السبت، 20 سبتمبر 2014

فوبيا الحصول على وظيفة

قبل أشهر وأثناء مرحلة التقديم على الجامعات اتصلت بي احدى الزميلات تستشيرني في التخصص بحكم أن أختها ترغب في التقديم عليه، كان لديها سبب واحد جعلها مترددة بشأن الموضوع وهو ضمان حصولها على وظيفة بعد التخرج. لست هنا لأحكي القصة ولكنّ هذا التساؤل تكرر كثيراً من قبل أشخاص مختلفين، ورغم أن الشخص يملك كل مقومات اجتياز سنوات الدراسة بامتياز إلا أن موضوع الوظيفة لا زال يجعل الكثيرين غير واثقين من هذا المجال. 

التصميم لا يختلف عن كثير من التخصصات فهو لا يقدم ضمانات للأشخاص العاديين الذين لا يملكون سوا شهاداتهم، وحصولك على وظيفة فيه أو في غيره من التخصصات يعتمد على اجتهادك ومدى عصاميتك في العمل على تقديم نموذج راقي من الأعمال وشخصية متميزة في علاقاتها. 
في المقابل هو يقدم لك بعض الامتيازات التي لا تجدها في غيره مثل إمكانية العمل من المنزل، والعمل الحر الغير ملتزم بدوام بالاضافة لأن طالب/ة التصميم يتعلم من المهارات ما يمكّنه من الإبداع في مجالات حِرفية أخرى أوسع من مجال دراسته لأنه يفتح لك مواضيع بحث وآفاق لم تخطر ببالك يوماً فهو لا يعتمد على التلقين والحفظ بل يقوم على التجربة والاختبار وتعلّم وسائل البحث ثم الخروج من كل هذا بتصميم قابل للتطبيق، وكم من خريجي التصميم  والعمارة أو الهندسة حتى انتهى بهم المطاف لتصوير الأفلام وتصميم الأزياء والأنيميشن أو حتى رسوم القصص المصورة! وهناك الكثير ممن بدأ ببيع منتجاته الخاصة، أضف إلى ذلك أنّه من التخصصات القليلة التي يُدفع لها مكافأة “رمزية” عند التطوع في أي مجال كان. 

العجيب في الموضوع وبعد كل هذه المقدمة أن الطالب يتخرج من الثانوية وهو يحمل هم رأس المال الذي لا يملكه ولن يملكه حتى بعد خمس سنوات ويقرر بناء على ذلك تغيير رغباته الجامعية والتوجه لتخصص آخر طبي مثلاً! 
صدّق أو لا لكن لا أحد منّا يولد بملعقة ذهبية أو بالأصح الأغلبية منّا لا يحصل له ذلك. مجال الأعمال لا يعتمد على المال بقدر ما يعتمد على علاقاتك التي تجلب لك المال فيما بعد وهناك من الطرق الآلاف التي يمكن لك أن تسأل عنها وتتعلم الكثير منها خلال مشوارك الجامعي، ومن الطبيعي جداً أنّك لا تملك مقومات حلمك الكبير وأنت في عمر الخامسة عشر! كما أنّ بداية عمل في وقتنا الحالي أسهل بكثير مما كان عليه قبل سنوات وهذا بسبب تعدد وسائل التسويق المجانية التي يمكنك استخدامها بذكاء لتروّج لما تريد بيعه من الأفكار وغيرها!

لو أنّ هدفك الأساسي من العلم هو الحصول على وظيفة فأنت تضيّع على نفسك متعة التخصص الذي تختاره والذي سيلازمك لبقيّة عمرك! رزقك مكتوب منذ ولادتك ونصيبك لن تُقبض روحك حتى تستوفيه فلمَ تستبق الأحداث وتجزم بما لا تعلم وتروّج لفكرة أنّ هذا المجال لا مستقبل وظيفي له بناءً على رأيك الشخصي الذي -ومع فائق احترامي- لا أساس له من الصحة. 

حصولك على وظيفة يعتمد بالدرجة الأولى على علاقاتك، ومن يعتقد غير ذلك فعليه تغيير هذه النظرة وإلا فسينتهي به المطاف في المنزل، وهذا ليس كلامي فهناك العديد من أصحاب الخبرات من يؤكد ذلك، جودة العمل تأتي في المرحلة الثانية، لأن العمل الجيد الذي لا يعرفه أحد لا قيمة له. وكم من المصممين المبدعين الغير معروفين وكم من المصممين بمستوى عادي والذين تنتشر أعمالهم في كل مكان وهذا ليس نقصاً وإنّما مهارة تجارية وازنوا بها مهاراتهم الفنية. 

احرص منذ البداية على المشاركة في الفعاليات المتعلقة بتخصصك من مؤتمرات، ندوات او معارض وحتى وإلّم تُقدم أعمالك فيها فعلى الأقل ستلتقي بأشخاص يعرفون بدورهم آخرين يبحثون عن أمثالك وستتعلّم منهم كيف تسوّق لعملك.

لا يهمّني أن أجد قصة حياتك ولكن أريد أن أرى اسمك متواجداً عندما أبحث عنه في أي محرّك بحث، أعمالك، سيرتك الذاتية، موقعك الشخصي، مشاركتك في فعاليات كلّ هذا يضيف لرصيدك من المهارات ويجعلك متميّزاً عن غيرك في نفس المجال. 

لذا وقبل أن تحرم نفسك فرصة تعلّم ما تُحب لسبب قد لايكون له أي أساس من الصحة أعِد التفكير وانتبه لكمية الخسارة التي قد تحصل لك وليس فقط الفوز، المجال الذي ستعمل به سيأخذ من عمرك الوقت الكثير وإلّم تكن شغوفاً بتخصصك فلن تتمكن من مواكبة تطوراته والبحث في مجالاته المختلفة والتعمق بها وأنت مرتاح البال، ستفعل ذلك رغماً عنك و سيكون من الصعب أن تبدع وسينحصر همك على الكم المادي الذي سيعود به عليك، لكن في المقابل الصعاب التي تواجهك في مجال تحبّه تهون وقد توجِد لها ألف مخرج وحل في سبيل الوصول لما تطمح له والاستمتاع بالرحلة.


الأحد، 14 سبتمبر 2014

انظر بعين المستقبل

من أصعب القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته، القرارات المتعلقة بالمستقبل.العجيب في الموضوع أنّ كل مرحلة انتقالية في حياة الإنسان تتطلب اتخاذ قرار يعتقد في وقته أنه مصيري ثم يكتشف بعد ذلك أنّ هناك أكثر من طريقة لتصحيحه في حال كان غير موفق. 
عندما كنت في المرحلة الثانوية وبالقرب من امتحانات القدرات العامة والتحصيلي كان عليّ اختيار الرغبات الجامعية الست وترتيبها حسب الأهمية، في تلك اللحظة كانت هذه الخطوة هي أصعب خطوة قمت بها، وكنت أعتقد أنّ التخصص الخاطئ هو نهاية العالم! 
والآن أنظر لتلك الأيام وأعتقد أنني حملت نفسي فيها أكثر مما يجب ورغم أنها آتت أكلها إلا أنه كان يمكن لها أن تمر بسلام أكبر ..

مع تطور حياة الإنسان تتطور طبيعة القرارات التي يجب عليه اتخاذها ويتعلم كيف يرتب أولوياته، ومن الأمور التي ساعدتني في هذا الجانب حتى في المواقف البسيطة مثل حضور فعالية معينة أو الاشتراك في ورشة أو مسابقة أو غيرها هو النظرة الشاملة للأمور، على سبيل المثال بعد خمس سنوات من الآن هل سأستفيد من هذه الفعالية؟ أو ما أثرها بعد التخرج على فرص حصولي على وظيفة؟ أو هل ستضيف لشخصيتي أم أنها مجرد مهارات؟ ونحو ذلك من الأسئلة التي قد تتفاوت في دقتها من شخص لآخر ولكنّها في الإجمال لا تتحدث عن صعوبات اللحظة وإنّما تنظر بعين المستقبل لأثر هذا القرار.
مايجعلني أستحضر كل هذا هو مقال قرأته عن قدرة الإنسان على التغيير ووجود شخصيات في طبيعتها تميل لصنع الفارق أيّاً كان المجال الذي تحبّه، والعجيب في الموضوع أنّ هناك أشخاص يعلمون بهذه الصفة المميزة لديهم لكنهّم أكسل وعلى قدر كبير من المزاجية من أن يستثمروها في مجالها الصحيح كالتعليم مثلاً أو نحوه.
على سبيل المثال في الفترة الحالية قد يكون المجال الذي تتقنه مليئاً بالتحديات أو أن النقص في موارده كبير، لكنك تعلم أن الوضع في تحسن وأن هناك من الجهود ما يعد بحال أفضل بعد أربع سنوات أو نحوها، هل تتخذ قرارك بناء على اللحظة السيئة؟ أم تنظر للتغيير الذي يمكن أن تساهم فيه بعد سنوات؟

سيحاسب كلّ منا على استغلاله لمواهبه في مجالها الصحيح وتسخيرها لخدمة المجتمع والدين، والموضوع تكليف أكثر من كونه تشريف ويتطلب تحمّل الكثير من المسؤولية والصبر! وفي اختياراتك المتعلقة بنفع الناس ادرس أفضل ما يمكنك تقديمه و أفضل الظروف المتاحة وما يمكن أن تستفيد منه ووازن بينهم. 

باختصار..
انتبه لا تضيع فرصة من يدك بسبب خلاف مع مسؤول أو نحوه لأن الفرصة ماتتكرر لكن الكراسي تدور..

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

الدرس الأول |Trust the process

“ Slow down, calm down, don’t worry, don’t hurry; trust the process! “-Alexandra Stoddard-


على الرغم من أنّ معظم الناس يمرّون بنفس المواقف إلاّ أنّ ردات فعلهم تختلف بحسب اختلاف خلفياتهم الثقافية، طبيعة شخصياتهم وأفكارهم المسبقة عن الوضع الذي يعيشونه. بالطبع ماتعتقده يؤثر بشدة على ما تتخذه من قرارات وما ينتج من سلوكك تجاه الأشخاص من حولك.
خلفيتك الثقافية و أفكارك يمكن لك أن توسّعها وتتعلم منها أو تستبدلها بأخرى، المشكلة عندما تكون شخصيتك أو طبعك هو ما يحكم تصرفاتك. هُنا يتطلب الموضوع المزيد من الصبر وإلّم تكن مقتنعاً تماماً فلن تتكيّف مع أيٍّ كان من الظروف.
ربّما تذكُر في كل مرحلة دراسية من عمرك ذلك الطالب الذي يعرف مسبقاً الجواب ويكمل جُمل الأستاذ ويزعج الطلاب لأنّه مثقف ويعرف أكثر منهم، يستعجل في أسئلة سيتطرق لها معلّمه في نهاية الحصة أو في درس لاحق ويريد أن يعرف أكثر من الآخرين. حسناً لقد كنت أنا في كثير من الأحيان ذلك الطالب، وكانت هذه من أكبر المعضلات التي واجهتها في الجامعة.

عندما قررت دخول تخصص التصميم عموماً كان عليّ أن أعرف أنّه لايوجد إجابات محددة أو توقعات مسبقة للنتائج، عليك أن تحاول وتجرّب وتحاول وتجرّب وتحاول ... وربّما تُضطر في وقت قريب من النهاية أن تبدأ من الصفر. ليس هناك منهج وامتحان، هناك العديد من العمل، وساعات طويلة جداً من البحث والتفكير.
في السنتين الأولى لدراستي وعلى الرغم من أنني تخصصت لاحقاً في تصميم الجرافيك إلاً أنني درست التصميم الداخلي وصدّق أو لا تصدق صممت شاليه في السنة الأولى ومطعم مطلّ على البحر في السنة الثانية!
كانت سنوات تحدّي أمام نفسي قبل الآخرين، وكان من الصعب عليّ أن أتقبّل معظم الوضع. لازلت أذكر المرة الأولى عندما قمت بتسليم الأفكار الأولية لمشروع المطعم، كنت أرتجف خوفاً "ولست أبالغ”، قدمت خمس أفكار “رسومات بالأصح” رُفض ٤ منها وكُتب على الخامسة “يطلع منها” كنت في غاية انفعالي لأنّ أفكاري وصفت بالابتذال والتكرار على الرغم من أنّني قمت ببحث جيّد، لكنّ مواجهة الدكتورة كان آخر ما أفكّر فيه في ذلك الوقت.
مرّت تلك السنة بصورة عجيبة وأتحدث هنا عن السنة الثانية، ابتدأت بشخابيط على ورق وانتهت بتصميم طُبع على خمس أمتار وحصل على ٩٦ درجة ولوحة الخط العربي التي تم اهداؤها بعد ثلاث سنوات لأمير المنطقة الشرقية وعُلقّت نسختين منها في أروقة الجامعة و شاركت في أكثر من معرض، وعلاقة جيّدة بل ممتازة مع من درّسني في تلك السنة. 

دراسة التصميم إجمالاً تتطلب منك الصبر وعدم استعجال النتائج، تعلّم أن تتقبل النقد وتستوعب منه ما يجعلك تتقدم بالمشروع نحو الأفضل، لا تنظر لأعمال غيرك كي تقلل من قيمة ماتعمل ولا تستخفّ  بانتاجك أيّاً كان ولا تسمح لأحد بأن يقلل من قيمته. ربّما تُخفق في البداية لكن عليك أن تُعلّم نفسك بالطريقة الأصعب ربّما أن تثق بسير العملية ككلّ. ومن يعلم ربّما ينتهي ما تظنّه اخفاقاً بنجاح تتذكرّه طوال عمرك!

بعد التخصص كانت الأمور لا تزال على هذا النحو، الانتقاد مزعج ورفض الأفكار يجعلك في مرحلة خطر، خصوصاً أنّ هناك من تُقبل أفكاره من المرّة الأولى، لكنني تعلّمت ألاّ أنظر إلى أفكار الآخرين وأتعمق بها إلا بعد أن “أرسى على بر” وإلاّ فسأصاب بالاحباط. في نفس الوقت عليك أن تعرف إلى أين وصل الجميع حتى تتأكد أنّك تسير على الطريق الصحيح ولست متأخراً.

عندما يصلك اسم المشروع وتأخذ “البريف” عليك أولاً أن تبحث وتتعمق في البحث. البحث الجيّد هو المولّد الحقيقي للأفكار، لا تبدأ بتصفّح بيهانس أو بنترست من البداية، ابدأ أولاً بالفكرة ثم فكّر في تطبيق مبتكر لما توصلت له وبعد ذلك تصفّح ما يمكن أن يلهمك. وحقيقة بعد كلّ ما رأيت في الخمس سنوات الماضية، الأفكار القويّة تأتي من الإلهام الملموس الذي لا تجده في شاشة جهازك.

إذا كنت قد دخلت مجال التصميم ولا زلت في البداية، هنيئاً لك! ستتعلّم الكثير وستكون دروس حياة أكثر من مجرّد خبرة عمل، وصدّقني ستخرج بشخصيّة أكثر نضجاً. وإذا كنت لا زلت في عُمر أصغر وتفكّر في التصميم كمجال، فضع بعض الأمور في اعتبارك وأولها أنّه لا يشبه أيّ من التخصصات الأخرى، ومهما قيل لك عنه فستختلف تجربتك فيه بناءً على شخصيتك وكيفية تعاملك مع الأمور.


إذا كانت لديك بعض الأسئلة عن التخصص أو أي اقتراحات عن مواضييع تخص الجرافيك وتودّ مني طرحها، أرحب بها على البريد الإلكتروني

Feature Post