الجمعة، 21 أكتوبر 2016

 لماذا دراسة الماجستير؟

تردني الكثير من الأسئلة عن كيفية اختيار تخصصات الماجستير ذات العلاقة بالتصميم. والحقيقة المؤسفة، أننا في نظام التعليم نعتمد كثيراً على المنطق، بمعنى إذا درست بكالوريوس الرياضيات فسأكمل لاحقاً في وظيفتي أو في الدراسات العليا مايحمل الرياضيات في اسمه وخلفيته. 
الدراسات العليا في دول العالم لاتسير بهذا المنطق، لايستلزم تخصصك في المجال الذي تريد أن تكمل فيه، قد تكون شهادة البكالوريوس علم آثار، تعمل بعدها في مؤسسة فنية، يعجبك المجال وتقرر أن تدرس الماجستير في التصميم أو إدراة الأعمال. بالطبع الطريق سيكون أسهل لمن يختار نفس مجاله لكنه غير مستحيل لغيره.
هناك العديد من التخصصات الحالية التي تستقبل الطلاب من تخصصات مختلفة  Multidisciplinary Course ، قد يكون هناك معماري وصحفي أو رسام ومسوق في نفس التخصص ولايعني ذلك أن التخصص سيوجه اهتمامه على أحدهم ولكن طريقة الطرح وطبيعة المشاريع ستكون مختلفة.
تهدف معظم التخصصات التي تتبع هذه الإستراتيجية لتأهيل الطلاب للحياة بعد الجامعة حيث سيكون على الجميع العمل سوياً بغض النظر عن مجال التخصص. وليس الأمر بالسهولة التي يتخيلها البعض، الخلفيات المختلفة التي ننشأ عليها والثقافات التي نحملها تجعلنا مختلفين في تسلسل تفكيرنا وسرعة عملنا وطريقة تعاملنا مع الآخرين وعندما نضطر للتعامل مع تخصصات مختلفة تماماً يتطلب الأمر الكثير من التدريب والصبر.

قد يختار شخص دراسة بكالوريوس جرافيك، ماجستير جرافيك كمثال وهذا سير طبيعي للتخصص ويعود لأسباب شخصية وأمور لا أستطيع الحكم عليها إلا بمعرفة التفاصيل. على أية حال، عندما فكرت أن أكمل الدراسات العليا فكّرت في المواضيع التي استهوتني أثناء دراسة البكالورويس ومالذي قد أختار منها لأتعمق فيه، كتبت كلمات تختصر التوجه الذي أريده وبدأت بالبحث.  رحلة البحث عن جامعة أو تخصص مناسب رحلة طويلة ممتعة جداً وأفضل لحظة فيها بالطبع عندما تصلك رسائل القبول وتبدأ في حصر اختياراتك.
اختياري لدراسة الماجستر لم يأتي مصادفة، هو أحد أسباب اختياري للعمل في الجامعة من الأساس وهو ما أريد من الطلاب الحالين التفكير فيه، البعض ممن يقدم على وظيفة معينة لا يعي الأمور المترتبة عليها وقد يقع في اختيارات لا يعرف تبعاتها لذا على الباحث التروي وأن يحسب الخمس سنوات القادمة من عمره جيداً قبل أن يحسم أمره.
لاتقبل بأول عرض عمل بعد تخرجك فقط لإعتقادك بأنك لن تجد أفضل منه، من تجربتي البسيطة جداً الفرص موجودة وتبحث عن من يستحقها، وسّع دائرة بحثك وابتعد قليلاً عن المدينة التي تسكنها وستجد أن المجال أوسع مما تظن وأن هناك العشرات من المسميّات الوظيفية التي لم تكن تعرف بوجودها والتي يمكن لك أن تبتكرها وتستحق منك محاولة معرفتها من خلال مقابلة أشخاص مختلفين وحضور فعاليات ومناسبات لمجالات تهمك.

لماذا تريد أن تقدم على الدراسات العليا؟
عليك أن تحدد أهدافك قبل أن تخوض الرحلة حتى لاينتهي بك الحال من فئة العاطلين أصحاب الشهادات المغردين عن سوء الحياة وعدم الإنصاف. إذا كنت تريد الحصول على وظيفة معينة أو منصب في وظيفتك الحالية يتطلب شهادة معينة، ابحث جيداً عن المتطلبات وابني علاقاتك قبل أن تبدأ في الدراسة وكن على تواصل دائم مع ماتريده. لا تنهمك في الحصول على درجات معينة أو الاستمتاع بالسفر ثم تعود بعد غياب سنتين لتطالب بوظيفتك. يحدث الكثير في سنتين. 
أما إذا كنت ترغب في الإلتحاق بركب البحث العلمي من جهة أكاديمية فالطريق مختلف قليلاً لأن التقديم على الماجستير غالباً سيكون عن طريق الجهة التي تعمل لديها حالياً (الجامعة أو مركز الأبحاث) وستكون اختياراتك مختلفة في توجهها لأنها تركز على البحث أكثر من المهارات بحسب التخصص.

الماجستير لايركز كثيراً على تعليمك مهارات عملية فنية، إلا إذا كان التخصص مهني فني بحت مثلاً illustration عدا ذلك، تركز دراسة الماجستير على تعليم أساليب البحث والإطارات التي يمكن أن تتبعها في أعمالك. أيّ المفكرين تقرأ؟ أي الباحثين ستتبع كأسلوب؟ أي نوع من المدارس تتفق معه ولماذا؟ يتوقع منك أن تتعلم أساليب البحث وتتبعها بطريقة منهجية لإنتاج إما رسالة بحث thesis أو مشروع عملي بالإضافة لبحث مرافق له ويختلف الإثنان في بعض التفاصيل ولكن طبيعة دراسة الدرجة العلمية غالباً تتشابه.

عامل آخر مهم في اختياراتك هو مدينة الدراسة وأي أنظمة التعليم تتبع، بشكل عام النظام الأمريكي يختلف عن البريطاني من ناحية طريقة التقييم والمتطلبات للتقديم والتخرج. عدد الساعات ومسميّات الدرجة العلمية قد تختلف أيضاً لذا عليك أن تحدد بعد هدفك التفاصيل التي يتطلبها. لاتريد أن ينتهي بك المطاف بفرق مسمّى لايقبله نظام العمل. 

معظم الطلاب الذين أصادفهم في الجامعة اختاروا الماجستير لأسباب تتعلق بالوظيفة، أرادوا الإختصاص وبناء علاقاتهم في سوق العمل من خلال علاقات الجامعة وسمعتها. قد تعتقد أنك تعرف بالتحديد مالذي تريده من الدراسة، لكنّ التجربة ستغير الكثير من أفكارك السابقة. أذكر أنّ هذه الأسئلة ألحت علي كثيراً أثناء فترة التطبيق الصيف الماضي، كان الجميع يتساءل عن سبب اختياري للدراسة رغم أن مهاراتي جيدة ومناسبة لسوق العمل.
يصعب على شخص لم يعش في ظروف مشابهة لك أن يتفهم حقيقة شغفك ولست مطالباً بإقناع الجميع بأسبابك. لكن قبل أن تقدم على خطوة بهذه الجرأة وتختار الإبتعاد عن كل مااعتدت عليه فكّر جيداً في أهدافك حتى لا تتراجع عند أول تحدي. 

أعتقد أن الدراسات العليا على مستوى محلّي لها تقدير مختلف، وأعتقد أيضاً أنّ التجربة بحد ذاتها جديرة بالتفكير، غيّر الماجستير فيني الكثير من ناحية التخطيط للمستقبل وطريقة تقييمي للأولويات إضافة  للعلاقات المميزة التي حظيت بها مع باحثين وريادين وطلاب بخلفيات مختلفة. الغربة تعلمك النضج وتصقل الكثير من شخصيتك وتضعك أمام تحديات عليك أن تواجهها لوحدك وليست سهلة بكل تأكيد بالمقابل تعطيك فرصة عظيمة للتفكير وإعادة النظر في سير حياتك وكيف ترى مستقبلك، تتيح لك الفرصة للتعرف على عالم مختلف وأسلوب حياة قد يغيّر فيك للأبد! 

الأحد، 19 يونيو 2016

أول سعودية

منذ بدأت دراسة الماجستير وأنا أمام مراجع ومفكّرين كثر شدتني مؤلفاتهم وأرغب في التعرف عليهم أكثر. استمتعت حتى الآن بالتجربة وإن كان من شيء أندم عليه فهو أنني لم أقرأ بما فيه الكفاية في السابق، مهما كنت قارئاً نهماً فلايزال هناك الكثير لتقرأ عنه، كنت أعتقد أنني وصلت لمرحلة كافية من الإستعداد للدراسات العليا ولكنّ تركيزي انصب في تعلّم اللغة وفهم النصوص العلمية والمحاضرات، نجحت في هذه ولله الحمد وأنا فخورة جداً بنفسي إذ لم اضطر لتعلّم اللغة من جديد رغم أنّ تعليمي كان في مدارس حكومية توفّر الأساسيات فقط في الإنجليزية إلا أنني استطعت أن أتحدثها وأستخدمها بكفاءة ولله الحمد. 
في البكالوريوس كان التركيز أكثر على تعلّم المهارات الفنية والتقنية، ماذا يعني التصميم وكيف تطبقه في وسائط مختلفة، أعتقد أنني توجهت للماجستير لأنني كنت أرغب في التعمق أكثر في الأفكار والفلسفة التي تكمن خلف ذلك، الأبعاد الإجتماعية، السياسية والإقتصادية لإختيارات السوق وقراراته في عالم التصميم الواسع، وحتى الآن حققت جزءاً من هذه المعرفة ولكنني في كل مرة أصل لخيط منها، تفتح أمامي العديد من الموسوعات التي لم أعرف بها قبلاً وهكذا فهي سلسة غير منقطعة، تعطيك الجواب حيناً وتستمتع بشتيتك وإلهاب حماسك للمزيد حيناً آخر.

في نهاية هذا الشهر سأقوم بتسليم الفكرة المبدئية لمشروع التخرج، قد يبدو الأمر سلساً وبديهياً وحاضراً قبل قيامك بالتقديم على الرسالة، ولكن مع كل هذه المعرفة الجديدة التي تلقيتها، اختلفت الموازيين ورغم أنّ المجال لايزال محدوداً في ذهني إلاّ أن خياراته اتسعت وتشعبت بطريقة يجب أن تحلّ في نهاية المطاف. 
لايمكنك أن تكون حيادياً في توجهك وخصوصاً كونك من دولة عربية وتدرس في جامعة أوروبية، في عديد من المواقف والمحاضرات الدراسية يشار للعرب، للشرق الأوسط، للإسلام وبالتأكيد لوضع المرأة في كلّ هذا، في كثير من المواقف يعبّر عن الخليج ب "دبي" وهناك الكثير ممن لايعرف عن الإسلام سوى داعش وعن السعودية سوى حياة البدو وأنها الوحيدة التي لا تسمح للنساء بقيادة السيارة. كطالبة سعودية هناك الكثير من التساؤلات التي توجه لي عن خلفيتي الثقافية والإجتماعية عن الزواج تحديداً وعن حرية الرأي والعلاقات مع العائلة وإمام المسجد!
في كثير من الأحيان يتم السؤال بصورة تضع الأضواء علي وتجبرني على الإجابة كأن يقوم المحاضر بالسؤال: هل يوجد أحد من الخليج هنا؟ ثم يطرح تساؤله الذي يحمل نظره مجحفة في كثير من الأحيان. كلّ هذا وإن كان في جزء منه يحمل المتعة في التعريف بالخلفية التي أنتمي لها كما أتمنى لها أن تُعرّف إلا أنها تضع لك العديد من الإطارات التي يمكن أن تعرّف بها والتي يستحيل أن تكون حيادية على الإطلاق. 
من السهل جداً أن أختار موضوعاً ينتقد النساء، الحقوق، الهوية وغيرها من المواضييع التي تُشبع عند كثير من الناس الألقاب والإعلام الذي يمكن أن يغطيها فيما بعد كـ"أول سعودية" ويغلفها بحبّ الإصلاح والسعي للأفضل وهناك الكثير من الأمثلة عمّن نجح في إيصال انتقاده لمجتمعه لدور العرض الأوروبية وغيرها دون أن نجد لنقده أي شي ملموس على الواقع.  مثل هذه المواضيع المتسفزة تعجب بشدة أساتذتي وتشدهم لمعرفة المجهول عن الشرق الذي لايستطيعون السفر إليه أو فهم تفكيره، ويمكن من خلالها الوصول بسهولة للرعاة والصحف وغيرها ولكن هل أريد ذلك؟ هل أريد أن أسلك الطريق السهلة؟ أعتقد أنني أفضل من هذا.
لم أعش طويلاً في لندن، لكنني أعرف أنني في كل مرة أتعامل مع شخص أوروبي أفتقد شهامة العرب وحسّ الواجب لديهم. أفتقد كرم ضيافتهم وحسن أخلاقهم، أفتقد اهتمامهم بالتفاصيل الجميلة في المظاهر والملافظ. بالتأكيد هناك شواذ لكل قاعدة ولكنني أعتقد أن فترة إقامتي علمتني أننا أفضل مما نعتقد بكثير وأنّ لدينا من معادن الأخلاق مايفتقده العالم المادي في الغرب وهو شيء لايمكن فرضه أو اكتسابه على مجتمع لم ينشأ عليه يوماً، هي أمور يجب أن تكبر عليه كي تكبر فيك ولايمكن لشخص لم يعش بأسلوبها يوماً أن يفهم مالذي تعنيه.
الإنتقاد وسيلة جداً فعّالة للتطور، لكنّ السؤال هو كيف تكون ناقداً محترفاً؟ كيف تنتقد دون الإساءة وفي نفس الوقت بجرأة ووضوح؟
أن تتيسّر لك الفرصة لتكمل تعليمك على حساب الدولة، أن تبتعث لتتعلم شيء جديد وتطور نفسك، ليس عادياً وربما غير متاح لكثير من الدول، فرصة قصيرة ولكنها يمكن أن تغيّر حياتك بالكامل، اختياراتك فيها مهمة، وتطوير فكرك باستغلال مايتاح لك وماتجتهد في البحث عنه ربما لن يكون بحوزتك لاحقاً. أحسن استخدامه وأحسن التفكير بتوازن دون أن تثور على كل شيء أو تتقوقع في العزلة.  

الخميس، 9 يونيو 2016

رمضان، فرصة لطلب العلم


أكثر شي تتعلمه في الغربة، أو ربما تضطر لتعلمه هو امتلاك الحجّة،
لا يختلف كثيراً دفاعك عن قراراتك أمام لجنة تحكيم في دراستك، عن دفاعك عن معتقد أو مبدئ تؤمن به، كلاهما يتطلب العلم والأسلوب المقنع وبعض ما ننشئ عليه كمبادئ يبدو واضحاً جداً في عقولنا إلاّ أننا نُهزم أمام أول استفسار يدخل في تفاصيل لانملك إجابتها بالدرجة المطلوبة.

تطوير مهارات القدرة على النقد، التحليل والتربية على العقلية التي تستطيع طرح سؤال لكل مالاتفهم حتى تسعى للإجابة عليه، شيء يجب أن يكون ضمن منهج الدراسة ولا أعني طرح كل مايخطر ببالك دون تمحيص ولهدف السؤال فقط، ولكن ضمن منهج علمي يبدأ من مشاهدات يومية وينتهي بعقول مهيئة للطّرح البناء وللإجابة المقنعة عن الأسباب. 

في كثير من الأحيان وجدت نفسي في صمت مطبق لسؤال يتعلق بمظهر أو مسألة من المسلمات في ثقافتنا وفي أحيان كثيرة في ديننا رغم أني أعرف أهميتها والسبب وراءها، لكنّ كل هذا لايبدو مقنعاً عندما أخاطب به شخصاً لايحمل خلفية تشبه ماأعرفه. 

 أقدّر الأشخاص الذين يملكون الأسلوب في إقناع من حولهم بفكرة مهما كانت، والأجمل إن كانوا يملكون الصّبر اللازم للإجابة عن كل مالم يعتادوا السؤال عليه، لتقبّل ردات الفعل المختلفة التي قد لاتعجبهم في كثير من الأحيان أو قد تستفز شيئاً يعتقدون بصحته.أعترف الكثير من الخلل هنا هو شخصي ربّما لم أقرأ بمافيه الكفاية ربما لم أدخل في حوارات نقدية أو أهتم كثيراً بسماع من لايوافقني الرأي. حقيقة كثير من تصرفاتنا كمجتمع تقوم على العلاقات الشخصية والمجاملات اللامتناهية سواء في مجال العمل أو العائلة لذلك نجد الكثير من المظاهر والقليل من الجوهر للأسف ولذا فليس هناك حاجة واضحة كي نبحث عن العلم. 

أن تنشئ في وسط متشابه، يتصرف بنفس السلوك ويتبع نفس المنهج لايعني بالضرورة حاجتك لإمتلاك الحجة، لمَ قد تحتجاها والجميع يملك شيء يشبه مبادئك؟ لكنّ هذه الحجة ستجعلك متيقن، قويّ بعلمك وأبلغ في إرسال قضيتك للعالم خصوصاً في عصر كل شيء فيه مفتوح ومن لايعرف المعاني الحقيقة لمايقوم به قد يقع بسهولة في الفتن وقد يغيّر فكره بين لحظة وأخرى لأنه قلد مانشأ عليه دون أن يعي معناه الحقيقي. 
قبل فترة وفي حديث عن مشاريع الإجازة الصيفية، طرحت إحدى زميلات الدراسة رغبتها في الإلتحاق ببرنامج يهدف إلى تصفية الروح وإنهاء تعلقها بالماديات المنتشرة في عصرنا الحالي. هي لاتعرف الإسلام، لكنّها عبرت عن خطة البرنامج بأنه صوم عن الحياة. ثلاث أسابيع من الصمت التام، لقاء في كل أسبوع، رياضة يوقا وانقطاع تام عن كل شيء آخر.أخبرتها عن رمضان وبأنّ صيامنا يشمل الطعام والشراب أيضاً ولكنه ينتهي بغروب الشمس، وعلى عكس من يصوم صوماً تاماً عن الحياة، يوفر لنا الإسلام نظاماً سنوياً لاعادة التوازن بين الروح والجسد. أخذنا الحديث إلى نقاشات متفرعة ووجدتني في جزء كبير منها أتحدث بارتباك خوفاً أن أصل إلى صدام أو أن ينتهي الحديث بشيء غير إيجابي عمّا أؤمن به. 

الشاهد من القصة، عندما يسألك شخص غير مسلم عن الصوم، لايكفي أن تكون إجابتك "نصوم لنحس بالفقراء" هذه الحجة غير كافية وإن لم تعرف من مغزى الصيام سواها فستقع في مشكلة فإما أن يقنعك الشخص الآخر بعدم أهمية ماتفعله أو أن ينتهي النقاش بتشكيكك بالهدف وكونك تابع دون إرادة وكذا كافة الشعائر التي نعرف أهميتها ونمارسها مؤمنين بها كركن من ديننا ولكن للأسف لانذهب لأعمق من السلوك فنفهم حقيقة السبب في فرضها وأثرها على الإنسان جسداً وروحاً.

نحن الآن في رمضان، وأعتقد أنها فرصة ثمينة لترجو شيئاً من العلم الذي ينفعك في آخرتك، العلم الذي يعطيك الحجّة، العلم الذي يُفلح في إقناع شخص لايعرف عن دينك ماتعرفه! ولايعني هذا أن السفر ضرورة لتطبّق فهمك، ولكنه المنهج المتبّع في البلاغ، فهناك فرق عندما تعرف عن دينك ما يكفي ليصحح سلوك خاطئ أو تصرّف بدعي وعندما تعرف عن دينك مايُقنع شخصاً ربما لم يسمع عنه أبداً ليغيّر من نمط حياته ويحترم ماتقوم به. 

الأحد، 15 مايو 2016

"قوة التغيير" من يملكها؟

قبل أن تقرأ النص أنصحك بمتابعة هذا المقطع  :) 

قبل فترة كانت لدينا محاضرة عن الدرايڤ لس كارز "driverless cars" قدمها كرس تشوا مدير قسم تطوير التنمية الحضارية في شركة آيكوم العالمية. منصبه يتطلب اجراء أبحاث عن مستقبل التكنولوجيا وعرض النتائج على الشركات وإقناعها بضمان الإستثمار في مستقبل المدن وكيفية تخطيطها.
 بدأ يتكلم عن آخر ماوصلت له التكنولوجيا في السيارات وعن الوضع حالياً في شركات متقدمة جداً في تقنيتها ونسبة الأمان فيها. الفيديو الذي تم عرضه من فنجان قبل فترة يلخص جزء كبير من الأفكار العامة التي أوردها مع زيادة تفاصيل ونسب وأرقام عن ماهية المستقبل.
ما شدني بعد المحاضرة، ثارت أسئلة كثيرة عن هذا النوع من التطور، البعض يعتقد بأنه حكر على العواصم الذكية مثل لندن ونيويورك أواليابان ومؤخراً دبي والبعض رأى بأنه يمكن أن تصل التقنية لكل مكان لأن تكاليفها وخسائر الأرواح فيها لاتكاد تذكر لدرجة كافية لاقناع الحكومات بالاستثمار فيها.
نقطة أخرى أثارها النقاش من ناحية فقدان الخصوصية وفكرة وجود شركات تملك معلومات تنقلاتك بالتفصيل الممل! فكرة الخصوصية بشكل عام بوجود السوشال ميديا هي موضوع نقاش كبير وكم تملك هذه البرامج من معلومات عنك الآن وكيف تستخدمها ولمن تبيعها! لكنّ هذا كله يحدث من خلف الشاشة، ماذا لو تطور الموضوع لجزء من تفاعلك الفعلي مع العالم هل تتضخم الفكرة وتصبح أكثر جدية أم أنها لاتؤثر كثيراً؟ 

في نقاش آخرعن قوّة التكنولوجيا، طرح موضوع ملكية القوة ومن فعلياً بيده السلطة؟ قبل عشر سنوات من الآن كانت نكبات المجتمع يلقى لومها على عاتق السياسيين دون أن يختلف اثنان على هذا. دور الأحزاب السياسية في تغيير وضع المجتمعات كان فاعلاً ووحيداً دون أن يسمح لأي صوت آخر أن يعلو عليه. في الدول المتقدمة اختلف الوضع حالياً، وفي دول كثير أخرى صارت السياسة تتأثر بشدة بصوت الناس الذي تصل له من خلال التكنولوجيا والسوشال ميديا كمثال. 
في المقابل أصحاب السوشال ميديا أصبح لهم التأثير الأكبر على الرأي العام من خلال نقلهم للفكرة ودعمهم لها أو من خلال كونهم نافذة للتعبير المفتوح، ولأن حصصهم في السوق المالية كبيرة فتأثيرهم ملموس على أرض الواقع فيما يتعلق بقضايا المجتمع والبيئة. كمثال مبادرة مؤسس فيس بوك لإصلاح أنظمة الهجرة في أمريكا مع عدد من ريادي العالم الافتراضي من مختلف الجنسيات. أن تملك مثل هذه الإدارات القدرة على تغيير أنظمة سياسية تغيير لايستهان به والمستقبل الذي يطويه شيء يصعب التكهن بمدى انتشاره ونفوذه! 

المظلة التي تندرج تحتها هذه الفكرة من السيارات بلا سائق أو غيرها من نفس المجال هي الإقتصاد المشترك sharing economy وهي جزء من العولمة بالتأكيد، العالم يكبر بشكل خارج عن سيطرة الحكومات والأماكن المتاحة للسكن والمواصلات تتناقص بسرعة لاتتكافئ مع حاجة الناس مع السنين. فكرة أن يملك كل شخص سيارته الخاصة وبيته الخاص سوف يأتي وقت وتعتبر من الرفاهية الحصرية ثم المستحيلة بالتدريج. في المقابل فكرة أن تترك كل شي وتعيش في الجبال أو الصحراء ستكون نوع من الترف لأن المدينة في الطرف الآخر تتوسع بعمرانها لتغطي حاجة السكان وبالتالي المساحات الخضراء تعتبر إلى حد ما هدر للموارد. خذ الصين كمثال حالي لانعدام المساحات الخضراء من حدائق وغيرها داخل المدينة وحصرها في الأطراف فقط كمزارع لتصدير مايفي من الطعام للمدينة وأي مساحة خضراء في غير مكانها غير قابلة للنقاش. 


في العالم العربي، وفي جزء كبير من آسيا وأفريقيا، في المدن التي لليوم لايتوفر فيها واي فاي، نسبة البطالة فيها عالية، البنية التحتية غير مكتملة أو غير كافية! في الثقافات التي يُعد فيها امتلاك سيارة فخمة حلم يجمع الإنسان قيمته طول حياته، وحين مكانته الإجتماعية تقاس بحجم الڤيلا اللي يسكنها وعدد المرافق اللي تخدمها حتى لو كانت عائلته مكونة من شخصين فقط؛ إلى أي مدى قد تكون فكرة السيارات بدون سائق والمنازل بالغرف المشتركة وغيرها قابلة للتنفيذ؟ وكم بُعد المستقبل الذي يفصلنا عنه؟ هل نوفرها لدعم السياحة؟ أم أنها ستصل لكل بيت في المدينة؟ 
أترك لكم الجواب. 

الاثنين، 15 فبراير 2016

طفح الكيل

مؤسف جداً أن كثرة الأخبار السيئة والوفيّات من حولنا رفعت سقف الحزن لدينا، فمقتل أحدهم لم يعد فاجعة ننعى أصحابها وإنما أصبح شيئاً من بعض الروتين. هذا التحديث في برامج المشاعر لدينا انعكس على أسلوبنا في التعاطف مع الآخرين في تعاملاتنا اليومية وليس فقط مع أخبار العالم البعيد.. 
لماذا يجب أن يقيّم العالم ماأعتقد أنه كارثة ليرقى لدرجة الحزن المستحق في نظرهم؟ لماذا نحتاج لاستدراج التعاطف من الآخرين حتى لا نصنف ضمن فئة الدراما كوين؟! 

فن المواساة 

عندما يُخبرك شخص بظرف ألمّ به تعلّم كيف تواسيه، ليس بالتصغير ولابالتهويل ولكن لكل موقف فنّ وأسلوب يتطلبه! كلنا تنعقد ألستنا وكل منّا مرّ بنسيان حصيلة القاموس اللغوي لديه عند وصف شيء أثر فيه كثيراً! هل يعني ذلك بأننا لانحس أو لانقدّر؟ لماذا نلجأ للابتذال في التعبير كي نوصل إحساسانا العميق بالأسى؟ لماذا نلجأ لقياس الكوارث على أنفسنا بدل من تقبّلها كما هي بدرجة تحمّل أصحابها؟ أم أنّها طريقتنا الوحيدة للإحساس بالآخر؟ 
عندما يعبّر لك أحدهم: "كانت فترة عصيبة" لماذا يجب أن يعقّب بسرد كل التفاصيل التي يحاول نسيانها حتى تفهم مايعنيه؟ ألا يكفي أن تعرف أنه بخير الآن وأنه فعلاً لم يكن في وضع يُحسد عليه؟ وبعد استماعك لسرد التفاصيل يجب عليك بالطبع تصفيتها وتقييمها بحسب خبرتك: حزين، حزين جداً، مأساوي أو مبالغ فيه! 
تختلف قدرة الأشخاص على التحمّل ومرور شخص بما لايرقى لحزنك لايعني أنه أقل ألماً أو أكثر دلعاً وأنّ الخبرة تنقصه في الحياة؟ من قال لك بأنّه يطمح لخبرة أكثر مع الحزن من الأساس؟ هل يجب أن يمرّ بهوائل الكوارث وأن يصيبه شيءٌ نادر ليستدعي شفقتك؟

يصاب زميلك بالزكام فيأخذ أسبوع إجازة، وتصاب أنت بنفس المرض فتذهب لعملك دون عناء، هل يعني ذلك أنّ قدرتك على احتمال المرض أكثر؟ هل يعني أنه ممثل بارع؟ لماذا يجب أن يكون له معنىً من الأساس! ومن له الحق في التصنيف وتقسيم الناس؟ 

ديننا خير دليل 

كنتُ أأمل أن تكون التربية الإسلامية أو ماتبقى منها في أذهاننا قد حفرت فينا "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى" أتعرف معنى ذلك؟ لكن للأسف نسي بعضنا الأصل واتجه لكلام فلان وعلان في تويتر وغيره ليعيد تصنيف الأحداث والأشخاص في عقله ويقرر بناءً على تحليله الشخصي من يحتاج عذره ومن يستحق أن يعزل ويصنف ضمن المغضوب عليهم الغير معذورين. أصبح من يلتمس العذر فينا حكيم وأصبح من يفكّر في الآخرين وحاجاتهم يستحق التكريم، أصبح من السهل جداً علينا أن نصنف الأشخاص ونطلق عليهم الألقاب وندعّي مالانعلم ونفتي بمالانعرف دون خوف أو قلق بل بطريقة تلقائية لاتحتاج منّا أدنى جهد في إعادة النظر. يجب أن نكون حاضرين، متفاعلين مع كل مايحصل في الساحة؟ وكيف لا! قد يحتضر العالم إن لم يسمع منّا مانعتقده صواباً. 

قليل من الرحمة لن يضر 

هذا العالم صعب جداً، مُرهق جداً، يتطلب منك تفسير تصرفاتك، حضورك، غيابك، طريقتك في الكلام، تفاعلك وكيف تتفاعل، طعامك وماذا تتناول بل حتى أفكارك وكيف تجرؤ على التفكير بها! لماذا لا نستطيع العيش بسلام داخل علاقاتنا؟ هل الحرب فقط هي الصواريخ والقتل أو التشريد؟ لم لا ننبذ الحرب التي بدأناها بأنفسنا على أنفسنا أولاً؟ ألا يتسحق ذلك القليل من الاستثمار؟

x

Feature Post