الاثنين، 15 فبراير 2016

طفح الكيل

مؤسف جداً أن كثرة الأخبار السيئة والوفيّات من حولنا رفعت سقف الحزن لدينا، فمقتل أحدهم لم يعد فاجعة ننعى أصحابها وإنما أصبح شيئاً من بعض الروتين. هذا التحديث في برامج المشاعر لدينا انعكس على أسلوبنا في التعاطف مع الآخرين في تعاملاتنا اليومية وليس فقط مع أخبار العالم البعيد.. 
لماذا يجب أن يقيّم العالم ماأعتقد أنه كارثة ليرقى لدرجة الحزن المستحق في نظرهم؟ لماذا نحتاج لاستدراج التعاطف من الآخرين حتى لا نصنف ضمن فئة الدراما كوين؟! 

فن المواساة 

عندما يُخبرك شخص بظرف ألمّ به تعلّم كيف تواسيه، ليس بالتصغير ولابالتهويل ولكن لكل موقف فنّ وأسلوب يتطلبه! كلنا تنعقد ألستنا وكل منّا مرّ بنسيان حصيلة القاموس اللغوي لديه عند وصف شيء أثر فيه كثيراً! هل يعني ذلك بأننا لانحس أو لانقدّر؟ لماذا نلجأ للابتذال في التعبير كي نوصل إحساسانا العميق بالأسى؟ لماذا نلجأ لقياس الكوارث على أنفسنا بدل من تقبّلها كما هي بدرجة تحمّل أصحابها؟ أم أنّها طريقتنا الوحيدة للإحساس بالآخر؟ 
عندما يعبّر لك أحدهم: "كانت فترة عصيبة" لماذا يجب أن يعقّب بسرد كل التفاصيل التي يحاول نسيانها حتى تفهم مايعنيه؟ ألا يكفي أن تعرف أنه بخير الآن وأنه فعلاً لم يكن في وضع يُحسد عليه؟ وبعد استماعك لسرد التفاصيل يجب عليك بالطبع تصفيتها وتقييمها بحسب خبرتك: حزين، حزين جداً، مأساوي أو مبالغ فيه! 
تختلف قدرة الأشخاص على التحمّل ومرور شخص بما لايرقى لحزنك لايعني أنه أقل ألماً أو أكثر دلعاً وأنّ الخبرة تنقصه في الحياة؟ من قال لك بأنّه يطمح لخبرة أكثر مع الحزن من الأساس؟ هل يجب أن يمرّ بهوائل الكوارث وأن يصيبه شيءٌ نادر ليستدعي شفقتك؟

يصاب زميلك بالزكام فيأخذ أسبوع إجازة، وتصاب أنت بنفس المرض فتذهب لعملك دون عناء، هل يعني ذلك أنّ قدرتك على احتمال المرض أكثر؟ هل يعني أنه ممثل بارع؟ لماذا يجب أن يكون له معنىً من الأساس! ومن له الحق في التصنيف وتقسيم الناس؟ 

ديننا خير دليل 

كنتُ أأمل أن تكون التربية الإسلامية أو ماتبقى منها في أذهاننا قد حفرت فينا "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى" أتعرف معنى ذلك؟ لكن للأسف نسي بعضنا الأصل واتجه لكلام فلان وعلان في تويتر وغيره ليعيد تصنيف الأحداث والأشخاص في عقله ويقرر بناءً على تحليله الشخصي من يحتاج عذره ومن يستحق أن يعزل ويصنف ضمن المغضوب عليهم الغير معذورين. أصبح من يلتمس العذر فينا حكيم وأصبح من يفكّر في الآخرين وحاجاتهم يستحق التكريم، أصبح من السهل جداً علينا أن نصنف الأشخاص ونطلق عليهم الألقاب وندعّي مالانعلم ونفتي بمالانعرف دون خوف أو قلق بل بطريقة تلقائية لاتحتاج منّا أدنى جهد في إعادة النظر. يجب أن نكون حاضرين، متفاعلين مع كل مايحصل في الساحة؟ وكيف لا! قد يحتضر العالم إن لم يسمع منّا مانعتقده صواباً. 

قليل من الرحمة لن يضر 

هذا العالم صعب جداً، مُرهق جداً، يتطلب منك تفسير تصرفاتك، حضورك، غيابك، طريقتك في الكلام، تفاعلك وكيف تتفاعل، طعامك وماذا تتناول بل حتى أفكارك وكيف تجرؤ على التفكير بها! لماذا لا نستطيع العيش بسلام داخل علاقاتنا؟ هل الحرب فقط هي الصواريخ والقتل أو التشريد؟ لم لا ننبذ الحرب التي بدأناها بأنفسنا على أنفسنا أولاً؟ ألا يتسحق ذلك القليل من الاستثمار؟

x

Feature Post