السبت، 14 أكتوبر 2017

شخصيات لن تجدها في الكتب

لاأعتقد أنني كنت يوماً بهذا القرب من أحدهم، يفهمني من نظرة ولاأضطر للتصنع حوله، في اجتماعاتنا نكون الفريق الذي يملك رؤى تكمل بعضها وييأس الباقون من مجاراته وبالرغم أنني لاأذكر تفاصيل طفولتي بجانبها إلاأنني وخلال فترة الغربة لم أكن أقرب من أي شخص سواها؛ جدتي.
جدتي، أو كما أناديها أمي، شخصية استثنائية ، ابتداءً من اسمها: نجمة انتهاءً بحضورها الذي لاتملك تجاهله، رزانتها في الحديث ومراعاتها للأصول والتقاليد تبهرني دائماً ورغم الحياة الصعبة التي مرت بها ورغم أنها لم تتمكن من إكمال تعليمها إلا أنها متقنة للقراءة والكتابة وتتحدث الإنجليزية وتعرف كيف تستخدم التكنولوجيا وتتواصل دائماً معنا على الواتس أب والانستقرام والسناب. 
تفاجئني دائماً بقراءتها للأمور والطريقة التي تتحدث بها عن مجريات الحياة، ليست من الشخصيات القوية التي تفرض رأيها لكنك ستجد نفسك مصغياً لها عندما تتحدث.
استحضارها للماضي يأتي دائماً مع شيء من الحنين والشوق للصبا بطريقة مشوقة والمستقبل بالنسبة لها محفوف بطلب المغفرة والعفو من الله وقلب راضي عما قُدّر له. 
لا أستطيع الحديث بما فيه الكفاية عن امتناني لوجودها في حياتي بهذا القرب ورغم أننا من جيلين مختلفين تماماً إلا أنها من أقرب الشخصيات لقلبي ومجلسها من أحب المجالس وأكثرها لطافة وخفة. 

أجزم أنّ في كل عائلة شخصية استثنائية لن تتكرر يرقب حضورها الصغار قبل الكبار وعلى قدر من الثقافة والمسؤولية التي يتطلع إليها باقي أفراد العائلة. المشكلة أن هذه الشخصيات في الغالب ليست من محبين الأضواء والشهرة أو “المؤثرين” المنتشرين في واقعنا الإفتراضي أكثر من "…" لن تقرأ عنهم السير، لن تجدهم في المقالات أو في المقابلات لكنك حتماً ستتعلم منهم ومن قصصهم مالن تتعلمه في عشرات بل مئات مما سبق ذكره. 
وبعيداً عن الكلمات الكبيرة والجمل المنمقة وبعيداً عما يصلح للتوثيق والتصوير، بعيداً عن القوالب التي وضعناها لأنفسنا كمعنى للنجاح ومايستحق الاحتفاء... 
فكّر في أحد هؤلاء المؤثرين الحقيقين في حياتك، أمعن النظر وابحث عن البسطاء، تحدث معهم، تذكر الماضي شاركهم مخاوف المستقبل وكلي ثقة أن ساعة من هذا النوع ستثريك فكرياً وستشحن طاقتك المعنوية أكثر بكثير ممن تستمع لهم من خلف الشاشة. 

اللهم احفظ لي جدتي وجميع أهلي من كل شر ومتعها بالصحة والعافية ❤



للتواصل والإستفسارات على الإيميل

لطلبات التصميم على الإنستقرام 

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

رحلة الماجستير: أمثلة ومشاريع


لفترة طويلة وأنا أبحث عن تعريف مختصر أو شرح مبسط لما درسته في الماجستير، شيء يمكنني التحدث به عندما يسألني أحدهم عما يعنيه تخصص تصميم البيئات الروائية MA Narrative Environments ومالذي قضيت به عامين في لندن. يمكنني أن أقول أنه تخصص يعنى بالمعارض والمتاحف من دراسة الحاجة لها، فهم المستخدمين والزوار ودراسة احتياجهم ورغباتهم، اختيار المكان وتحليل عناصره، بناء القصة المناسبة ثم إيجاد عناصر التصميم  واختبارها للوصول للنتيجة المطلوبة وأخيراً تصميمها بشكل كامل. لكن مجالات تطبيقه أوسع من المتاحف فقط ويمكن أن تتضمن أي خدمة أو فكرة تجارية كانت أو اجتماعية أو فنية بحتة وحيث أنه يهتم بالبحث والتحليل وفهم المستخدمين كثيراً فالتصميم يمثل جزء منه فقط يمكن أن يستعان فيه بالمختصين بحسب المشروع. 

هذه الرحلة تتضمن العديد من المحطات التي يكون التصميم أحدها وليس جلها، لكنني أعتقد أن هذا الكلام يعتبر عام ومن الصعب فهمه دون أمثلة واضحة وتماماً مثل كل التخصصات التي لا تنتهي بلقب مهندس أو طبيب يصعب على أصحابها تفسيرها لغيرهم. لذا وبدلاً من العيش وحيدة في فقاعة “لاأحد يفهم مادرست” سأشارككم بعضاً من المشاريع التي طبقناها باستخدام هذا المفهوم وسأذكر في تدوينات أخرى بعض المشاريع العالمية التي يمكن أن نصنفها ضمن البيئة الروائية. 

مشروع معهد/معرض الفيزياء Institue of physics IOP 
كانت لنا الفرصة في هذا المشروع للعمل مع عميل حقيقي حيث حظينا بعدد من اللقاءات مع أشخاص من مجلس الإدارة وفريق التصميم المسؤول عن المعهد. المشكلة كانت أن المعهد سينتقل قريباً إلى موقع جديد ويرغب في توسعة نشاطاته ليستفيد منها العامة من مختلف الأعمار بالإضافة لذلك عليه أن يقنع عملاءه الحاليين بأنهم لايزالون الأهم بالنسبة له ويقنع أيضاً المستثمرين بأن أموالهم ليست مهدرة في هذه النقلة. 
كان هناك العديد من stakeholders أو المستفيدين الذين يهتم لهم المعهد وكان علينا كفريق تصميم أن نفهم أولوية كل منهم على حدا وأن نبتكر مقترح يرضي جميع الأطراف إلى حد معقول.
 توضيح بشكل بسيط كيف ينظر كل مستفيد للفيزياء بشكل عام. 

التصميم النهائي للمعهد الجديد في فترة لقاءنا بالعميل كان لايزال في مرحلة الموافقة وكان توقيت مقترحنا ممتاز حيث عمل كتوصية لكيفية التنفيذ من وجهة نظر لن يهتم لها المهندس المعماري أو مسؤول الإنشاء بالضرورة لأنه سيأخذها بمنظور عملي جداً ولأنها تتطلب جهد مضاعف للوصول للمستفيدين الحقيقين للمعهد. 
ركزنا على جزء المعرض من المعهد كمثال لمانوصي به وقمنا بوضع استراتيجية لما يمكن أن يعرض داخل هذه المساحة وكيف له أن يخاطب الفيزيائيين، المستثمرين، وعامة الناس المهتمين بالفيزياء أو الذين يصدف أنهم مروا بالمعهد بدافع الفضول. كان المثال الذي عرضناه يتحدث عن مفهوم الكون والمجرات واستخدمناه كأداة لتبسيط الفكرة للعميل. لاأستطيع عرض كامل المشروع ولكنني سأعرض لكم بعض الصور التي عملت عليها مع الفريق. 
الرسم يوضح تحليلنا للمستفيدين احتياج كل منهم. 




تركيزنا كان على فهم المستخدمين وماهية احتياجاتهم وطبيعة توقعاتهم ونقاط التقائهم بالمعهد. كانت هذه المعلومات بين توقعات وبين ماأخبرنا به العميل ومااستطعنا الوصول له من خلال تواصلنا المباشر مع المستفيدين. عملنا أيضاً على حساب الفترة الزمنية التي سيقضيها كل من المستفيدين الثلاثة وفترات ترددهم على المعهد وأسبابها. وبينما يأتي الفيزيائي للبحث أو استلام جائزة أو حضور ندوة، يكون اهتمام الطالب على المكتبة والعائلة على تبسيط العلوم والمستثمر على حضور اجتماع شهري أو ربع سنوي. 

الصورة التالية لأحد مراحل التفكير في تصميم المعرض وطريقة ربط المحتوى المعروض بالمشاعر المطلوبة وعلاقتها بمكان عرضها والوقت اللازم للزائر كي يطلع عليها أو يصل لها. ربما لاتعنيك النتيجة النهائية عزيزي القارئ ولكن طريق الوصول إليها هو مغامرة بها العديد من الغير متوقع، فجزء كبير من هذا المشروع كان عبارة عن رسائل ومكالمات واجتماعات وتواصل مستمر مع أكثر من جهة. ولأن الفريق كان مكوناً من مصممين فقط، كنا ننتظر بفارغ الصبر لحظة الوصول لمرحلة التصميم ولم يكن من السهل علينا أن نعلب دور (البحث- التحليل- التنسيق مع العميل- الإشراف والإدارة) دون الحصول على نتائج بصرية قوية مماشكل ضغطاً كبيراً على نفسية الفريق. 
تتبع حركة المستخدمين: نموذج أولي للفكرة
mapping user experince first draft




من الأمور التي أحببتها في هذا المشروع هو تواصلنا المباشر مع العميل، كان العرض النهائي هو اللحظة الحاسمة لما فعلناه خلال الشهر والنصف الماضيين وكان التوتر في أوجه، أذكر بكل وضوح ذلك اليوم، كان على جميع الطلاب عرض أعمالهم وكانت مجموعتنا هي الأخيرة، تخيل معي كمية الارتباك في الإنتظار من العاشرة صباحاً وحتى الخامسة وسماع باقي عروض الطلاب والتعليقات عليها. بدأنا أخيراً وقمنا بعرض أفكارنا بطريقة سلسة ورغم الإرتباك الواضح وصلنا للنهاية دون أخطاء تذكر وكانت ردة فعل العميل مبهرة لدرجة أنه قرر مكافأتنا مالياً على مافعلناه.
الحقيقة أننا كنّا في غاية الذكاء حين قررنا جعل العرض جزء من الفكرة ككل بحيث لم نفصل بين مااقترحناه وبين كيفية إيصاله، لم نكتف بالرسومات التوضيحية بل قمنا بإحضار بعض المعدات المجهزة وتجربة بعض الأفكار بجعل العميل وبقية الطلاب جزء منها. ورغم بساطتها، إلا أنّ هذه اللفتة التفاعلية جعلت المقترح أكثر واقعية وتأثيراً.

مشروع معهد الفيزياء كان يحمل العديد من التقلبات كونه المشروع الأول خلال بداية الدراسة، كنا لانزال في بداية الطريق وكل شيء كان جديداً وأعتقد أن تركيزنا على فهم بعضنا وتوطيد علاقتنا من خلال إدراج المحادثات الشخصية والتطرق لأمورغير العمل ساعدنا في فهم أعضاء الفريق أكثر وبناء على ذلك توزيع العمل بطريقة منظمة وخلق جو محبب للإنجاز. ربما لايعني هذا الكثير، لكنّ العديد من التجارب الثرية والجديدة تعتمد بناء علاقات إنسانية جديدة وفي كل مرة تعتقد أنك ناضج بما فيه الكفاية للتعامل مع الإنسان تكتشف أنك تعود للمربع الأول وتعيد حساباتك من جديد.  



للإطلاع على بعض من نتائج المشروع النهائية mariamstudio

للتواصل والإستفسارات على الإيميل
لطلبات التصميم على الإنستقرام 

Feature Post