الأحد، 26 مارس 2017

نقاشات مطلوبة خارج النص

وعدت كثيراً خلال الفترة الماضية أن أكتب مدونة جديدة ولم أفعل، لم أبالغ في جلد الذات على هذا التأخير لأنني أعرف أنني لم أملك وقتي ولكنني أعتقد أن القراء يستحقون اعتذراً لكثرة الوعود الغير منجزة.
أكثر مااستمتعت به خلال دراستي للماجستير التي قاربت على الانتهاء،  المحاضرات المسائية التي عادة ماتكون باستضافة خارجية. الشخصيات تختلف من خريجين سابقين يتحدثون عن أعمالهم الخاصة التي بدؤوها بعد التخرج، مدراء وباحثين في شركات مهمة في السوق الأوروبية، مصممين بارزين في تصميم تجارب المستخدمين، المتاحف والمعارض، باحثين دكتوراة يتحدثون عن رسالة بحثهم والأساليب التي ابتكروها، وأخيراً بين الحين والآخر عميد الجامعة متحدثاً عن موضوع مرتبط بالوقت الراهن. 

عادة عندما تستضاف شخصية للتحدث عن موضوع ما، إما أن تطرح أعمالها المرتبطة بالموضوع، أو تتحدث عن شخصيتها المميزة في التعامل مع الأمر، في النهاية تم طلبها لسبب ولابد أنه مرتبط بأحد الأمرين.
عندما تم الإعلان عن المحاضرة مع عميد الجامعة للمرة الأولى ظننت أنه سيتحدث ضمن التوقعات، وكنت متحمسة للقاء الشخصية التي استطاعت الوصول لأعلى السلم الأكاديمي بصيت ممتاز بين كل من عرفت، لم يتحدث عن نفسه ولا عن أعماله وفاجئني عندما تحدث عن مقالة كتبها لأحد الصحف المعروفة في المنطقة حول تنصيب ترمب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. منذ بداية حديثه علق بأنه اعتقد أنه لايوجد مايمكن له أن يضيفه على كل ماقيل في الإعلام من المحللين السياسين وغيرهم ولكنه حاول قراءة الموضوع من خلفية معمارية بحكم دراسته واهتمامه. 


لن أنقل لكم حرفياً ماقيل في المحاضرة ولكنه تحدث عن الوضع السياسي من وجهة نظر معمارية، تفهم المجتمع والبنية الإجتماعية وتصمم طبقاً للحاجات والأشخاص بمختلف متطلباتهم. بحثت فيما بعد ووجدت له العديد من المقالات التي تؤكد على دور المعمارين في المجتمع أعتقد أنها تستحق القراءة أرفقت رابط لها في نهاية التدوينة. 
كان واثقاً وصريحاً في موقفه وسأل من من الطلاب يخالفه الرأي أو يعتمد وجهة نظر مضادة وهو مااعتقدت أن فيه الكثير من الجرأة خصوصاً أنه يتحدث لطلاب قدموا من شرق الأرض وغربها بخلفيات واعتقادات لايمكن التنبؤ بها. 
طرح سؤالاً هو ماأود حقيقة أن أناقشه هنا معكم، هل من واجب الأكاديمين مناقشة هذه المواضييع داخل أسوار الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة؟ 


ربما يكون موضوع ترمب موضوعاً من السهل أن تبدي اعتراضك عليه لكثرة المعارضين الموجودين وكونه حدث تكلم فيه الجميع من مختلف الخبرات، لكن قبل أن تتخذ جواباً فكر معي ماذا لو كان موضوعاً مختلفاً، شيء مما نواجهه في الحياة الإجتماعية المتعلقة بنا كأفراد شخصياً، موضوع يتعلق بترند أو حدث يشغل الرأي العام عموماً. لدي خبرة متواضعة جداً في التعليم، ولكنني أذكر بوضوح عندما كنا في أحد المحاضرات نناقش موضوع المرأة وكيف يراها المجتمع وبالتالي كيف نقوم بتمثيلها في التصميم الإعلاني أو الدعائي أياً كان نوعه. اشتد النقاش وتحول الموضوع لمنحى مختلف عما بدأ به، ولم يجد صدى مرحباً به أبداً بل كان هناك اعتراضات على طريقة الطرح والتدريس وأن مواضييع ممثالة يجب ألا تطرح داخل فصل الدراسة لأنها ببساطة خارج النص!

شخصياً لاأتفق مع هذا الأمر البتة وأعتقد بشدة أن من واجب الأكاديمين أن يشجعوا الطلاب ليكونوا مرآة للمجتمع، والمواضييع التي تثير الجدل هي أولى بصقل الفكر تجاهها وإثارة النقاش بدل أن يتم ذلك مع العامة أو في الخفاء.
تطبيق التخصص يمكن أن يأخذ اتجاهين كلاهما صحيح، إما أن يفهم التطبيق من منظور ممارسة للمهارات الإدارية، الفنية، التكنولوجية التي اكتسبها المتخصص أثناء دراسته وهو ماينجح فيه الغالبية، وإما أن يأخذ منحى المفكر، الإجتماعي، القائد الذي يخدم مجتمعه ليس فقط بمهاراته التقنية ولكن والأهم من ذلك بنشاطه الفكري المنعكس على مايهم المجتمع.


الدراسة الجامعية مرحلة مصيرية في حياة الإنسان تصقل فيها شخصيته وينتقل من مراهق لشخص ذو رأي وخبرة ينطلق بعدها للعمل في المؤسسات المختلفة، ويقضي فيها وقتاً لايجب أن يحصر في التخصص معزولاً عن الحياة. 
أعتقد أن أحد الأمور التي تتسبب في المشكلات في مجال العمل فيما بعد أياً كان سواء في العمارة أو الإدارة أو التصميم أو الحاسب أو غيرها هي أن كل تخصص يشيد بقوته لوحده وكأنه غير مرتبط بعوامل أخرى اجتماعية، سياسية، اقتصادية أو غيرها تؤثر على تقدمه، انجازاته وطريقة تدريسه.
من الأمثلة التي توضح بشدة هذه النقطة مانشرته أحد المجلات المعتمدة كمرجع للتصميم المعماري بأن سنة ٢٠١٦ كانت أفضل سنة للمعمارين في العالم وأرفقت صوراً لأفكار وأبنية فائزة بجوائز العام. لو أخذنا هذه السنة من جميع النواحي باستثناء العمارة لوجدناها سنة ضغط وحروب وأزمات اقتصادية وسياسية وغيرها فهل يعني هذا أن العمارة منفصلة عن جميع هذه الأبعاد؟ هل يعيش كل تخصص بصورة مستقلة في هذا العالم دون أن يرتبط بعوامل أخرى لاتشبهه في المسمى أو المصطلحات ولكنها تؤثر على سكان العالم بشكل عام، هل كونك متخصص يعني أنك تملك شخصيتين، واحدة للعمل وأخرى تربطها بالحياة؟ 

الجامعة هي الأساس لبداية مثل هذه النقاشات وربما لسنا مؤهلين بعد لطرحها الآن بشفافية أو تقبّلها لأننا لم نعتد على هذا النمط من المواضييع والطرح، ولكن يجب أن نبدأ! لايعني ذلك أن نأخذ كل موضوع لداخل الصف ولكن كل مايتعلق بالحياة الإجتماعية يمكن أن يُنظر له من منظور متعلق بالتخصص ويمكن أن يناقش بطريقة علمية مهنية دون أن يكون في طرحه تحيز أو عنصرية أو تعصب حتى يخرج الطالب قادراً على التعبير عن نفسه بطريقة موضوعية ويتعلم أن العالم أوسع بكثير من مصطلحات علمية متخصصة تثبت ذكائه وتؤهله لسوق العمل. لايهم أن يُحسم الجواب في الفصل وليست من وظيفة المعلم أن يكون مفتياً في كل مجال ولكن المهم أن تبدأ بالحديث في مكان مهيء للرأي والرأي الآخر حتى تتعلم مهارات الحوار والطرح التي حتماً ستحتاجها فيما بعد كجزء فاعل من مجتمعك. 



هناك تعليقان (2):

Feature Post