الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

أسبوع التصميم السعودي - قراءة ناقدة

الأحداث الفنية المتعلقة بالتصميم فرصة للمصمم المتعطش الذي يصعب عليه أن يجد مجاله المتخصص بين ضجة الفن والإهتمام بالرسم والعمارة وأنواع المنافسة الأخرى وفي كل مرة يقام حدث فني في المنطقة يبدأ الحديث عن التوقعات والضيوف وورش العمل وينطلق التخطيط لرحلة فنية مشوقة.

الأسبوع الماضي كان لي فرصة حضور أسبوع التصميم السعودي في الرياض وهي السنة السادسة على التوالي لهذا الحدث ورغم أنّ الجهة المنظمة تغيرت على مر السنين إلا أن طبيعة المشاركات حافظت على نمط معين. 
منذ بداية الإعلان عن الحدث كنا ننتظر بفارغ الصبر أنا وزميلاتي الإعلان المفصل عن ورش العمل والمتحدثين ولأننا من منطقة أخرى فكان يجب علينا تنسيق الوقت منذ فترة مسبقة. للأسف لم يعلن عن التفاصيل إلا في فترة قريبة جداً ومن هنا بدأت خيبة الأمل.
قمت بتحديد الفعاليات المثيرة للإهتمام بالنسبة لي والمتحدثين الذين أرغب بالإستماع لهم وكان أحد الأسباب لحماسي لهذه السنة وجود مشروع مشارك في المعرض لإحدى الخريجات اللاتي حظيت بفرصة تدريسها. المشروع كان رائعاً وربما الأفضل في رأيي المتواضع. 
نعود للحدث، منذ الوهلة الأولى لدخولك للمكان تشعر أن هناك شيئاً مفقوداً يعطي طابعاً للمشاركات. هناك العديد من عروض المجوهرات والعباءات، بعض من الأثاث، القليل من المشاريع الهاوية للإكسسوارات، النظارات والأقل منها مشاريع لها أهداف إنسانية مثل تحويل رسومات أطفال التوحد لمنتجات جزء من ريعها ربحي. ينضم لهذا بعض المشاريع الجيدة مثل إفريز ومشروع آخر لاأذكر اسمه لنحت عتبات الباب من الإسمنت بطريقة مبتكرة. 

ما علاقة كل هذا بالسعادة؟

السعادة كان موضوع هذه السنة وفي مقطع صوتي لإحدى المشاركات في الحدث عبرت أن سبب اختيارهم له هو ماتمر به المملكة من مشاريع طموحة وتسارع إيجابي في التطور. 
نأتي لتطبيق هذا المفهوم بشكل حرفي أكثر داخل المشاركات. كان هناك عدد من “التجارب” أو المعارض المصغرة المشاركة التي يفترض أن تعطيك شعوراً محدداً عن معنى السعادة، مالايقل عن ثلاثة منهم تُرجمت فكرتهم عن السعادة بالألوان. بكل بساطة مجموعات لونية موزعة في المكان بأساليب مختلفة تمر من خلالها، تحس بشيء ما، ثم تخرج لتتحدث عن هذا الشعور أو توثقه.
بالنسبة لي، سطحية تامة في بحث الموضوع وكمتخصص في تجربة المستخدمين والمعارض أصبت بخيبة أمل شديدة من ضعف المحتوى. الشكل الخارجي والخامات والجماليات المستخدمة في تنفيذ الأفكار يبدو أنها على درجة عالية من الكفاءة، جذابة، قابلة للتصوير ومفعمة بالألوان. لكن عندما تنظر للفكرة تجد أنها تفتقر للبحث الجيد والأساس العلمي، مبنية على الإحساس والإجابات المبدئية. ورغم أن هذا الحدث يفتح أبوابه للمشاركين من مختلف الخلفيات إلا أن أسماء العارضين تتكرر سنوياً وكأنك في تجمع لأصدقاء الثانوية. 
كنت أعتقد أن سماعي للمتحدثين سيعوض النقص في المحتوى، لكن مع الأسف المكان لم يكن مهيأً للإستماع، الضوضاء من حولك والمحتوى غير معد بصورة جيدة ناهيك عن إدارة الحوار الهاوية.

المحتوى أولاً!  

لو كان هذا الحدث موجه لعامة الناس لكان هذا المستوى مقبولاً، لو كان معرضاً لأصحاب المشاريع لعرض بضائعهم أو التعريف بالفن للهواة لمرّ الموضوع ببساطة، لكنه حدث موجه للمصممين المتخصصين يحمل اسم السعودية ولم أجد فيه مايعكس اسمه. 
حضوري لهذا الحدث جاء بعد حضور لفعالية تنوين في إثراء المنطقة الشرقية، للأسف أجد المشاريع الفنية المشابهة في المنطقة ورغم أن هناك جهود جبارة خلفها إلا أن سوء إدارتها وافتقارها للرؤية الصحيحة ينعكس بشكل واضح في مستوى مخرجاتها. 

علينا أن نتفق على حقيقة أنه ليس كل صاحب مشروع ناجح هو عارض جيد أو متحدث جيد لذا فإنّ وضع الأشخاص في أماكنهم الغير مناسبة هو سوء تخطيط وإدارة من صاحب الحدث. وإن كان المشروع جيداً فإنه يفقد قيمته بسبب سوء الطرح. 

اللعب/السعادة أنماط دارجة 

كيف يمكن للمصمم أن يفصل نفسه عن العالم بكل هذه البساطة؟ بينما يمر العالم بما فيه السعودية بتحديات قوية لبناء المستقبل نتجه للتفكير بهذه السطحية عن التصميم وكأنه لاعلاقة له بمايدور في الكوكب؟ ماذا عن التحديات المجاورة؟ أعجبني أحد المتحدثين في تنوين ورغم أنه دُعي للتحدث عن اللعب فقد كان يسرد قصة تفاعله مع اللاجئين واستخدام الفن لدعمهم مادياً في مشاريع تنموية كالتعليم مثلاً. متحدث آخر كان يناقش أهمية الفن التراثي مثل مسارح العرائس في توثيق التاريخ وإيصال الثقافة العميقة بصورة سلسة للأجيال الأصغر. وهنا أذكر حديث عميد كلية العمارة في جامعة لندن للفنون عندما طلب منه الكتابة عن انتخاب ترامب وقرارات الهجرة واللاجئين الذي تزامن مع إطلاق عدد من المجلات المعمارية لأسماء المشاريع الفائزة بأحد الجوائز السنوية. كان يقول في حديثه أن الهدف الأساسي من العمارة هو إيجاد حلول قابلة للتطبيق لتسهيل حياة الناس والإستجابة لقضايا معاصرة مثل الحاجة المستمرة للتنقل والحروب وغلاء السكن. هذا الهدف الذي يختفي تماماً عندما ننظر للمشاريع الفائزة تصور العالم بإيجابية مثالية وتقنيات مذهلة تفصل العمارة عن الواقع. 
التصميم قضية إنسانية جوهرية عميقة لكنني مع الأسف أجد قوتها في التاريخ ولم أجد لها منصة محلية حتى الآن تعكس قوتها بالشكل المطلوب، ورغم وجود الدعم المادي والأسماء الكبيرة والسنوات العديدة من الخبرة إلا أنّ افتقاد الرؤية والتخصص يؤدي لما نشاهده اليوم من مشاريع سطحية. 
أخطاء لا تغتفر مثل توزيعات بجودة سيئة وأشياء بمقاسات عجيبة لافائدة لها ستنتهي غالباً على الرف أو في سلة المهملات تعطيك تصوراً عن حجم المال المهدر في مثل هذه المشاريع ما يجعلك تتساءل أين المشكلة؟ 
وكي أنصف الجهود، كان هناك عدد من اللقطات التي يشكر عليها الحدثان مثل تنوع المتحدثين في تنوين وورش العمل الكثيرة، اختيار المنطقة في الأسبوع السعودي للتصميم والفعاليات المصاحبة لها وتوقيتها مع موسم الرياض.

النقد هو فرصة للتطوير 


هذا النقد ليس هدفه التجريح أو التقليل من قيمة الجهد خلف الحدث لكنّ المجاملة والتمجيد الذي تشهده وسائل التواصل الإجتماعي لا يعكس الواقع ويحتاج لإعادة النظر حتى نصل لمستوى فني جدير بالإشادة محلياً. وبودي لو تقام حلقة نقاش حول الموضوع أو أن يتم استقطاب نماذج ناجحة من المنطقة لوضع الأساس لمثل هذه الفعاليات وبإمكانك عزيزي القارئ البحث في مستوى أسبوع التصميم في دبي وفعالية نقاط في الكويت كي تتضح لك الريادة التي أعنيها بشكل أكبر. 

Feature Post