الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

قطاف

٢٠١٧ لم تكن كأي سنة ليس لأنها حملت معها البدايات ولكنها كانت حصاد لما ابتدأ منذ فترة.
عندما بدأت أكتب هذه التدوينة لم أعرف هل أتحدث عما أرجوه للمستقبل أم  ما تعلمته من الماضي؟ هل تكون عن الأمل والأحلام أم تركز على التأمل واستدراك الأخطاء؟
من الصعب عليّ أن أحدد مسار القصة عندما أتحدث عن هذه السنة، أكتب هذه التدوينة وأنا على متن الطائرة متجهة للسعودية للمرة الأولى بتذكرة باتجاه واحد ولعلّ هذا أبرز حدث والأكثر تغييراً لهذه السنة ورغم أنه يأتي في نهايتها إلا أنه الجزء المثالي كي أختم به.
اليوم وعلى بعد أسبوع من بداية السنة الجديدة أنهي رحلة ابتعاثي وزوجي وليد للندن فخورة بإنجازنا وأعود للوطن، لعائلتي التي كان غيابي مصدر قلق لكلينا، أعود لجامعتي وطالباتي الذين افتقدتهم وأعود بشخصية لا تشبه مريم التي رحلت قبل مايوشك على مقاربة الثلاث سنوات. 


علاقتي بلندن 

قرار الإبتعاث كما أسلفت في تدوينات سابقة كان من أهم قرارات حياتي، وربما أتحدث هنا عن لندن، بإيجاز، التي احتضنتني وتعلمت فيها الكثير مما لا أستطيع حصره. المدينة التي لا أعرف كيف استطعت الإتفاق معها رغم أنني ابنة الماء التي تبحث عن الشمس وتجد بهجتها في الأمواج والإنعاكاسات، لكن بقدرة قادر ودعاء أمي أشعر وأنا أودع لندن بأن بيننا علاقة مميزة تعرفت فيها على الفن بتاريخه العريق وإتجاهه الحضاري ووجدت فيها فكراً يشبه ماأحب، ناقد، حذر، واعي ومطلع على كل شيء. لم أبذل جهداً كبيراً كي أندمج وهو شيء عكس ماتوقعته نظراً لطبيعة آرائي القوية، خلفيتي الدينية المحافظة واختياري للإلتزام بالعباءة في عقر دار الفن، ومن درس في جامعات الآرت والفاشن يعرف تماماً ماأقصد، وليس من العدل أن أقول أن الكل تفهم اختياري أو جنبني الإنتقاد لكن على الأقل لم أتعرض للمضايقة يوماً بسبب مظهري ولم أرفض في مقابلة عمل أو في ترشح لمسابقة أو غيره بسبب اسمي أو وطني ولعلّ المضحك أن بعضهم رأى في طريقة حجابي فنّاً وطلب مني أن أكون جزء من مشروع تصوير وغيره.

ربما تكون هناك تجارب مختلفة لبعض من يقرأ ولست هنا لأمجد الإنجليز فنحن لا نختلف على مايحدثنا به التاريخ والذي لايزال مترسخاً في أذهان الجيل الأقدم في المدينة خصوصاً عندما تضطر للتعامل معهم. لكنني أستطيع أن أتحدث بشكل شخصي عمّا عشته من خلال الجامعة وطبيعة الحياة اليومية التي في معظمها تكون مع جنسيات مختلفة قصدت لندن لنفس الغاية: طلب العلم أو البحث عن الرزق. 
أستطيع أن أقول أن علاقتي بالمدينة تطورت هذه السنة تحديداً بشكل غريب. قبل أن أسافر كانت إحدى الصديقات تحدثني إن شعرت بالحزن يوماً أن أطعم البط في الهايد بارك وأتمشى حول البحيرة وكنت أضحك باستغراب على تعليقاتها، لكنني عندما كنت أحن للوطن أو أصادف يوماً غير موفق في الجامعة كنت أجد نفسي أتجه للطبيعة التي تتمثل في لندن بالحدائق والبط والبحيرة. 

لم أكن أنا والمدينة على وفاق دائماً فأيامها الغائمة المتتالية وبرودتها القاسية كانت دوماً مصدر إزعاج بالنسبة إليّ خصوصاً حين يصادف ذلك يوماً صعباً في تفاصيله، لكنني وفي الأشهر القليلة الماضية حين لم أكن مرتبطة بالدراسة سمحت لنفسي بإعادة استكشاف المدينة وتكوين لحظاتي الخاصة معها وتوسيع قائمة مفضلاتي من خلال زيارة الأماكن والمحال التي كنت أتجنبها بسبب ضغط الدراسة. كنت أستمتع بقضاء الوقت مع زميلاتي الذين يعرفون المدينة أكثر مني، يرشدوني لوجهات جديدة ولاأضطر معهم لاستخدام التكنولوجيا للوصول للوجهة وهو من أجمل وسائل التعرف على المدينة من جديد. فترة الصيف تحديداً وعند زيارة عائلتي لي كانت من أمتع الأيام التي قضيتها فيها لأنني تعرفت من جديد على المنطقة من وجهة نظر العائلة وتحديداً إخوتي الصغار الذين كانت لهم لمستهم الخاصة في التجربة.
كانت لندن في الأيام الأخيرة في أبهى حلتها مستعدة لنهاية السنة واستمتعت كثيراً بقراءتها فنياً مع وليد والتجول في أبرز معالمها بنظرة المحلل لا الزائر. 

بالمناسبة، نزول الثلج في الشهر الماضي لأول مرة منذ سنوات على المدينة ولو أنه كان ليومين فقط إلا أنه جعل النهاية أكثر شاعرية. وداع أبيض كما وصفته إحدى زميلاتي. 


الدراسة والعمل

حملت لي هذه السنة العديد من القراءات الممتعة والكتاب المتخصصين في التصميم، السياسة، التحليل النقدي وغيرها الذين أحببت التعرف عليهم بجانب الدراسة. عملي على المشروع بحد ذاته وكوني في حالة بحث دائم عمّا يدعم أو يهدم فكرة الرسالة أوصلني للعديد من المواضيع المتشعبة ووجدت من خلاله فرصة للتواصل مع أشخاص لم أفكر بالتواصل معهم قبل ذلك رغم إعجابي الشديد بمايفعلونه.
تحدثت عن الماجستير سابقاً لذا لن أطيل هنا عن نفس الموضوع، وربما لم تكن هذه السنة متفردة بمشروعي فقط ولكن بمشروع وليد أيضاً، وقد يتحدث هو في وقت لاحق بشكل شخصي عنها لكنها فعلياً من أبرز إنجازات هذه السنة لكلينا، ورغم أننا اختلفنا في كثير من تفاصيلها وتحديد مسارها وخضنا ساعات وأيام طويلة من النقاش إلا أنني فخورة جداً بإنجازه في هذه المرحلة وواثقة بأهمية هذه الخطوة في مستقبله المهني.
أبرز ماأذكره استكشافنا لإمكانات الطباعة، الورق والتصنيع وزيارتتنا للعديد من الموردين والمحال المتخصصة في الموضوع. لازلت أذكر انبهاري بما رأيت وحتى الآن أعتقد أنه الأفضل مستوى بالمقارنة. 
 

لعلّ من أبرز الأحداث أيضاً هو عملي مع فريق KCA وهي شركة مهتمة بدراسة زوار المتاحف والمعارض التفاعلية وتصميم حيزاتها ومختصة أيضاً بتدريب طاقم العمل الذي يتعامل بشكل مباشر مع الجمهور لتحقيق الإستفادة الكبرى من التصميم، تقدمت للعمل لديهم بحكم عملهم المتواصل في الشرق الأوسط وكنت مهتمة جداً بفهم اتصال الشرق بالغرب من خلال نظرة داخلية أقرب على خطوات التصميم من الفكرة والإتصال بالعميل حتى التنفيذ. 
لم تكن هذه هي التجربة الأولى حيث عملت في ٢٠١٦ مع شركة 20.20 وهي مشابهة في نشاطها إلا أنها كانت تركز أكثر على البعد التجاري للمشاريع من محال تجارية، سينما، معارض أطفال وغيره وكان مفيداً جداً بالنسبة إلى أن أتعرف على نموذج مختلف هذه السنة حتى أميّز الفرق بينهم وأصقل التجربة وأحدد ماأميل له أكثر ولذا أعتقد أن هذه السنة ما هي إلاّ حصاد لما بدأ في سنوات قبلها.  


الأصدقاء والسفر 

من أجمل ماحصلت عليه خلال هذه السنة أيضاً هو تعرفي على صديقة عزيزة جداً من البرتغال، لاأستطيع تخيّل مكان غير لندن كنا لنلتقي فيه، أذكر المحاضرة الأولى لنا بالجامعة، كان علينا أن نستعرض ما لايزيد عن ١٠ دقائق عن أنفسنا ومجال خبرتنا وكنت في غاية توتري حتى أنني أضعت مكان الإجتماع ووصلت متأخرة. لاأنسى لكارولينا كيف أشارت لي من بعيد وأزاحت حقيبتها كي أجلس بجانبها. كانت هذه هي المرة الأولى التي أقابلها ومنذ تلك اللحظة وحتى لقاءنا الأخير قبل أيام في مدينتها لشبونة التي وقعت في حبها بسببها، وأنا مغمورة بصداقتها وطيب الذكريات التي جمعتنا سوياً. حب الفنّ والإهتمام بنقد الثقافات والتصميم، مدينة باث، جين أوستن، زيارة المتاحف والحدائق، أحلامنا للمستقبل، شرب الشاي الإنجليزي مع السكونز، نتشارك الطبق، تحظى بالزبدة وأأخذ المربى، ماتفضله من بقية المطابخ العالمية وحبها للشوكولا الذي يتحول لإدمان عند التوتر وصوتي الذي لايقلّ تعبيراً عن ملامح وجهي التي تجيد قراءتها. 
 في الأيام الطويلة الرتيبة تأتي لمنزلي أو أذهب لها ونعد الطعام سوياً، حتى قررنا أن نبتكر كتاب وصفات خاص بنا ولعله يرى النور قريباً. اكشتفنا في تعلّم الطهي الذكي ملجأً جميلاً بعيداً عن تعقيدات الحياة اتخدناه سوياً كهواية نستمتع بها من وقت لآخر. 

------------

بعيداً عن كل هذا السرد والتفاصيل، أشعر بأنّ نهاية هذه السنة حملت معها نتاج ما قبلها بشكل محسوس، لم تخلُ من الأخطاء والدروس الصعبة لكن أستطيع القول أنني نضجت فكرياً وأصبح من السهل عليّ أن أحدد رغباتي وميولي وماأريده للمستقبل ورغم أنني لا زلت أحلم بالكثير وقائمتي بالتجارب التي أود أن أخوضها لم تنتصف بعد بل وتوسعت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة إلاّ أنني أشعر بثقة كبيرة بما وصلت إليه اليوم، أشعر بأنني بعد توفيق الله ورضاه أستطيع أن أفعل الكثير، خاصة بعد اختلاطي بأجناس وأصناف من البشر لاحصر لها وزياراتي للعديد من المدن برفقة وليد وتعرفنا سوياً على الأشياء للمرة الأولى، بعد كل هذه التجارب المختلفة أستطيع القول بصوت أوضح أنني أكثر ثقة بعملي وشخصيتي وقدراتي على النجاح ومايمكن أن أقدمه للآخرين. 

حمداً لله أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
ممتنة لوطني الذي وثق بقدراتي، لأبي وأمي، لعائلتي وزوجي الذين لاأكون إلا بهم، للدعوات الصادقة التي غمرني بها الأحباب والأصدقاء. 

وداعاً ٢٠١٧، إلى لقاء قريب لندن ومرحباً بالبدايات الجديدة.   

الجمعة، 1 ديسمبر 2017

رحلة الماجستير: مشروع التخرج



"… The real issue is whether indeed there can be a true representation of anything, or whether any and all representations because they are representations, are embedded first in the language and then in the culture, institutions, and political ambience of the representer. … [ ] Then we must be prepared to accept the fact that a representation is implicated, intertwined, embedded, interwoven with a great many things besides the “truth,” which is itself a representation" 

Edward Said 


الحديث عن رحلة الماجستير ومشروع التخرج حديث مفعم بالكثير من المشاعر بالنسبة إلي، لايمكن أن أعبّر عن هذه المرحلة بكلمة واحدة أو أن أختصرها بكلام منمق، وحينما أبدأ بالكتابة عن شيء أجد نفسي أسترجع كم من الذكريات وأستطرد فيها ثم أستدرك فأعود للأساس. وربما طبيعة الموضوع تفرض هذا النوع من الكتابة.

مشروع التخرج أو كما أطلقت عليه: موعد مع العربية هو نتيجة بحث بدأ منذ صيف ٢٠١٦  بعنوان إسكات العربية Silencing Arabic حتى نهاية يونيو ٢٠١٧. بدأت وأنا أفكر من وجهة نظر مصممة جرافيك ماهي الأشياء التي قد أبحث عنها وأطبق فيها مفاهيم ونظريات الرواية بحكم التخصص الذي أدرس، ماهي الفئة التي يمكن أن أستهدفها ببحثي؟ كيف يمكن أن أبتكر تجربة أو فعالية تضيف للمستفيدين منها شيئاً مميزاً؟ ولم تكن الإجابة مفتوحة تماماً فأكبر تحدي كان أن أجد شيئاً مثيراً للإهتمام في لندن تحديداً بحيث يمكنني إجراء التجارب والبحث فيه بشكل مباشر دون اللجوء لمراجع فقط أو طرف ثالث.

كانت اللغة العربية من أولى الأفكار التي بدأت بها، بدأت أفكر بوضع اللغة حالياً وكيف يتم استهلاك اللغة عبر التاريخ والإستغناء عنها عندما لاتكون بذات القيمة بالمقارنة مع غيرها. فكرت بمستخدميها من الجيل العربي الثاني أو الجالية التي استقرت في لندن وعاش أبناؤها بعيداً عمّا يذكرهم أو يحثهم على الإهتمام باللغة ولعلّ هذه الملاحظة جاءت بعد أن وجدت نفسي وبعد سنة واحدة فقط في الغربة أستسهل التعبير بالإنجليزية وأستخدم مصطلحات يصعب علي إيجاد مرادفاتها بالعربي. ذهبت لشارع العرب أو كما يسمى، وبدأت أسأل الناس وأستقصي عن نظرتهم لما هو في نظري مشكلة ووجدت أنّ العديد منهم حقاً غير مهتم وبينما يتفقون جميعاً على أن استخدامهم للعربية نادر إلا في مكالمة هاتفية مع أهليهم في الوطن أو كلمات مختصرة لصاحب المقهى إلاّ أنهم لايجدون أن عدم استخدامهم للعربية مشكلة; ببساطة لأنهم لايحتاجونها وليسو مضطرين لها.

بينما أختلف تماماً مع وجهة النظر هذه إلا أن محاولاتي باقناعهم بماأجده مهماً كانت غير مجدية وأدت لطريق مسدود اضطررت معه أن أغير وجهتي وأهداف البحث. انتقلت لفئة أخرى تماماً من الأجانب المهتمين بالثقافة العربية بشكل عام، أين يبحثون عن العربية؟ أين يجدونها في لندن؟ وكيف يؤثر عليهم المحتوى الحالي في المتاحف أوالمكتبات أو الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في استقبالهم للغة تحديداً؟
أشهر من البحث، المقابلات، ورش العمل بين لندن والدمام واتصالات يومية من استشارات أو تكاليف وكم هائل من المغامرات مع أشخاص وأماكن أكتشفها للمرة الأولى أدت إلى استنتاجات مثيرة أثرت على توجه المشروع وتعلمت أكثر ماتعلمت منها الصبر وأن أحافظ على شغف مستتب دون اندفاع حتى أصل بنفس القوة التي بدأت بها.

الأبحاث التي وجدتها في الموضوع كثيرة جداً لكنها تتناول اللغة بطريقة لاأتفق معها، فبينما تستخدم الكتابات العربية أسلوب اللطم والحسرة على لغة ضاعت، وجدت الكتابات الأجنبية تأخذ صوراً نمطية من ألف ليلة وليلة وغيرها لتفهم اللغة، وحتى عندما تعرض العربية في المتاحف في أوروبا أو غيرها، نجدها لوحة فنية مبهرة بجانب نص مترجم دون تفاعل أبعد من الصورة مع الناظر لها.  وكأي موضوع عربي، ليست اللغة استثناء من ارتباطها بالسياسة بشكل مباشر وماقرأته عن الترجمة تحديداً ودورها المهم في إعادة هيكلة الدول شيء يستحق التعمق.

وعلى عكس توقع الجميع بما فيهم مشرفة البحث أنني سأهتم بشكل الحرف ورسمه بحكم خلفيتي إلا أنني كنت مشدودة أكثر لإحساس اللغة وصوتها المميز وكيف يمكن للإنطباع الذي يتركه صوت النص العربي التأثير على شخص لايفهم معناه. قادني هذا الإهتمام للتعرف على كتاب رائعين في اللغة والصوتيات وموسيقى الحرف العربي أمثال عبدالفتاح كليطو الذي أبهرني، كنت أتمنى أن أعرفهم دون الحاجة للإختصاص ببساطة كناطق بالعربية.

موعد مع العربية في نهايته كان حصيلة تعاون مثمر مع عدد من المبدعين الذين لم يكن ليكتمل دونهم في مجالات منها: الكتابة الإبداعية، التصميم الداخلي، الهندسة الصوتية، التصوير، تصميم المنتجات، الرسم وغيرها. كنت أمارس دوري كمصمم جرافيك وأهتم أيضاً بالإشراف على التنفيذ برؤية واضحة من خلال من أتعاون معهم، أكتب لهم المطلوب وأشرح لكل منهم المشروع من وجهة نظر تخدم ماأطلبه منه.

من خلال فعالية موعد مع اللغة العربية يهدف المشروع المصاحب لهذا البحث إلى تحدي الصورة النمطية السائدة عن اللغة العربية لدى غير الناطقين بها ومعرفة الأسباب وراء ترسخها في أذهانهم. يبحث في الأبعاد السياسية، الإجتماعية والثقافية للمشكلة ويستخدم نتائج البحث لتصميم تجربة فريدة. يدعوهم من خلال الفعالية لتجربة بعيدة عن التكلف تعرض لهم اللغة بصورة قريبة تساعدهم على معرفة بعض أسرار قوتها وتحثهم على المشاركة في النقاش عن تصوراتهم المسبقة ومقارنتها بردات فعلهم تجاه مايقدم لهم خلال الفعالية. تستخدم أساليب مبتكرة خلال الفعالية ناتجة عن البحث المطول للفئة المستهدفة وتشرك حواسهم (السمع- البصر- التذوق) والقليل من الترجمة لتقرّب العربية لهم من لغة وثقافة وتختبر نظرية البحث.- 


عندما أفكر بكم العمل الذي أدى لنهاية المشروع، أدرك، ورغم أنها لم تكن نتيجة خالية من العيوب، أدرك أن قدرة الإنسان أكبر بكثير مما يتوقع وأدرك أن عليه أن يخضع لضغط الوقت والحاجة حتى يُجبَر على تحدي نفسه. ولا يهم مايعتقده الناس أو يظنونه بأن أي شخص قادر على إكمال الدراسات العليا في وقتنا الحالي، الموضوع شخصي جداً ويستحيل تعميم صعوبته أو سهولته دون معرفة دقيقة. وحدك أنت صاحب التجربة تعرف مالذي بذلته وأين وصلت وإن كان يستحق أو لا.

عموماً، العديد من المهارات التي لم يخطر ببالي أن أمارسها يوماً كجزء من العمل اضطررت لها. مثلاً اهتماماتي بالحرف اليدوية من نحت ورسم وغيرها موجودة ولكنني لم أتعامل مع ورشة خشب وأضطر لاستعمال المنشار أو آلة القص أو المفك أو غيره من قبل، وربما لو أتممت هذا المشروع في مكان آخر لأوكلت هذه المهام لشخص أعتقد أنه أكثر خبرة مني. لكنني اضطررت وتفاجأت بما يمكن أن أصنع بنفسي فقط إن حاولت. لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة والعديد مما نتعلم في الحياة غالباً مانضطر إليه حتى نتقنه.

أكثر ماأضافه لي هذا التخصص هو توسيع دائرة خبرتي كمصمم جرافيك لأستوعب المساحة والمستخدمين بشكل أكبر، كيف يمكن استخدام المساحات لإلهام التصميم، كيف يمكن للمكان أن يروي القصة بالإضافة لاحتوائها. أضف لذلك مساعدتي في فهم المستخدمين بطريقة أكثر إبداعاً ومالذي يعنيه أن تكون مشاركاً في التصميم مع مصممين آخرين بأسلوب حضاري متفهم.
Co-design- collaboration- action research- narrative theories and more. 

لايمكن أن أختصر هذه المرحلة من حياتي بتدوينة واحد فقط وأظن أنني سأظل أتحدث عنها وأكتب لفترة ليست قصيرة حتى أستوفيها حقها ألا تنسى. قرار الإلتحاق بالدراسات العليا كان أفضل قرار اتخدته حتى الآن بجانب ارتباطي ورغم أن العقبات موجودة والرحلة لم تكن مفروشة بالورود، وربما هناك جامعة أفضل وتخصص أفضل أو مدينة أخرى كنت سأتعلم منها لكنني لم أفعل ولاأريد أن أنتهي بشك أو ندم أو مايمكن أن يؤثر به الناس على نظرتي لذا أفضل أن أكون واقعية وأن أصفها كما هي دون مبالغة لكن دون بهتان أيضاً. ولعلّ أكثر من يعرف عن هذه المرحلة وليد الذي لايزال دعمه أكبر سند لي، يقول لي دائماً ليرفع معنوياتي أنه فخور بماحققته. سأصدقه هذه المرة.

للإطلاع على المشروع أكثر يمكنكم مشاهدة الرابط التالي: 

http://mariamstudio.com/lunch-with-arabic 



السبت، 14 أكتوبر 2017

شخصيات لن تجدها في الكتب

لاأعتقد أنني كنت يوماً بهذا القرب من أحدهم، يفهمني من نظرة ولاأضطر للتصنع حوله، في اجتماعاتنا نكون الفريق الذي يملك رؤى تكمل بعضها وييأس الباقون من مجاراته وبالرغم أنني لاأذكر تفاصيل طفولتي بجانبها إلاأنني وخلال فترة الغربة لم أكن أقرب من أي شخص سواها؛ جدتي.
جدتي، أو كما أناديها أمي، شخصية استثنائية ، ابتداءً من اسمها: نجمة انتهاءً بحضورها الذي لاتملك تجاهله، رزانتها في الحديث ومراعاتها للأصول والتقاليد تبهرني دائماً ورغم الحياة الصعبة التي مرت بها ورغم أنها لم تتمكن من إكمال تعليمها إلا أنها متقنة للقراءة والكتابة وتتحدث الإنجليزية وتعرف كيف تستخدم التكنولوجيا وتتواصل دائماً معنا على الواتس أب والانستقرام والسناب. 
تفاجئني دائماً بقراءتها للأمور والطريقة التي تتحدث بها عن مجريات الحياة، ليست من الشخصيات القوية التي تفرض رأيها لكنك ستجد نفسك مصغياً لها عندما تتحدث.
استحضارها للماضي يأتي دائماً مع شيء من الحنين والشوق للصبا بطريقة مشوقة والمستقبل بالنسبة لها محفوف بطلب المغفرة والعفو من الله وقلب راضي عما قُدّر له. 
لا أستطيع الحديث بما فيه الكفاية عن امتناني لوجودها في حياتي بهذا القرب ورغم أننا من جيلين مختلفين تماماً إلا أنها من أقرب الشخصيات لقلبي ومجلسها من أحب المجالس وأكثرها لطافة وخفة. 

أجزم أنّ في كل عائلة شخصية استثنائية لن تتكرر يرقب حضورها الصغار قبل الكبار وعلى قدر من الثقافة والمسؤولية التي يتطلع إليها باقي أفراد العائلة. المشكلة أن هذه الشخصيات في الغالب ليست من محبين الأضواء والشهرة أو “المؤثرين” المنتشرين في واقعنا الإفتراضي أكثر من "…" لن تقرأ عنهم السير، لن تجدهم في المقالات أو في المقابلات لكنك حتماً ستتعلم منهم ومن قصصهم مالن تتعلمه في عشرات بل مئات مما سبق ذكره. 
وبعيداً عن الكلمات الكبيرة والجمل المنمقة وبعيداً عما يصلح للتوثيق والتصوير، بعيداً عن القوالب التي وضعناها لأنفسنا كمعنى للنجاح ومايستحق الاحتفاء... 
فكّر في أحد هؤلاء المؤثرين الحقيقين في حياتك، أمعن النظر وابحث عن البسطاء، تحدث معهم، تذكر الماضي شاركهم مخاوف المستقبل وكلي ثقة أن ساعة من هذا النوع ستثريك فكرياً وستشحن طاقتك المعنوية أكثر بكثير ممن تستمع لهم من خلف الشاشة. 

اللهم احفظ لي جدتي وجميع أهلي من كل شر ومتعها بالصحة والعافية ❤



للتواصل والإستفسارات على الإيميل

لطلبات التصميم على الإنستقرام 

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

رحلة الماجستير: أمثلة ومشاريع


لفترة طويلة وأنا أبحث عن تعريف مختصر أو شرح مبسط لما درسته في الماجستير، شيء يمكنني التحدث به عندما يسألني أحدهم عما يعنيه تخصص تصميم البيئات الروائية MA Narrative Environments ومالذي قضيت به عامين في لندن. يمكنني أن أقول أنه تخصص يعنى بالمعارض والمتاحف من دراسة الحاجة لها، فهم المستخدمين والزوار ودراسة احتياجهم ورغباتهم، اختيار المكان وتحليل عناصره، بناء القصة المناسبة ثم إيجاد عناصر التصميم  واختبارها للوصول للنتيجة المطلوبة وأخيراً تصميمها بشكل كامل. لكن مجالات تطبيقه أوسع من المتاحف فقط ويمكن أن تتضمن أي خدمة أو فكرة تجارية كانت أو اجتماعية أو فنية بحتة وحيث أنه يهتم بالبحث والتحليل وفهم المستخدمين كثيراً فالتصميم يمثل جزء منه فقط يمكن أن يستعان فيه بالمختصين بحسب المشروع. 

هذه الرحلة تتضمن العديد من المحطات التي يكون التصميم أحدها وليس جلها، لكنني أعتقد أن هذا الكلام يعتبر عام ومن الصعب فهمه دون أمثلة واضحة وتماماً مثل كل التخصصات التي لا تنتهي بلقب مهندس أو طبيب يصعب على أصحابها تفسيرها لغيرهم. لذا وبدلاً من العيش وحيدة في فقاعة “لاأحد يفهم مادرست” سأشارككم بعضاً من المشاريع التي طبقناها باستخدام هذا المفهوم وسأذكر في تدوينات أخرى بعض المشاريع العالمية التي يمكن أن نصنفها ضمن البيئة الروائية. 

مشروع معهد/معرض الفيزياء Institue of physics IOP 
كانت لنا الفرصة في هذا المشروع للعمل مع عميل حقيقي حيث حظينا بعدد من اللقاءات مع أشخاص من مجلس الإدارة وفريق التصميم المسؤول عن المعهد. المشكلة كانت أن المعهد سينتقل قريباً إلى موقع جديد ويرغب في توسعة نشاطاته ليستفيد منها العامة من مختلف الأعمار بالإضافة لذلك عليه أن يقنع عملاءه الحاليين بأنهم لايزالون الأهم بالنسبة له ويقنع أيضاً المستثمرين بأن أموالهم ليست مهدرة في هذه النقلة. 
كان هناك العديد من stakeholders أو المستفيدين الذين يهتم لهم المعهد وكان علينا كفريق تصميم أن نفهم أولوية كل منهم على حدا وأن نبتكر مقترح يرضي جميع الأطراف إلى حد معقول.
 توضيح بشكل بسيط كيف ينظر كل مستفيد للفيزياء بشكل عام. 

التصميم النهائي للمعهد الجديد في فترة لقاءنا بالعميل كان لايزال في مرحلة الموافقة وكان توقيت مقترحنا ممتاز حيث عمل كتوصية لكيفية التنفيذ من وجهة نظر لن يهتم لها المهندس المعماري أو مسؤول الإنشاء بالضرورة لأنه سيأخذها بمنظور عملي جداً ولأنها تتطلب جهد مضاعف للوصول للمستفيدين الحقيقين للمعهد. 
ركزنا على جزء المعرض من المعهد كمثال لمانوصي به وقمنا بوضع استراتيجية لما يمكن أن يعرض داخل هذه المساحة وكيف له أن يخاطب الفيزيائيين، المستثمرين، وعامة الناس المهتمين بالفيزياء أو الذين يصدف أنهم مروا بالمعهد بدافع الفضول. كان المثال الذي عرضناه يتحدث عن مفهوم الكون والمجرات واستخدمناه كأداة لتبسيط الفكرة للعميل. لاأستطيع عرض كامل المشروع ولكنني سأعرض لكم بعض الصور التي عملت عليها مع الفريق. 
الرسم يوضح تحليلنا للمستفيدين احتياج كل منهم. 




تركيزنا كان على فهم المستخدمين وماهية احتياجاتهم وطبيعة توقعاتهم ونقاط التقائهم بالمعهد. كانت هذه المعلومات بين توقعات وبين ماأخبرنا به العميل ومااستطعنا الوصول له من خلال تواصلنا المباشر مع المستفيدين. عملنا أيضاً على حساب الفترة الزمنية التي سيقضيها كل من المستفيدين الثلاثة وفترات ترددهم على المعهد وأسبابها. وبينما يأتي الفيزيائي للبحث أو استلام جائزة أو حضور ندوة، يكون اهتمام الطالب على المكتبة والعائلة على تبسيط العلوم والمستثمر على حضور اجتماع شهري أو ربع سنوي. 

الصورة التالية لأحد مراحل التفكير في تصميم المعرض وطريقة ربط المحتوى المعروض بالمشاعر المطلوبة وعلاقتها بمكان عرضها والوقت اللازم للزائر كي يطلع عليها أو يصل لها. ربما لاتعنيك النتيجة النهائية عزيزي القارئ ولكن طريق الوصول إليها هو مغامرة بها العديد من الغير متوقع، فجزء كبير من هذا المشروع كان عبارة عن رسائل ومكالمات واجتماعات وتواصل مستمر مع أكثر من جهة. ولأن الفريق كان مكوناً من مصممين فقط، كنا ننتظر بفارغ الصبر لحظة الوصول لمرحلة التصميم ولم يكن من السهل علينا أن نعلب دور (البحث- التحليل- التنسيق مع العميل- الإشراف والإدارة) دون الحصول على نتائج بصرية قوية مماشكل ضغطاً كبيراً على نفسية الفريق. 
تتبع حركة المستخدمين: نموذج أولي للفكرة
mapping user experince first draft




من الأمور التي أحببتها في هذا المشروع هو تواصلنا المباشر مع العميل، كان العرض النهائي هو اللحظة الحاسمة لما فعلناه خلال الشهر والنصف الماضيين وكان التوتر في أوجه، أذكر بكل وضوح ذلك اليوم، كان على جميع الطلاب عرض أعمالهم وكانت مجموعتنا هي الأخيرة، تخيل معي كمية الارتباك في الإنتظار من العاشرة صباحاً وحتى الخامسة وسماع باقي عروض الطلاب والتعليقات عليها. بدأنا أخيراً وقمنا بعرض أفكارنا بطريقة سلسة ورغم الإرتباك الواضح وصلنا للنهاية دون أخطاء تذكر وكانت ردة فعل العميل مبهرة لدرجة أنه قرر مكافأتنا مالياً على مافعلناه.
الحقيقة أننا كنّا في غاية الذكاء حين قررنا جعل العرض جزء من الفكرة ككل بحيث لم نفصل بين مااقترحناه وبين كيفية إيصاله، لم نكتف بالرسومات التوضيحية بل قمنا بإحضار بعض المعدات المجهزة وتجربة بعض الأفكار بجعل العميل وبقية الطلاب جزء منها. ورغم بساطتها، إلا أنّ هذه اللفتة التفاعلية جعلت المقترح أكثر واقعية وتأثيراً.

مشروع معهد الفيزياء كان يحمل العديد من التقلبات كونه المشروع الأول خلال بداية الدراسة، كنا لانزال في بداية الطريق وكل شيء كان جديداً وأعتقد أن تركيزنا على فهم بعضنا وتوطيد علاقتنا من خلال إدراج المحادثات الشخصية والتطرق لأمورغير العمل ساعدنا في فهم أعضاء الفريق أكثر وبناء على ذلك توزيع العمل بطريقة منظمة وخلق جو محبب للإنجاز. ربما لايعني هذا الكثير، لكنّ العديد من التجارب الثرية والجديدة تعتمد بناء علاقات إنسانية جديدة وفي كل مرة تعتقد أنك ناضج بما فيه الكفاية للتعامل مع الإنسان تكتشف أنك تعود للمربع الأول وتعيد حساباتك من جديد.  



للإطلاع على بعض من نتائج المشروع النهائية mariamstudio

للتواصل والإستفسارات على الإيميل
لطلبات التصميم على الإنستقرام 

السبت، 20 مايو 2017

قلبك هذا المساء; كيف هو؟

“ستدرك في وقت متأخر من الحياة، أنّ معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية. اجعل هذا الإدراك مُبكراً” 

-غازي القصيبي رحمه الله-


على عكس البدايات، تكون النهايات منطفئة، رتيبة، قد مرّت بالكثير من الأحداث التي استهلكت طاقة الوصول. نقترب للنهاية بقلوب منهكة، متوهجة ربما لفكرة الإنتهاء من مرحلة معينة أثقلت علينا لكنّها في نفس الوقت على أعتاب مرحلة غير أكيدة، جديدة وتحمل الكثير من التساؤلات.

الحيرة، الخوف وعدم التيقن قد تجعلك شخص مختلف كلياً لكنهّا أيضاً تأتي في صحبة الحماس والإنطلاق، الأدرينالين المندفع نحو المجهول الذي تبذل كلّ مافي وسعك لتصل إليه. ذلك المجهول الذي نضع له الخطط ونضبط أجندتنا لتحقيقه ونسميه: المستقبل.
تمرّ الرحلة سريعاً، خمس سنوات أو سنة سنتين، تبدأ دائماً بنفس الفكرة، كيف ستمضي؟ لكنها تمضي دون أن تشعر وفجأة تجد نفسك في نهاية المطاف في اليوم الذي كان بالأمس يدعى المستقبل وكأنك للتو قد بدأت.
في رحلة السنتين الماضية، تعلمت أن لاأحمّل الأمور أكثر مما تستحق، أن أتقبل الواقع الذي يفرض عليك أحياناً شروط قد لا تعجبك أو لم تخطط لها، والأهم: أنّ أي حدث ماهو إلا شي لحظي سينتهي بنهاية اليوم وسيكون لك فرصة الإنشغال بغيره أقرب مما تعتقد.

تعلمت أيضاً أن أكون أكثر وعياً بالأشخاص من حولي وتعاملهم مع الحياة وتأثير ذلك علي، أعتقد أنّ الإنسان هو أكثر مخلوق مدهش للتأمل، ردات فعله، تصرفاته، اختياراته والأهم أخطاؤه التي لايستطيع التعلم منها ولاينكف يعيدها مرة تلو الأخرى، ولعلّ اللافت تحديداً هو تعاملي مع جنسيات مختلفة لاأستطيع حصرها لكنها جميعاً تنتهي إلى نفس الإنسان: يسعى خلف رغباته، يخطئ في معركة، يخسر أخرى أو ينجح ويدعي فضل كل ذلك لذكاءه. 

الأشخاص الذين تحيط نفسك بهم مهمون جداً، أولئك الذين تفرضهم عليك الحياة من زملاء العمل أو الدراسة أو غيرها والذين تقضي معهم جلّ وقتك، وأولئك الذين تختار أن تجعلهم الأقرب لقلبك والأكثر استماعاً لفكرك. وقد يكون الصمت أو الوحدة اختياراً محايداً لاتضطر معه لبذل مجهود في علاقاتك، لكننّا بشر والبشر في النهاية محتاجون لبعضهم. وبقدر ماأحب أنّ أشيد بأهمية إعتماد الإنسان على نفسه واستقلاليته وسعيه لأحلامه بقدر ماأعي في هذه المرحلة تحديداً أنّ الرحلة قد تختلف كلياً إذا أحسنت اختيار الرفقة.
رحلة الدراسة بالأخص مهمة جداً وتصقل الإنسان أكاديمياً وإجتماعياً بطريقة مميزة، يتعلم منذ السنوات الأولى أن الجامعة لاتشبه المدرسة وأنّ قوانين هذا الصرح ليست كغيرها. يتوقع منك معلمك أن تبذل وسعك، أن تسهر كي تنجز، أن تقدم هدفك التعليمي على غيره، بالأصح ألاّ يكون لك هدف سوى التعليم. أو على الأقل هذا مايوحي لك به عندما يعاتبك، يأنبك ويضغط عليك في مواعيد التسليم التي تخرج عن سيطرتك ببساطة لأنك إنسان تحتاج للوقت كي تتعلم وتحتاج للوقت كي تنجز. أفضل طريقة تتعلم بها هي الفشل، تخطئ فتعرف أن لاخيار لديك إلا أن تتفادى الخطأ في المرة القادمة. لايمكنك محوه من الذاكرة، لايمكنك إنكار حدوثه، تستطيع فقط أن تتعلم منه وصدقني أخطاؤك هي أفضل معلم حتى على المستوى الشخصي.  
ربما يكون حديثي هنا غير متجانس وأقرب للفضفضة، لكن وأضيف: ننسى كثيراً في هذه الرحلة أن نتفقد قلوبنا، الأخلاقيات التي نتعامل بها ومالذي يعنيه أن نكون منغمسين في العمل.
تفقد قلبك هذا المساء، فكّر في الإنسان الذي تريد أن تكون عليه، الإنسان الذي تريد أن تُعرف به، وهذا أو ذاك هو نتاج تعاملك اليومي مع من حولك، اللمسات البسيطة التي تضعها في الطريق، اهتمامك بصحتك، بعائلتك، بصقل شخصيتك بقدر الإهتمام الذي تبذله لعملك أو تخصصك، تأملك فيمن حولك والإنتباه للتفاصيل التي قد تغيرك كلياً.
بالتأكيد أن الإنجاز العلمي لايضاهيه في القيمة شيء لنفسك ولمجتمعك ولايعني اهتمامك بغيره أن تهمله أو تجعله في آخر القائمة، لكنّ أي إنجاز مهما يكن ليس إلاّ مرحلة تنتقل بعدها لمرحلة أخرى، الإنجاز الذي تقتل نفسك لأجله اليوم وتخسر نفسك فيه ليس إلا جزء من رحلتك الطويلة في الحياة ويوماً ما لن يكون إلا جزء من الذكريات ولن يبقى إلا ماتعلمته تحمله معك لمرحلة أخرى. 

عندما تقترب النهاية وقبل أن تصل فكّر مالذي فعلته هذه الرحلة لك، مالذي أضافته ومالذي قد تتعلم منه وتستطيع تطويره، فكّر عند خط النهاية بقلبك وكيف هو بعد هذه الرحلة، هل استحقت العناء؟ هل كانت الأفضل؟ هل كنت لتغيّر فيها شيئاً؟ لاتقسُ على نفسك فلايزال هناك متسع للأفضل وتذكر أنّ المستقبل الذي خططت له قد حدث بالفعل أو على الأقل جزء منه.

الأحد، 26 مارس 2017

نقاشات مطلوبة خارج النص

وعدت كثيراً خلال الفترة الماضية أن أكتب مدونة جديدة ولم أفعل، لم أبالغ في جلد الذات على هذا التأخير لأنني أعرف أنني لم أملك وقتي ولكنني أعتقد أن القراء يستحقون اعتذراً لكثرة الوعود الغير منجزة.
أكثر مااستمتعت به خلال دراستي للماجستير التي قاربت على الانتهاء،  المحاضرات المسائية التي عادة ماتكون باستضافة خارجية. الشخصيات تختلف من خريجين سابقين يتحدثون عن أعمالهم الخاصة التي بدؤوها بعد التخرج، مدراء وباحثين في شركات مهمة في السوق الأوروبية، مصممين بارزين في تصميم تجارب المستخدمين، المتاحف والمعارض، باحثين دكتوراة يتحدثون عن رسالة بحثهم والأساليب التي ابتكروها، وأخيراً بين الحين والآخر عميد الجامعة متحدثاً عن موضوع مرتبط بالوقت الراهن. 

عادة عندما تستضاف شخصية للتحدث عن موضوع ما، إما أن تطرح أعمالها المرتبطة بالموضوع، أو تتحدث عن شخصيتها المميزة في التعامل مع الأمر، في النهاية تم طلبها لسبب ولابد أنه مرتبط بأحد الأمرين.
عندما تم الإعلان عن المحاضرة مع عميد الجامعة للمرة الأولى ظننت أنه سيتحدث ضمن التوقعات، وكنت متحمسة للقاء الشخصية التي استطاعت الوصول لأعلى السلم الأكاديمي بصيت ممتاز بين كل من عرفت، لم يتحدث عن نفسه ولا عن أعماله وفاجئني عندما تحدث عن مقالة كتبها لأحد الصحف المعروفة في المنطقة حول تنصيب ترمب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. منذ بداية حديثه علق بأنه اعتقد أنه لايوجد مايمكن له أن يضيفه على كل ماقيل في الإعلام من المحللين السياسين وغيرهم ولكنه حاول قراءة الموضوع من خلفية معمارية بحكم دراسته واهتمامه. 


لن أنقل لكم حرفياً ماقيل في المحاضرة ولكنه تحدث عن الوضع السياسي من وجهة نظر معمارية، تفهم المجتمع والبنية الإجتماعية وتصمم طبقاً للحاجات والأشخاص بمختلف متطلباتهم. بحثت فيما بعد ووجدت له العديد من المقالات التي تؤكد على دور المعمارين في المجتمع أعتقد أنها تستحق القراءة أرفقت رابط لها في نهاية التدوينة. 
كان واثقاً وصريحاً في موقفه وسأل من من الطلاب يخالفه الرأي أو يعتمد وجهة نظر مضادة وهو مااعتقدت أن فيه الكثير من الجرأة خصوصاً أنه يتحدث لطلاب قدموا من شرق الأرض وغربها بخلفيات واعتقادات لايمكن التنبؤ بها. 
طرح سؤالاً هو ماأود حقيقة أن أناقشه هنا معكم، هل من واجب الأكاديمين مناقشة هذه المواضييع داخل أسوار الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة؟ 


ربما يكون موضوع ترمب موضوعاً من السهل أن تبدي اعتراضك عليه لكثرة المعارضين الموجودين وكونه حدث تكلم فيه الجميع من مختلف الخبرات، لكن قبل أن تتخذ جواباً فكر معي ماذا لو كان موضوعاً مختلفاً، شيء مما نواجهه في الحياة الإجتماعية المتعلقة بنا كأفراد شخصياً، موضوع يتعلق بترند أو حدث يشغل الرأي العام عموماً. لدي خبرة متواضعة جداً في التعليم، ولكنني أذكر بوضوح عندما كنا في أحد المحاضرات نناقش موضوع المرأة وكيف يراها المجتمع وبالتالي كيف نقوم بتمثيلها في التصميم الإعلاني أو الدعائي أياً كان نوعه. اشتد النقاش وتحول الموضوع لمنحى مختلف عما بدأ به، ولم يجد صدى مرحباً به أبداً بل كان هناك اعتراضات على طريقة الطرح والتدريس وأن مواضييع ممثالة يجب ألا تطرح داخل فصل الدراسة لأنها ببساطة خارج النص!

شخصياً لاأتفق مع هذا الأمر البتة وأعتقد بشدة أن من واجب الأكاديمين أن يشجعوا الطلاب ليكونوا مرآة للمجتمع، والمواضييع التي تثير الجدل هي أولى بصقل الفكر تجاهها وإثارة النقاش بدل أن يتم ذلك مع العامة أو في الخفاء.
تطبيق التخصص يمكن أن يأخذ اتجاهين كلاهما صحيح، إما أن يفهم التطبيق من منظور ممارسة للمهارات الإدارية، الفنية، التكنولوجية التي اكتسبها المتخصص أثناء دراسته وهو ماينجح فيه الغالبية، وإما أن يأخذ منحى المفكر، الإجتماعي، القائد الذي يخدم مجتمعه ليس فقط بمهاراته التقنية ولكن والأهم من ذلك بنشاطه الفكري المنعكس على مايهم المجتمع.


الدراسة الجامعية مرحلة مصيرية في حياة الإنسان تصقل فيها شخصيته وينتقل من مراهق لشخص ذو رأي وخبرة ينطلق بعدها للعمل في المؤسسات المختلفة، ويقضي فيها وقتاً لايجب أن يحصر في التخصص معزولاً عن الحياة. 
أعتقد أن أحد الأمور التي تتسبب في المشكلات في مجال العمل فيما بعد أياً كان سواء في العمارة أو الإدارة أو التصميم أو الحاسب أو غيرها هي أن كل تخصص يشيد بقوته لوحده وكأنه غير مرتبط بعوامل أخرى اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو غيرها تؤثر على تقدمه، انجازاته وطريقة تدريسه.
من الأمثلة التي توضح بشدة هذه النقطة مانشرته أحد المجلات المعتمدة كمرجع للتصميم المعماري بأن سنة ٢٠١٦ كانت أفضل سنة للمعمارين في العالم وأرفقت صوراً لأفكار وأبنية فائزة بجوائز العام. لو أخذنا هذه السنة من جميع النواحي باستثناء العمارة لوجدناها سنة ضغط وحروب وأزمات اقتصادية وسياسية وغيرها فهل يعني هذا أن العمارة منفصلة عن جميع هذه الأبعاد؟ هل يعيش كل تخصص بصورة مستقلة في هذا العالم دون أن يرتبط بعوامل أخرى لاتشبهه في المسمى أو المصطلحات ولكنها تؤثر على سكان العالم بشكل عام، هل كونك متخصص يعني أنك تملك شخصيتين، واحدة للعمل وأخرى تربطها بالحياة؟ 

الجامعة هي الأساس لبداية مثل هذه النقاشات وربما لسنا مؤهلين بعد لطرحها الآن بشفافية أو تقبّلها لأننا لم نعتد على هذا النمط من المواضييع والطرح، ولكن يجب أن نبدأ! لايعني ذلك أن نأخذ كل موضوع لداخل الصف ولكن كل مايتعلق بالحياة الإجتماعية يمكن أن يُنظر له من منظور متعلق بالتخصص ويمكن أن يناقش بطريقة علمية مهنية دون أن يكون في طرحه تحيز أو عنصرية أو تعصب حتى يخرج الطالب قادراً على التعبير عن نفسه بطريقة موضوعية ويتعلم أن العالم أوسع بكثير من مصطلحات علمية متخصصة تثبت ذكائه وتؤهله لسوق العمل. لايهم أن يُحسم الجواب في الفصل وليست من وظيفة المعلم أن يكون مفتياً في كل مجال ولكن المهم أن تبدأ بالحديث في مكان مهيء للرأي والرأي الآخر حتى تتعلم مهارات الحوار والطرح التي حتماً ستحتاجها فيما بعد كجزء فاعل من مجتمعك. 



Feature Post