السبت، 9 مايو 2020

تصميم تجربة المستخدم User Experience Design

تصميم الجرافيك أكاديمياً بصورة جديدة - الجزء الأول

عندما أتحدث مع الأشخاص من حولي عن التخصص الذي أدرسه في الجامعة أجد العديد من الأفكار القديمة والمغلوطة أحياناً التي لازالت مترسخة في الأذهان حول طبيعة التخصص والتي تغيرت بشكل جذري في السنوات الأخيرة.
بفضل الله كنت أحد المشاركات في هذا التغيير ولازلت أؤمن بقوة التخصص وقدرته المرنة على التغيير والمساهمة في مجالات العمل المتغيرة. لذا سأتحدث في مقالين عن مثالين لمواد جديدة أضيفت للمنهج مؤخراً قمتُ بتأسيسها وتدريسها لسنتين حتى الآن والتي أتمنى أن تضيف لما هو معروف لديكم عن تصميم الجرافيك ومجاله في سوق العمل 

تصميم تجربة المستخدم User Experience Design  

أحد المواد النظرية الجديدة المضافة لمنهج الجرافيك والتي تدرس علاقة المستفيدين بالتصميم تدرس لطالبات السنة الثالثة. ولعل أكثر سؤال أواجهه من قبل طالبات هذه المادة هو عن علاقتها بالتخصص حيث يعتقد الكثير أنها مفيدة فقط في تصميم الويب أو تطبيقات الجوال لكننا ندرسها من نواحي متعددة تشمل هذه التطبيقات ولا تقتصر عليها. في أولى المحاضرات نتحدث عن مفهوم العلامة التجارية والعمل التجاري والمستخدم، فهم هذه الثلاثية بالإضافة لسياق النظام الاستهلاكي الذي يقوم عليه الاقتصاد هو أساس تصميم تجربة المستخدم. نتطرق بعدها لعدد من الطرق لبحث سلوك المستخدمين ومن ضمنها البحث الإجتماعي والبحث التفاعلي social and action research ونأخذ على ذلك أمثلة بتطبيقات متنوعة ونناقش مالذي يرغب به الأشخاص ومالذي يسهل اقتناعهم بفكرة ما أو تفضيل فكرة دون الأخرى. 
من أجمل الأمثلة التي نتحدث عنها هو متجر أبل التنكري إن صح التعبير وهي تجربة قام بها فريق مختص بالبحث الاجتماعي حيث استغل وجود إصلاحات في فرع متجر أبل في نيويورك وقام بتقمص  شخصية أبل التجارية من شكل واجهة محلها إلى شعارها إلى لغة موظفينها إلى طريقتها في جذب الناس ورغم أن التجربة حدثت في مصعد أمام أحد محطات الأنفاق إلا أن الجمهور صدقها وتقبلها في النهاية دون تذمر رغم أنها غير حقيقية.
هذه المقدمة الملهمة التي نتعرف فيها على سلوك المستخدمين بالإضافة لعدد من النشاطات التي نقوم بها مثل مشاهدة فلم المؤسس The founder وتحليل تجربة المستخدم في مطبخ ماكدونالدز وكتابة بعض التقارير التي نتناول فيها فهم العلامات التجارية المحلية وتفعيلها لمثل هذه المفاهيم. كل هذه المعلومات تقودنا لمعرفة كيف نصمم للمستخدمين وبأبسط الكلمات يتم ذلك بتطبيق مفهوم التعاطف Empathy فحتى أكبر الشركات البحثية في المستقبل مثل ام آي تي MIT تستخدم هذا الأسلوب في فهم مستخدمين المستقبل وهو تماماً ماقامت به في تجربتها البحثية لتطوير المدن لفئة كبار السن.  

المشروع النهائي 

سأتحدث عن المشروع النهائي الذي يلخص مانتعلمه في هذه المادة بطريقة بصرية توضح التطبيق
بعد الحديث عن كل النظريات ودراسة بعض الأمثلة المحلية يأتي المشروع النهائي لينقل الطلاب إلى المستقبل ومايحمله لنا من فرضيات. أطلقت على المشروع اسم: التصميم للمستخدم المستقبلي: مستخدم اكس.
ماهو روتين المستخدم في المستقبل؟ كيف تبدو حياته واهتماماته؟ كيف هو شكل العالم في ذلك الوقت ومالذي يعنيه ذلك بالنسبة للعلامات التجارية؟ وقد وجهت الطالبات لاستغلال الأوضاع الحالية مع كورونا وقراءة المقالات العديدة التي انتشرت مؤخراً عن مستقبل النمط الإستهلاكي للفرد وطبيعة الخدمات المتغيرة بسبب هذه الأزمة في أبحاثهم

يبدأ المشروع بالبحث عن المقالات والدراسات التي تناقش احتمالات المستقبل من تقنيات جديدة واختراعات أو شكل المدن أو سلوكيات يتنبأ بها ثم نأخذ هذه التقنية ونبني عليها سيناريو مستقبلي لشكل مستخدمها. وقد لاحظت تركيز واهتمام أغلب الطالبات على فكرة المستقبل الذي يصبح فيه الواقع الافتراضي والواقع المعزز شيئاً بديهياً يشبه استخدامنا الحالي للإنترنت. بعد ذلك تؤخذ الفكرة وتطبق عليها الوسائل المختلفة التي تعلمناها مثل تصميم شخصيات المستخدمين Personas Design واستخدام المصفوفة التفاعلية لرصد تسلسل التجربة واحتياج المستخدم Touchpoint Matrix وأيضا توقع الحالة النفسية أثناء التجربة Empathy maps وغيرها من وسائل تجربة المستخدم العملية حتى تتشكل الفكرة بقالب واقعي. أجمل جزئية في هذا البحث هو توسيع مدارك طلاب التخصص لعوالم مختلفة قد تكون مثالية أو غاية في السوء وإعطاؤهم فرصة لتشكيل هذا العالم على هيئة خدمة أو منتج يقدمونه للمستخدم المستقبلي وفي نفس الوقت وضعها بشكل واقعي يربطهم بالتطبيق العملي لمثل هذه المفاهيم. ينتهي البحث بعرض التجربة المقترحة للمنتج أو الخدمة من خلال عرض رحلة المستخدم وبعض اللقطات من تفاعله مع الفكرة.
نموذج لتجربة المستخدم من عمل الطالبتين ديمة العريفي ولجين الجهني

نموذج لتجربة المستخدم من عمل الطالبتين شيماء الحمدان وغدير فقيهي

نموذج لتجربة المستخدم من عمل الطالبتين نرجس السكيري ومجد الدوسري

البعد المستقبلي 

يبدو هذا مختلفاً عن السائد لكن بينما يعتقد الكثير أن وظيفة المتخصص في التصميم الجرافيكي تقتصر على الجماليات والتنسيق أو الرسم، فهي تتعدى ذلك وتأسسه لفهم المستفيدين من هذه التصاميم حتى يعمل على تلبية احتياجهم وإيصال المعلومات لهم بلغة وشكل واضحين والذي يقودنا بالتالي لتحقيق الهدف الأكبر من التصميم وهو التواصل الفعال بين الفكرة والمستخدم بالشكل الصحيح.
تعلم مثل هذه المهارات المرتبطة بإدراك المفاهيم والنظريات الشاملة ينقلك لبعد آخر في تجربة التعليم حيث يربطك مع العلوم الأخرى وتتعلم منه كيف تبحث وتبني الفكرة بشكل قوي قادر على التنبؤ بالمشاكل التي قد يواجهها المستخدم وتقديم خيارات للحلول المتاحة لها بحيث تحتوي المشكلة حال وقوعها بأقل الأضرار. مثل هذا النمط في التفكير يتعدى تصميم الجرافيك ليشمل كل أفكار المنتجات والخدمات المطروحة في سوق العمل وكثير من النشاطات الأخرى سواء التعليمية أو الطبية التي يقوم أساسها على العلاقة بين مقدم الخدمة ومستخدمها. دراستي لهذه المادة في مرحلة الماجستير وتدريسي لها لاحقاً أضاف لي الكثير شخصياً وفي كل مرة يفاجئني بتطور الأمثلة في هذا المجال والإضافات لتطبيقاته المختلفة التي أتمنى أن أجد عليها وفرة في الأمثلة المحلية. أشعر بالسعادة عندما أتحدث عن هذه الأفكار الجديدة ومازلت أذكر كم تمنيت أن أعرف عنها أكثر وأنا في مرحلة التخصص لكن الحمدلله أن العلم ليس له وقت محدود والحمدلله أنني أرى اليوم ما كنت أتمناه لنفسي يتحقق لطالباتي 

الخميس، 9 أبريل 2020

معلم قيد التعلّم: وظيفة غير قابلة للتصوير

منذ القدم انتشرت تخصصات الطب والهندسة بسبب إيمان الأهالي بقيمتها ودفعهم أبناءهم الإلتحاق بها لما لها من أثر واضح ملموس اجتماعياً و على الصعيد المهني. اليوم وأنا أقلب صفحات التواصل الإجتماعي وأقرأ في المعرفات التي أمر عليها غالباً بالصدفة أجد تنوعاً هائلاً في المسارات الوظيفية على الرغم من أن التخصصات السابقة لاتزال تحمل نفس القيمة لكنها لم تعد الوحيدة على الأقل. 
هذا التنوع الحاصل بسبب الإنفتاح الرقمي الذي دعانا لإستحداث مسميات وظيفية لم تكن يوماً بالحسبان وثورة وسائل التواصل الإجتماعي التي أثبتت جدارتها في مجال الأعمال فرضت على الجميع الإستعانة بالمختصين - غالباً لاعلاقة لإختصاصهم بالشهادات التي يحملونها - وغيرهم من المؤثرين في هذه المواقع لأخذ المشورة أو زيادة الأرباح بطريقة أو بأخرى. 


المكانة الإجتماعية في زمن المتابعين 


يدور هذا الموضوع ببالي منذ فترة ومع الأوضاع الحالية التي نعيشها بسبب فيروس كورونا الجديد أصبح واضحاً جداً بالنسبة لي تأثير وسائل التواصل الإجتماعي ليس فقط علينا كأفراد بس على مستقبل الوظائف التي قد يرغب الجيل الأصغر بالإلتحاق بها مستقبلاً، وهنا أسأل ماذا لو لم تكن وظيفتي قابلة للتصوير؟
هل يؤثر هذا على مكانة الوظيفة نفسها وإحساس الشخص بالراحة والإنجاز؟ إلم تتح الوظيفة التي يقضي الشخص فيها معدل ٦ ساعات يومياً محتوى للنشر في وسائل التواصل ولم تعكس كونه شخص محبوب وناجح في وسطه أو تبين لنا مدى ذكائه وتميزه مهنياً إلم توفر له لقطات قابلة للتصوير بدءاً من استخدامه للمصعد أو شربه لقهوته أو حديثه مع زملاءه؟ بمعنى آخر إلم تساعده هذه الوظيفة أن يحصل على التقدير الإجتماعي والوظيفي وتوفر الفرص الذي نترجمه اليوم بعدد المتابعين والمعجبين والتأثير الإلكتروني هل سيؤثر هذا على مكانته اجتماعياً أو رغبته في الحصول على هذه المهنة؟


التعليم أساس كل المهن. لكن؟ 


لعلي أفصل هنا عن مهنة التعليم الجامعي التي أتساءل كثيراً عن كيفية تقدير قيمة النجاح فيها وعن مستقبلها اجتماعياً. يأتي هذا التساؤل مع التحول الرقمي الحالي الذي شهد التعليم منه النصيب الأكبر ورغم إعجابي بالجهود المبذولة والقادة الملهمين خلف الستار وسرعة استجابة أفراد هذه المؤسسة للتغيير إلا أنني أجد ردود الفعل السلبية منتشرة في كل مكان حول المعلمين وجودة التعليم بشكل عام ورغم الإشادة بمختلف الوظائف الأخرى في هذه الأزمة إلا أن نصيب التعليم منها كان الأقل حظاً. 

يخيل لك أن التعليم مهنة من لامهنة له وينعكس هذا سلبياً بأثر ملموس نلاحظه بدءاً من تعاملنا مع الطلاب الذين يمثلون الشريحة الأكبر من المستفيدين من هذه العملية إلى الصورة النمطية المنتشرة في وسائل التواصل الإجتماعي عن المعلمين الذين لا يملكون الخبرة الكافية. يخيل إليك أن كل شخص يمكن أن يصبح معلماً ويتناسى الكثير عظم حجم هذه المسؤولية وأثرها الذي لمسناه على مختلف الأزمان. لا أريد أن أسرد فضل المعلم أو أذكر بماحفظناه منذ زمن عن هذه المهنة لكنني أتساءل عن قيمتها في مجتمعنا اليوم؟ وغيرها الكثير من الوظائف والتخصصات التي لاتشبه الهندسة والطب في وضوح مخرجاتها وإنما تنتج قيمة فكرية وتعلم أسلوب ومنهج بحث قد يغير من شخص للأبد.

أتحدث هنا وأفكر بكل المعلمين الرائعين الذين غيروا طريقة تفكيري منذ مراحل التعليم المبكرة، وجهوني لإهتمامات لم يخطر ببالي أنها لي ولمسوا تميزي وأسدو لي النصح حينما اعتقدت ألا مخرج مما أنا فيه. لاأزال أذكر كلمة إحداهن لي حينما انتهيت من أول محاضرة لي بداية تعييني حينما قالت: هو تكليف لا تشريف. هذه الكلمة أحفظها عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت ولا أزال استحضرها بشكل دوري خلال عملي. هذه النماذج لاتزال بيننا ممن جعل على عاتقه شرف المهنة وحمل الأمانة لما هو أبعد من إنهاء المنهج أو رصد الدجات وأرجو أن أكون أحدها ممن ترك الأثر في صنع الإنسان ولو بشيء بسيط.

المشكلة من الداخل 


لعل جزء من المشكلة يكمن في بيئة العمل وطريقة إعداد المعلمين لهذه المسؤولية فالطريقة الحالية تعتمد بشكل كبير على التعلم بناء على خبراتك السابقة وخبرات من حولك من زملاء العمل. بعض الورش وجزء من التقييم الذاتي لماتفعله لكنني أجد نقصاً كبيراً في إعداد المعلم وتسليحه باستراتيجيات وأساليب التدريس ووضع المناهج والتعامل مع الإختلافات الفردية بشكل مفصل. 
الجهود مبذولة لكن مالم يكن هناك إهتمام شخصي بالحاجة للبحث أكثر فمايقدم ليس بكافٍ أبداً لإعداد المعلمين لمسؤولياتهم. إضافة لذلك حجم المشاغل والمسؤوليات الإدارية التي لاتدع لك مجالاً للبحث أو التعمق في مواضييع مشابهة وتركز على أولويات أخرى وأذكر هنا شيئاً قرأته عن غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة حينما تحدث عن هيكلة الترقيات في التعليم الجامعي وأثرها السلبي على استعياب المعلم لمهنته الأساسية؛ التعليم! 

ماذا عن المستقبل؟ 


هناك العديد من الأبحاث التي تتحدث عن مستقبل التعليم وماقد نشهده يوماً ما من روبوتات تحل محل الأشخاص في هذا المجال، إن كنا نتحدث عن دور المعلم فمن وجهة نظري أن دوره يتعدى إيصال المعلومة أو شرح المادة إلى توسيع الفكر وصقل الإنسان بفتح مداركه على آفاق لم يفكر فيها قبلاً وتغيير الصورة النمطية المتعلقة بهذه المهنة لن يحدث ببساطة بل ويحتاج لدماء جديدة ورموز ملهمة لديها رؤية تتعدى إتمام المهام على أكمل وجه وإن حلت الآلة محل المعرفة فلا يمكن أن تحل محل التعليم.  



Feature Post