الخميس، 9 أبريل 2020

معلم قيد التعلّم: وظيفة غير قابلة للتصوير

منذ القدم انتشرت تخصصات الطب والهندسة بسبب إيمان الأهالي بقيمتها ودفعهم أبناءهم الإلتحاق بها لما لها من أثر واضح ملموس اجتماعياً و على الصعيد المهني. اليوم وأنا أقلب صفحات التواصل الإجتماعي وأقرأ في المعرفات التي أمر عليها غالباً بالصدفة أجد تنوعاً هائلاً في المسارات الوظيفية على الرغم من أن التخصصات السابقة لاتزال تحمل نفس القيمة لكنها لم تعد الوحيدة على الأقل. 
هذا التنوع الحاصل بسبب الإنفتاح الرقمي الذي دعانا لإستحداث مسميات وظيفية لم تكن يوماً بالحسبان وثورة وسائل التواصل الإجتماعي التي أثبتت جدارتها في مجال الأعمال فرضت على الجميع الإستعانة بالمختصين - غالباً لاعلاقة لإختصاصهم بالشهادات التي يحملونها - وغيرهم من المؤثرين في هذه المواقع لأخذ المشورة أو زيادة الأرباح بطريقة أو بأخرى. 


المكانة الإجتماعية في زمن المتابعين 


يدور هذا الموضوع ببالي منذ فترة ومع الأوضاع الحالية التي نعيشها بسبب فيروس كورونا الجديد أصبح واضحاً جداً بالنسبة لي تأثير وسائل التواصل الإجتماعي ليس فقط علينا كأفراد بس على مستقبل الوظائف التي قد يرغب الجيل الأصغر بالإلتحاق بها مستقبلاً، وهنا أسأل ماذا لو لم تكن وظيفتي قابلة للتصوير؟
هل يؤثر هذا على مكانة الوظيفة نفسها وإحساس الشخص بالراحة والإنجاز؟ إلم تتح الوظيفة التي يقضي الشخص فيها معدل ٦ ساعات يومياً محتوى للنشر في وسائل التواصل ولم تعكس كونه شخص محبوب وناجح في وسطه أو تبين لنا مدى ذكائه وتميزه مهنياً إلم توفر له لقطات قابلة للتصوير بدءاً من استخدامه للمصعد أو شربه لقهوته أو حديثه مع زملاءه؟ بمعنى آخر إلم تساعده هذه الوظيفة أن يحصل على التقدير الإجتماعي والوظيفي وتوفر الفرص الذي نترجمه اليوم بعدد المتابعين والمعجبين والتأثير الإلكتروني هل سيؤثر هذا على مكانته اجتماعياً أو رغبته في الحصول على هذه المهنة؟


التعليم أساس كل المهن. لكن؟ 


لعلي أفصل هنا عن مهنة التعليم الجامعي التي أتساءل كثيراً عن كيفية تقدير قيمة النجاح فيها وعن مستقبلها اجتماعياً. يأتي هذا التساؤل مع التحول الرقمي الحالي الذي شهد التعليم منه النصيب الأكبر ورغم إعجابي بالجهود المبذولة والقادة الملهمين خلف الستار وسرعة استجابة أفراد هذه المؤسسة للتغيير إلا أنني أجد ردود الفعل السلبية منتشرة في كل مكان حول المعلمين وجودة التعليم بشكل عام ورغم الإشادة بمختلف الوظائف الأخرى في هذه الأزمة إلا أن نصيب التعليم منها كان الأقل حظاً. 

يخيل لك أن التعليم مهنة من لامهنة له وينعكس هذا سلبياً بأثر ملموس نلاحظه بدءاً من تعاملنا مع الطلاب الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المستفيدين من هذه العملية إلى الصورة النمطية المنتشرة في وسائل التواصل الإجتماعي عن المعلمين الذين لا يملكون الخبرة الكافية. يخيل إليك أن كل شخص يمكن أن يصبح معلماً ويتناسى الكثير عظم حجم هذه المسؤولية وأثرها الذي لمسناه على مختلف الأزمان. لا أريد أن أسرد فضل المعلم أو أذكر بماحفظناه منذ زمن عن هذه المهنة لكنني أتساءل عن قيمتها في مجتمعنا اليوم؟ وغيرها الكثير من الوظائف والتخصصات التي لاتشبه الهندسة والطب في وضوح مخرجاتها وإنما تنتج قيمة فكرية وتعلم أسلوب ومنهج بحث قد يغير من شخص للأبد.

أتحدث هنا وأفكر بكل المعلمين الرائعين الذين غيروا طريقة تفكيري منذ مراحل التعليم المبكرة، وجهوني لإهتمامات لم يخطر ببالي أنها لي ولمسوا تميزي وأسدو لي النصح حينما اعتقدت ألا مخرج مما أنا فيه. لاأزال أذكر كلمة إحداهن لي حينما انتهيت من أول محاضرة لي بداية تعييني حينما قالت: هو تكليف لا تشريف. هذه الكلمة أحفظها عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت ولا أزال استحضرها بشكل دوري خلال عملي. هذه النماذج لاتزال بيننا ممن جعل على عاتقه شرف المهنة وحمل الأمانة لما هو أبعد من إنهاء المنهج أو رصد الدجات وأرجو أن أكون أحدها ممن ترك الأثر في صنع الإنسان ولو بشيء بسيط.

المشكلة من الداخل 


لعل جزء من المشكلة يكمن في بيئة العمل وطريقة إعداد المعلمين لهذه المسؤولية فالطريقة الحالية تعتمد بشكل كبير على التعلم بناء على خبراتك السابقة وخبرات من حولك من زملاء العمل. بعض الورش وجزء من التقييم الذاتي لماتفعله لكنني أجد نقصاً كبيراً في إعداد المعلم وتسليحه باستراتيجيات وأساليب التدريس ووضع المناهج والتعامل مع الإختلافات الفردية بشكل مفصل. 
الجهود مبذولة لكن مالم يكن هناك إهتمام شخصي بالحاجة للبحث أكثر فمايقدم ليس بكافٍ أبداً لإعداد المعلمين لمسؤولياتهم. إضافة لذلك حجم المشاغل والمسؤوليات الإدارية التي لاتدع لك مجالاً للبحث أو التعمق في مواضييع مشابهة وتركز على أولويات أخرى وأذكر هنا شيئاً قرأته عن غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة حينما تحدث عن هيكلة الترقيات في التعليم الجامعي وأثرها السلبي على استعياب المعلم لمهنته الأساسية؛ التعليم! 

ماذا عن المستقبل؟ 


هناك العديد من الأبحاث التي تتحدث عن مستقبل التعليم وماقد نشهده يوماً ما من روبوتات تحل محل الأشخاص في هذا المجال، إن كنا نتحدث عن دور المعلم فمن وجهة نظري أن دوره يتعدى إيصال المعلومة أو شرح المادة إلى توسيع الفكر وصقل الإنسان بفتح مداركه على آفاق لم يفكر فيها قبلاً وتغيير الصورة النمطية المتعلقة بهذه المهنة لن يحدث ببساطة بل ويحتاج لدماء جديدة ورموز ملهمة لديها رؤية تتعدى إتمام المهام على أكمل وجه وإن حلت الآلة محل المعرفة فلا يمكن أن تحل محل التعليم.  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Feature Post