضل الظروف المتاحة وما يمكن أن تستفيد منه ووازن بينهم. 

باختصار..
انتبه لا تضيع فرصة من يدك بسبب خلاف مع مسؤول أو نحوه لأن الفرصة ماتتكرر لكن الكراسي تدور..

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

الدرس الأول |Trust the process

“ Slow down, calm down, don’t worry, don’t hurry; trust the process! “-Alexandra Stoddard-


على الرغم من أنّ معظم الناس يمرّون بنفس المواقف إلاّ أنّ ردات فعلهم تختلف بحسب اختلاف خلفياتهم الثقافية، طبيعة شخصياتهم وأفكارهم المسبقة عن الوضع الذي يعيشونه. بالطبع ماتعتقده يؤثر بشدة على ما تتخذه من قرارات وما ينتج من سلوكك تجاه الأشخاص من حولك.
خلفيتك الثقافية و أفكارك يمكن لك أن توسّعها وتتعلم منها أو تستبدلها بأخرى، المشكلة عندما تكون شخصيتك أو طبعك هو ما يحكم تصرفاتك. هُنا يتطلب الموضوع المزيد من الصبر وإلّم تكن مقتنعاً تماماً فلن تتكيّف مع أيٍّ كان من الظروف.
ربّما تذكُر في كل مرحلة دراسية من عمرك ذلك الطالب الذي يعرف مسبقاً الجواب ويكمل جُمل الأستاذ ويزعج الطلاب لأنّه مثقف ويعرف أكثر منهم، يستعجل في أسئلة سيتطرق لها معلّمه في نهاية الحصة أو في درس لاحق ويريد أن يعرف أكثر من الآخرين. حسناً لقد كنت أنا في كثير من الأحيان ذلك الطالب، وكانت هذه من أكبر المعضلات التي واجهتها في الجامعة.

عندما قررت دخول تخصص التصميم عموماً كان عليّ أن أعرف أنّه لايوجد إجابات محددة أو توقعات مسبقة للنتائج، عليك أن تحاول وتجرّب وتحاول وتجرّب وتحاول ... وربّما تُضطر في وقت قريب من النهاية أن تبدأ من الصفر. ليس هناك منهج وامتحان، هناك العديد من العمل، وساعات طويلة جداً من البحث والتفكير.
في السنتين الأولى لدراستي وعلى الرغم من أنني تخصصت لاحقاً في تصميم الجرافيك إلاً أنني درست التصميم الداخلي وصدّق أو لا تصدق صممت شاليه في السنة الأولى ومطعم مطلّ على البحر في السنة الثانية!
كانت سنوات تحدّي أمام نفسي قبل الآخرين، وكان من الصعب عليّ أن أتقبّل معظم الوضع. لازلت أذكر المرة الأولى عندما قمت بتسليم الأفكار الأولية لمشروع المطعم، كنت أرتجف خوفاً "ولست أبالغ”، قدمت خمس أفكار “رسومات بالأصح” رُفض ٤ منها وكُتب على الخامسة “يطلع منها” كنت في غاية انفعالي لأنّ أفكاري وصفت بالابتذال والتكرار على الرغم من أنّني قمت ببحث جيّد، لكنّ مواجهة الدكتورة كان آخر ما أفكّر فيه في ذلك الوقت.
مرّت تلك السنة بصورة عجيبة وأتحدث هنا عن السنة الثانية، ابتدأت بشخابيط على ورق وانتهت بتصميم طُبع على خمس أمتار وحصل على ٩٦ درجة ولوحة الخط العربي التي تم اهداؤها بعد ثلاث سنوات لأمير المنطقة الشرقية وعُلقّت نسختين منها في أروقة الجامعة و شاركت في أكثر من معرض، وعلاقة جيّدة بل ممتازة مع من درّسني في تلك السنة. 

دراسة التصميم إجمالاً تتطلب منك الصبر وعدم استعجال النتائج، تعلّم أن تتقبل النقد وتستوعب منه ما يجعلك تتقدم بالمشروع نحو الأفضل، لا تنظر لأعمال غيرك كي تقلل من قيمة ماتعمل ولا تستخفّ  بانتاجك أيّاً كان ولا تسمح لأحد بأن يقلل من قيمته. ربّما تُخفق في البداية لكن عليك أن تُعلّم نفسك بالطريقة الأصعب ربّما أن تثق بسير العملية ككلّ. ومن يعلم ربّما ينتهي ما تظنّه اخفاقاً بنجاح تتذكرّه طوال عمرك!

بعد التخصص كانت الأمور لا تزال على هذا النحو، الانتقاد مزعج ورفض الأفكار يجعلك في مرحلة خطر، خصوصاً أنّ هناك من تُقبل أفكاره من المرّة الأولى، لكنني تعلّمت ألاّ أنظر إلى أفكار الآخرين وأتعمق بها إلا بعد أن “أرسى على بر” وإلاّ فسأصاب بالاحباط. في نفس الوقت عليك أن تعرف إلى أين وصل الجميع حتى تتأكد أنّك تسير على الطريق الصحيح ولست متأخراً.

عندما يصلك اسم المشروع وتأخذ “البريف” عليك أولاً أن تبحث وتتعمق في البحث. البحث الجيّد هو المولّد الحقيقي للأفكار، لا تبدأ بتصفّح بيهانس أو بنترست من البداية، ابدأ أولاً بالفكرة ثم فكّر في تطبيق مبتكر لما توصلت له وبعد ذلك تصفّح ما يمكن أن يلهمك. وحقيقة بعد كلّ ما رأيت في الخمس سنوات الماضية، الأفكار القويّة تأتي من الإلهام الملموس الذي لا تجده في شاشة جهازك.

إذا كنت قد دخلت مجال التصميم ولا زلت في البداية، هنيئاً لك! ستتعلّم الكثير وستكون دروس حياة أكثر من مجرّد خبرة عمل، وصدّقني ستخرج بشخصيّة أكثر نضجاً. وإذا كنت لا زلت في عُمر أصغر وتفكّر في التصميم كمجال، فضع بعض الأمور في اعتبارك وأولها أنّه لا يشبه أيّ من التخصصات الأخرى، ومهما قيل لك عنه فستختلف تجربتك فيه بناءً على شخصيتك وكيفية تعاملك مع الأمور.


إذا كانت لديك بعض الأسئلة عن التخصص أو أي اقتراحات عن مواضييع تخص الجرافيك وتودّ مني طرحها، أرحب بها على البريد الإلكتروني

السبت، 30 أغسطس 2014

أنا وأنت كلٌّ منّا على ثغر!

كنتُ في حديث قبل فترة مع مسؤولة عن أحد الأندية التطوعية حول عظيم أجر من يعمل لله عز وجل وبالتحديد من يستحضر هذا الأجر كأسلوب حياة في كلّ مايعمله، عظيم الأجر لايكون فقط بالأجر الأخروي عند الله ولكنّ المرء يجد لذته في الدنيا حيث يستمتع بما يفعل ويخلص في اتقانه ويفتح الله له بنيته أبواباً لم تكن لتخطر على باله.
كلّنا يعرف هذا الكلام وما من أحد إلاّ وقرأه أو سمع به، لكن عندما نأتي للواقع نجد أنّ تصرفاتنا لا تمت لهذا المعنى العميق بصلة.
منذ البداية وعندما نبدأ بادراك تصرفات الآخرين نحونا وعلى سبيل المثال في المرحلة المتوسطة عندما نقابل معلّماً يجتهد في تصعيب الدروس، وآخر لا نجد اجتهاده إلا عند حضور المشرف أو المسؤول للصف، يستنكر جميع الطلاب عليه ذلك ونتوعدّ بأننا وأنّنا لو كنّا مكانه فلن نكون مثله أبداً، وفي مرحلة متقدمة ندخل الجامعة ونقابل مختلف الأشكال والألوان من الإداريين والمحاضرين ومنهم من يُحسن ومنهم من يسيء ونظل موقنين بأننا لن نصبح مثلهم أبداً وسنكون مخلصين وماإلى ذلك من حلو الكلام.
وتمرّ السنين...
ويصبح ذلك الطالب أستاذاً في المدرسة وذلك الجامعي محاضراً ويكون ربّما أسوأ من النماذج التي قابلها. هل تعتقد أنّ هناك من قفز على كرسي الوزارة أو الإدارة وحصل له ذلك فجأة؟ كلهم يوماً كان ذلك الطالب الذي انتقد وذلك المواطن الذي عانى، ظلّ عقله في تقدّم لكنّ نيته تغيرت أو ربّما نسي ماكان يدعو بالأمس، أحياناً تتعجب من تصرفات بعض الأشخاص وتتساءل ألم يجرب يوماً أن يكون تحت مسؤول؟ لمَ قد يُسيء عمداً من مرّ يوماً بتجربتك؟ لكنّه وإن كان يوماً في موقفك فقد أعمته الدنيا ولربما يعتقد أنّه يقدم خدمة للعالم بما يفعله حتى يصنع نماذج تشبهه.

يقول خير البشر محمد صلى الله عليه وسلّم: “ كلّ رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لايؤتى الإسلام من قبلك” فكلّ مسلم هو سفير لهذا الدين مهما كانت صنعته وكلنا سفير لهذه الرسالة أيّاً كانت مناصبنا وسنُحاسب. المشكلة أننا نعتقد أنّ خدمة الإسلام يجب أن تكون في المحافل الدعوية وخُطب الجمع لكنّ فضل الله واسع وأبواب الخير كثيرة “إنّ المؤمن ليبلغ بنيته مالم يبلغ بعمله”! 
نحنُ الآن على أعتاب عام دراسي جديد وأنا هنا أخاطب نفسي قبل الجميع، ولعلّ الحديث أمام الملأ يُحمّل المرء المزيد من المسؤولية في مراقبة سلوكه، لنستحضر نيّة العمل لأجل الله وأعتقد جازمة أنّها الحل لكلّ مانعاني منه في مختلف المؤسسات لأنّ صناعة النية هي صناعة توجه وفِكر وبالتالي سلوك. لو أنّ نيتك في استيقاظك وذهابك للمدرسة أو الجامعة هي طلب العلم لخدمة أمة، لو أنّ نيتك فيما تُعطيه وتبذله من وقت هو إصلاح مجتمع، لو أنّ نيتك في اتقانك لحرفتك هي مسلم قدوة وعمل لما يحب أنّ يراه الله من إخلاص، وغيرها من الأمثلة كثير، عندها ستتغير نظرتك للأشياء وتعاملك مع الناس، وسيزيد صبرك وستوقن أنّ أجرك هو ماتنتظره عند الله، ولن تنسى معاناتك في قديم الزمان ووعودك التي حقق الله لك منها المنصب ليختبر صدقك في تأديتها.

جرّب أن تجلس مع نفسك الليلة وحدثها عن ١٠ نوايا صادقة تحتسبها فيما تنوي فعله لهذا العام، اجعلها حاضرة في ذهنك وذكّر بها قلبك قبل أن تُقدم على أيّ عمل بالقبول أو الرفض. الأمر ليس بهذه السهولة وهو يتطلب الجهاد ومن يعقد العزم عليه لابد أنّ الله سيختبر صِدقه ولكنّ التزامك به سيجعلك ثابتاً في زمن قلّ من يثبت فيه وستكون عنده مرتاح البال لأنّك موقن أنّك مستخلَف لإعمار الأرض لا للتجبّر فيها.  

الأربعاء، 2 يوليو 2014

"مشاكل اليوم مابدها حل امبارح" !

سامسونج أطلقت قبل فترة "الغسالة الذكية" شفت اعلانها قريب ومن ضمن الميزات العديدة الي أبهرتني إنّ فيها امكانية التشغيل بالواي فاي بمعنى لو الأم قاعدة بالصالة وحبت تشغل الغسالة تفتح أبليكيشن من جوالها وتعطي أمر "غسيل". 
هذي الصورة هي تطور طبيعي للثورة التكنولوجية اللي قاعدين نعيشها بس لمن يوصل الوضع إلى الغسالة وليش مركزة عليها هنا لأنّ الغسيل عملية أساسية في كل بيت، الثورة في الجوالات ممكن تصنف ضمن الكماليات على الرغم من إن الجميع أصبح يملكها، لكن لمن يوصل الموضوع لثلاجة، غسالة، تلفزيون، مكيف هذي الأشياء اللي تستهدف كل الناس بمختلف مستوى تعليمها وبغض النظر عن خلفياتها وتجاربها السابقة مع التكنولوجيا، وتخاطبها بلغة سهلة واضحة أساسية، لمن نوصل لهذي المرحلة يصير التنبؤ بالمستقبل شي صعب! 
هذا على مستوى العالم، طب على مستوى محلّي وين قاعدة تاخذنا الثورة التكنولوجية؟

أثناء فترة تسليمنا لمشاريع التخرج وبعد ماكنت مبهورة بتطور أفكار البنات من مجرد نظرية إلى مشاريع متكاملة مبتكرة تلامس قضايا اجتماعية نعيشها كل يوم، ورح تشوفونها قريباً بإذن الله، حضرت حفل تدشين أحد المناهج الجديدة. الشاهد في الموضوع إن المنهج استغرق العمل عليه سنوات طويلة وأعجبني كثير كمية الدقة واهتمامهم بأدق التفاصيل في كل اللي قدموه الله يعطيهم العافية.
صار لي فترة طويلة بعيدة عن طلاب الصفوف المبكرة لكن تفاجأت إن الوسائل التعليمية اللي كانت معروضة مع إنّ أفكارها مصممة لمنهج دقيق إلا أن مخرجاتها تشبه بالضبط الشي الي شفته لمن كنت أنا أدرس بالابتدائي. 
هالشي استوقفني كثير وتتابع هذي المواقف من ثورة سامسونج إلى أعمال الطالبات إلى هالمنهج اللي رح تعتمده الوزارة ورح يطبق للخمس أو العشر سنوات القادمة!
أتخيّل ايش كان ممكن يصير لو كان فيه قسم متخصص لتصميم المواد التعليمية والوسائل العملية لتوصيل المعلومات للطلاب والطالبات؟ الثورة اللي قاعدين نعيشها شملت كل شي من أفكار إلى مواد إلى تكنولوجيا إلى وإلى.. مو معقولة إني من ٢٠ سنة إلى الآن لازلت أستخدم نفس المواد بنفس الإخراج مع كل التطور اللي قاعدين نعيشه؟
يعني نتخيل كذا بيت فيه غسالة ذكية ويروح ولدهم المدرسة يلقى سبورة طباشير؟
أنا مش مع ان التكنولوجيا تطغى على التعليم بالعكس المواد المهارية وتعلم الحِرف ضرورة من ضرورات الحياة لكن لابد يكون للتعليم نصيب الأسد في مواكبة التطور لأن الجيل يُبنى من المدرسة ويتوقع منها تكون محضن يوجه الطلاب للاستخدام السليم والذكي لكل الأشياء اللي بسهولة في وقتنا الحالي يقدر يحصل عليها.

كم طفل عنده آي باد؟ على الأقل في كل بيت طفلين إلى ثلاث لكن كم واحد منهم يستخدم هذي التقنية في غير اللعب ومشاهدة يوتيوب؟ 

لمن أدخل على بيهانس وأتفرج على الأفكار اللي تستهدف أطفال المراحل الإبتدائية وأصغر واللي في نظري مرحلة مهملة في كثير من الأحيان بحجة إنهم "صغار" وأشوف الوسائل التعليمية المصممة وفق سيكولوجية الطفل وتعامله مع العالم الخارجي واستخدامهم للخشب والبلاستيك والوسائل "المصنعة" خصيصاً للأطفال بحيث تكون صديقة لهم، يعجبني وأنبهر وأرجع للواقع وألقى الأساتذة لازالوا بالدبل ستك والدباسة وصور الكلب آرت؟ ليش لازالت هذي الوسائل الأساسية تعتمد على اجتهاد المعلم ودرجة حرص المدرسة ومين اللي قاعد يراقبها؟  
فيه فجوة كبيرة وفيه مشكلة مو بس قاعدة تأثر على تقبّل الطفل للمعلومة لكن على مجتمع بأكمله! لمن يكون فيه فرق كبير بطريقة تلقي المعلومات بين مايعتبر رسمي وصحي ومفيد وآمن "المدرسة" وبين الحياة الحقيقية ومتطلباتها!
أي علم لمن نجي نتعلمه نبدأ من الأصل وكيف بدأ وكيف تطور إلى مانوصل للأشياء المتوقعة لهذا العلم في المستقبل. الحمدلله التقنية سهلت علينا خطوات كثيرة جداً واختصرت علينا بحث طويل في الكتب والمراجع وصار سهل علينا نقرأ تاريخ الأشياء ونبحث في أصلها، لكن المشكلة إننا نغرز في التاريخ ونوقف البحث. 
في مهارات كثير ومعلومات أساسية تعلمتها في الجامعة كنت أتمنى لو إني أعرفها من مراحل مبكرة، كنت رح أطورها من بدري ورح أعرف غيرها بصورة متتابعة وسريعة، لكن للأسف كان مفروض أستنى دخولي الجامعة ومحاضرة في سنة خامسة عشان أعرفها.

ماأعرف هل الخطاب هنا موجه للوزارة؟ للمصممين إنهم يتبرعون؟ أو للمدرسين عشان يجتهدون أكثر؟ كل اللي أعرفه إن فيه مشكلة مضايقتني جداً ومتحسفة على طاقات قاعدة تضيع في غير محل.  


الجمعة، 11 أبريل 2014

لماذا رفضت بعد المقابلة؟

في العام الماضي عندما كنّا نبحث عن فرص للتدريب في فترة الصيف، تواصلنا مع أحد المؤسسات ورحب بنا كثيراً بحجة أنه في انتظار المصممات السعوديات ويبحث عنهنّ منذ فنرة ووعدنا بوظيفة ثابتة بعد التدريب. حدد موعد للمقابلة الشخصية وتقديم نموذج من أعمالنا في مجال التصميم الجرافيكي. ذهبت مع صديقاتي وأجرينا المقابلة كلٌّ على حده وكانت المسؤولة في تلك الفترة من جنسية غير سعودية. المهم أنه بعد ثلاث أسابيع وصلنا رد بالرفض مع اعتذار غير مبرر. انتهت القصة وحصلنا على فرصة أخرى في مكان آخر.
مايجعلني أستحضر هذه القصة الآن هو أنني قابلت من يمثل هذه المؤسسة في ملتقى المهنة وتحدثنا مطولاً عما تبحث عنه في موظفيها. ضلت المسؤولة “الغير سعودية” تردد كلمات مثل الحرية والانفتاح والسفر لأكثر من ١٠ دقائق وتتحدث عن وضع النساء هنا وأنها لاتفهم كيف يقضين أوقاتهن برتابة وملل. كان من أهم المميزات التي تبحث عنها الشركة أو مسؤولة التوظيف على الأقل أن تكون الموظفة ذات فكر مفتوح. قلت لها “أنا صاحبة فكر كثير منفتح لكني أغطي وجهي كثير برضو”. ضحكت ثم سألت: "من جد؟" تفاجأت بالرد وارتبكت، استتنجتُ أنها من كل السابق كانت تتحدث عن غطاء الوجه وربطت كلامها هذا بالرفض في العام الماضي. هي تعتقد أن الغطاء سيجعلك معقد أو غير منفتح. تحدثنا طويلاً  ليس لأحصل على الوظيفة ولكن لأبين لها بأنّ هذه الفكرة خاطئة تماماً. 
ماأريد الوصول إليه هو أنني لست عاتبة على هذه الموظفة التي أتت من بلد مختلف تماماً في ثقافته لتستلم أكبر منصب في قسمها بفكرها الغير صحيح وتصبح مسؤولة عن التوظيف أيضاً، ولكنني عاتبة على السعودي صاحب المؤسسة الذي لم يكترث إلا بسير العمل بغض النظر عمن يؤديه. 
المشكلة عويصة مع غطاء الوجه في كلّ العالم ولاأفهم كل هذا التحجير للنساء اللاتي يخترن هذا الطريق. حتى أنني لم أخبرها عن نوعية الغطاء الذي أرتديه ولربّما أصيبت في مقتل بعدها! 

عندما ذهبت لفن أبوظبي في نوفمبر الماضي عانيت من هذا الأمر أيضاً. المعرض كان مليء بالأجانب والكل كان يتحاشى الحديث معك بسبب عباءتك أو غطاءك. وكان هناك العديد من الأشخاص الذين يعتبرون وجودك في مكان "فنّي" بهذا المظهر أمراً مستحيلاً  ويطلبون تصويرك أمام المعروضات بحجة توثيق الفعالية، لكنّ أعينهم كانت تتحدث. 
أحد المعارض كان يقف عليها امرأة أمريكية وبّختنا بشدة عندما حاولنا لمس أحد المعروضات بلغة تدل على فكرتها المسبقة بأننا “لانعرف ماذا نفعل”. عندما بدأت بالحديث معها استغربت أنني أتقن الانجليزية وسألتني إن كنت درست في مدرسة عالمية وتفاجأت بالرد، واستغربت أكثر أنني أعرف الفنان وعلى اطلاع بنوعية المواد التي يستخدمها واتجاهه الفني. الخلاصة أنّ هذ الحكم المسبق مزعج جداً ويحرمك في كثير من الأحيان من فرص مؤهل لها. وفي كلّ مرة عليك أن تثبت العكس. هذا الموقف تكرر للأسف مع زميلة لي في دبي أيضاً في فعالية مماثلة حيث كانت مع اللجنة المنظمة وكانو يتجنبون وضعها في "الواجهة عشان ماتفشلهم"! ولا تقل لي بأنني أبالغ، لستُ أعمم على الكلّ  ولكنّ هذا الأمر شاهدته بعيني. 

إذا كنّا ننادي بالحرية ونطلب التغيير فعلينا أولاً أن نغيّر من أنفسنا ونظرتنا للأشياء، إذا كنت أنا في بلد الحرمين أقيّم من شكلي الملتزم ولاأحصل على وظيفة مميزة بسبب غطاء وجهي فأنا لاألوم كلّ من يتجنب الحديث معي ويرمقني بنظرات استغراب في بلدان أخرى!
أنا مؤهلة وأتحدث الانجليزية بطلاقة، أدرس الفن وأجيد النقاش ولايجب عليّ أن أثبت أيّاً من هذا لكل شخص يملك حكماً مسبقاً عليّ. وإذا كنت أحترمك مع كل الاختلافات في معتقدك وهيئتك فمن باب أولى أن تحترمني في المقابل. إذا كنت ترا أن كشف الوجه دليل على التحضر فأنا أرى أن تغطية الوجه دليل على الالتزام، ولايعني أنني سأخل بواجباتي أو أصبح أقل مسؤولية من غيري. لايعني غطائي أنني سأعطي عملي نصف الوقت أو أنني لن أتقن ماأقوم به!
التفكير في مناقشة هذا الموضوع مزعج جداً وأنا آسفة لأنني مضطرة للتعامل معه، لكنني أعرف أنّ هناك الكثير ممن لهم نفس التجربة مع اختلافها ولذا أردت أن أكتب عنها، علّه يفيد ويغيّر شيئاً من الحكم المسبق أو الصورة النمطية لدى من يقرؤه.

الثلاثاء، 21 يناير 2014

نص أدبي.

لاشيء وليد الصدفة. 
كل الانفعالات والمشاعر التي نمر بها هي نتيجة لتراكمات مسبقة، أمور تغاضينا عنها، مواقف لم نتفق معها، برامج اقتنعنا بوجة نظرها والكثير من الأشياء التي لم نلقِ لها بالاً! 
تلك اللحظة التي نغرق فيها بكمية عميقة من المشاعر التي تباغتنا ليست في الحقيقة إلا حصيلة لكل مامرنا به قبلاً. 
احتَضنتُه بين يديها لدقيقة كاملة أو تزيد، لم يصرخ، لم يتحدث كالعادة وكأنّ كل شيء كان مهيئاً لها تلك اللحظة حتى تعي فكرةً قبل فوات الأوان.
احتَضنتُه كما لم تفعل من قبل!
كانت حرارة دموعها تبلل طرفاً من كتفه لكنه لم يشتكِ أو يتذمر على غير العادة!
تعثرت في عينيه، ابتسمت له، ثم بدأ يتحدث ويسأل ببراءته التي طالما أسرتها. 
تلك الدقيقة غيّرت شيئاً في تفكيرها للأبد..

قبل أن تمسكه بدقائق كانت تحمد الله على كل حال، لم يكن كأي دعاء رتّلته فهذه المرة كان نابعاً من قلبها ثم احتضنته وأدركت أن كل النعم بمافيها هُوَ، يمكن أن تذهب مابين غمضة عين وانتباهتها..
لاشيء تخشاه في هذا العالم أكثر من فقدها لأحد أحبابها. هذا الخوف الذي تذبل معه في كل يوم لأنها لا تحتمل توابع الفكرة.
لو أنّ العالم أدرك ماشعرت به في تلك الدقيقة لما كان هناك متجبرون أو ظلمة لأنهم سيكونون على يقين حاضر بأنّ كل شيء مصيره للزوال!
أرادت أن توصل هذا المعنى لكل من تعرف، أرادت أن تصرخ به بأعلى صوتها لكنها لم تستطع! وحتى وإن فعلت فلن يجدي نفعاً لأنّ الانسان يجب أن يعيش التجربة حتى يدرك معنى قوياً كهذا ولربما يعرفه الكثيرون لكنهم لم يجرّبوه مثلها.

تلك الدقيقة جعلتها تشعر بالفضل لكل تلك الأيام والمحن التي مرت بها والتي ربما أصّلت شيئاً مختلفاً في طريقة تفكيرها ونظرتها للأمور جعلتها تقرؤ بين السطور وتُحس شيئاً لا يُعير أكثر الناس له أدنى انتباه.
تأملت في حالها وحال من عرفت. يعيش الناس ربما في بيت واحد لكنهم يخوضون تجارب مختلفة تماماً وتتكون لهم تبعاً لذلك شخصيات ووجهات نظر لاتشبه بعضها وقد تتعارض في كثير من الأحيان. كلّ تجربة هي قدر الله الذي يهيئنا لمستقبلٍ لانعرفه، وكأنّ مامرّ من حياتنا هو معسكر تدريبي لما سيأتي بعده، وكأنها مراحل نجتازها لنتأهل لما بعدها..
ولو عاش انسان آخر في وضعك الراهن دون أن يكون له خلفيتك الماضية فلن يتحمّلها ربما أو ربما ينسحب ويتذمر لأنه لم يتوقعها.
تأملت في هذه التقلبات التي تمر بها مؤخراً، اعترتها رعشةٌ مما سيأتي، مما تخبّئ لها الأيام من أحداث. لم تعرف كيف تُطمئن نفسها، لم تعرف إن كان بامكانها أن تهربَ من هذه الأفكار، أن تتخلص منها وتريح عقلها الذي لايتوقف مطلقاً عن التفكير!
هذه الأفكار كأغنيةٍ علقت في عقلك، ترددها حتى تستولي عليك، تصبح وأنت تترنم بها ثم تصل لمرحلة تريد اخراجها من ذاكرتك دون جدوى! حتى تمسي وأن تلعنها.
لو كانت هذه الأفكارُ خرساء لكان الأمر أهون، لكنّها تثرثر طوال الوقت. تحاول أن تصرخ، تريد صوتاً أعلى منها، تُسرّع من خطواتك، تركض، تبتعد قدر الامكان، تصرخ بصوتٍ أعلى. دون جدوى. 
تركض بسرعة أكبر، تضع سمّاعة في أذنك، تستمع لأي شيء، لايُهمّ مايكون المهم أن له صوتاً أعلى من الأفكار في رأسك، تردد الكلمات بصوت مرتفع. دون جدوى! 
تجلسُ يائساً في النهاية، يظنّ من حولك أنّك مجنون، لكنّ الحقيقة أنّك طبيعيّ جداً، ورغم أنّ الجميع قد يكون مكانك الآن إلاّ أنّ أحدهم لايجرؤ على الاعتراف بذلك. 
تجلس يائساً، تتأملّ حالك. تنهار بالبكاء، تنهار دون مقدمات. دمعاتٌ متتالية تنهمر من عينيك دون ارداتك، دون أن تطلب إذناً! وفجأة تجد نفسك تشهق بكاءً حاراً وتتمنى لو ينزل المطر الآن في هذه اللحظة لتتمكن من طمس وجهك بين قطراته.
لكنّ المطر لم ينزل ودموعك لم تتوقف. 
تأخذ نفساً عميقاً، تعيدُ لملمة أشتاتك وتنطلق من جديد وكأنّ شيئاً لم يكن. يقابلك صديق قديم في الطريق تضحك له وتدردش وكأنك غيرُ الشخص الذي انهار قبل لحظات. تكمل حياتك على هذا النحو بصورة علّق عليها أحدهم مرةً بأنها هستيرية.

لم تكن ليلتها مختلفة عن هذه الرواية، شيء هستيريّ لم تفهمه بالضبط، كان أعمق منها، وأكبر من أن تشرحه لأحد. تلك الليلة أدركت أننا حصيلة مانختبر، انتابها احساس بأنّ ماتمر به يحمل غداً جميلاً، لم يكن احساساً صادقاً لكن كان عليها أن تتشبث به بكل قوتها حتى تستطيع أن تعيش للغد. ارتعشت مرةً أخرى لكنّ هذه الرعشة لم تشبه سابقتها.
تمتمت بقناعة تامة: لاشيء وليد الصدفة.. 

تمت.

Feature Post