الجمعة، 19 يونيو 2015

النفع المتعدي

للحصول على التصاميم المعروضة في هذه التدوينة قم بزيارة الرابط وشاركنا رأيك وصور من إبداعك في التطبيق. يحتوي الرابط على ملفات جاهزة للطباعة بالإضافة إلى مجموعة من الكتب السهلة الشيقة في طرحها يمكن الإستزادة منها في رمضان.

كل عام وأنتم بخير يا أصدقاء :) 
إن من أكثر الأفكار التي تشدني عموماً هي فكرة النفع المتعدي، أنت لا تعيش لنفسك لأجل اشباع رغباتك والتميّز لوحدك فيما تعمل، وكلما زادت رتبتك أو إبداعك في مجالك كان التكليف عليك أكبر بإيصال ماتعرفه لغيرك، بالإضافة إلى أنّ دائرة التأثير التي يمكن أن تصل لها تكبر كلما ارتقى مستواك فيما تجيد فعله وبالتالي يمكنك هذا من الوصول لعدد أكبر بطرق أيسر.
هذه الفكرة هي عامة في جميع شؤون الحياة من علم أو عمل، وخاصة في أهم ركائزها وهي العبادة.
السؤال هو كيف تنقل العلم "البسيط" الذي لديك وتخلق نوعاً من الروحانية التي يسهل مشاركتها مع من حولك بحيث تمارس مبدأ النفع المتعدي دون تكلف أو اغترار؟ 
اغتنام الفرص والمواسم يساعد بشدة في تطبيق هذا المفهوم وليس أجلّ من رمضان كنقطة للإنطلاق. 

منذ العام الماضي بدأت فكرة المسابقات العائلية في رمضان بهدف تشجيع الفتيات والفتيان الشباب على التنافس في الخيرات والسعي للآخرة بعون الصحبة.. كانت المسابقة عبارة عن كتيب صغير (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) يحتوي على تفسير سورة لقمان بالإضافة إلى عشر أحاديث عن حسن الخلق. شروط المسابقة بسيطة جداً، حفظ سورة لقمان ويتم التسميع بحدود وجه كل أسبوع عن طريق الواتس اب. قراءة التفسير والمشاركة بفائدة واحدة عن كل وجه في مجموعة المسابقة وأخيراً حفظ الأحاديث العشرة..وفي نهاية رمضان يتم اعلان ثلاث مراكز وتقديم هدايا رمزية لهم بمشاركة العائلة.
هذه السنة، كان التحدي أكبر، المراحل العمرية اختلفت، والاهتمامات أيضاً والمشاغل، أضف إلى ذلك أن الجميع أصبح بهاتفه عدد ليس بقليل من التطبيقات عن القرآن، الأذكار، منبه الصلاة، التفسير، الصحيح من الحديث، أدعية رمضان وغيرها!
بعد البحث والتفكير جاءت الفكرة: "الحسنةُ بعشر أمثالها" من قوله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: من عمل حسنة فله عشرُ أمثالها وأزيد. ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر.ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لايشرك بي شيئاً جعلتُ له مثلها مغفرة. ومن اقترب إلي شبراً اقتربتُ  إليه ذراعاً، ومن اقترب إلي ذراعاً اقتربتُ إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) صحيح مسلم. ليست مسابقة ولكنها تذكير بمايمكن أن يُضاعف من الحسنات حتى البسيط منها في وقت مبارك كرمضان.
الزخرفة الاسلامية واختيار الألوان اعتمد على البساطة، ومفهوم البناء، لأن الحسنات تستحثّ أمثالها وكذلك الوحدات الزخرفية جميلة بذاتها معبّرة وقوية وهي مجتمعة.

تحتوي المجموعة على ثلاثة عناصر:
1. مطوية للجاليات- يمكن اختيار أي موضوع، هنا محتوى المطوية مخصص للجاليات الغير مسلمة كإجابة على تساؤلاتهم حول ماهية الصيام والغاية منه باللغة الانجليزية. 




2. فاصل المصحف- فيه أبيات شعرية عن شهر رمضان.


3. قائمة المهام- تحتوي على بعض الأعمال التي يمكن اغتنامها في رمضان مصحوبة بأيام الشهر الثلاثين، بحيث تضع علامة عند اتمام المهام لترى مجموع ماحصدته خلال اليوم، ويسهل عليك متابعة إنجازك من الأعمال بنهاية الشهر.  
ليست العبرة بميزان البشر لأن الله يضاعف لمن يشاء ولكنها نوع من التحفيز فالأيام معدودات.

فكرة التغليف بحسب المواد المتوفرة، هنا طبعت قائمة المهام على "اي ثري مقوى" والفاصل على "كانڤس" ثم أضيف إلى القائمة بعد لفها بشريطة مخملية ولك حرّية الاختيار. 



رمضان هو فرصة كي تكون المبادر للخيرات وتترك أثراً فيمن حولك، وهو أمر يحلم الجميع بتحقيقه، والعائلة هي أغلى ماتملك ودائرتك القريبة التي يظهر أثر فكرها وسلوكها عليك قبل غيرك. اغتنم موسم صلة الأرحام بتصرفات بسيطة لعلّ الله يبارك بصداها لتترك أثراً طيباً ومستمراً يتعدى الشخص الجيّد ليكوّن مجتمعات جيّدة! 


 إذا كان لديك فكرة لنشاط مع الأسرة أو الأصدقاء قمت بجربتها أو فكرة ترغب في تطبيقها في رمضان أرحب بها على البريد الإلكتروني وسأعيد نشر مايصلني هنا حتى تعم الفائدة. 

الأحد، 26 أبريل 2015

Tedx

٢٢ ابريل ٢٠١٤ 
مين منا مايستخدم تويتر؟ أنا شخص متابع جيّد للأحداث فيه ولاحظت انو لو حاب تصير مشهور أو توصل لأكبر عدد متابعة كل اللي عليك تسويه تحط جنب تغريدتك هاشتاق السعودية أو المرأة في السعودية أو تنتقد شي حاصل في البلد.
للأسف في الفترة الأخيرة كثير انشهر أشخاص على حساب بلدهم والمؤسف أكثر انهم لقو من يطبل لهم. كنت مرة أتضايق لمن أقرا هذا الكلام بس ماعرف كيف ممكن أتصرف معاه أو مع اللي يكتبه. وبعدين جلست أفكر، هل الموضوع يستدعي كلّ هذي السلبية في الحديث؟ هل حياتنا بهذا السوء اللي مايخلينا نشوف إلا الأسود من كل شي؟
مشكلتي مع الصور النمطية مش إنها غير صحيحة. فيه كثير ستريو تايبز لها أساس لكن المشكلة إنها فقط جزء من الحقيقة وهذا الجزء هو اللي جالس يطغى على الساحة إلى مانوصل لمرحلة يصير كل أحد يجي بيتكلم عن البلد بطريقة ثانية يحتاج يعدل نظارته. وبحكم تخصصي واهتمامي بالفن لاحظت هذي الظاهرة كثير عند الفنانين السعودين. لمن ربنا يفتح عليه ويروح يعمل معرض عن النساء في السعودية خارج السعودية كل الفكرة اللي بيوصلها بتكون عن الإضطهاد والظلم اللي بنعيشه في المنطقة وعن الحقوق اللي محنا قادرين نحققها وعن طبعاً قيادة المرأة للسيارة وغيرها وغيرها. لمن تعمل بحث عن المرأة السعودية في قوقل، هل بيطلع لك انجازاتها وطموحاتها والنجاح اللي حققته على مستوى المنطقة؟ في الصناعة في ريادة الأعمال في الطب في الأبحاث في الجوائز؟ لا كل اللي بيطلع لك حقوقها الضايعة في "السواقة" ولو جربت قوقل امج رح تشوف العجب. 
مرة أتنرفز من تركيزنا الكبير على الجوانب اللي ناقصة عندنا. مشكلة السلبية والنقد اللي ٢٤ ساعة انو يخلق جو غير منتج! جوّ صعب نبدع فيه لأن مهما سوينا مابيتعدل الوضع ومهما قلنا أو فعلنا رح نظل "سعوديين" 
أخذت هذي الفكرة وردة الفعل اللي تركته عندي وقلت خليني أحوله لشي مفيد. كنت أقرا في هذيك الفترة مقال بيحكي عن كيف تحوّل غضبك لابداع فني، وقلت الفكرة أوسع من ابداع فني الفكرة ممكن تتحول إلى بحث حقيقي مثبت بأرقام! 
وفعلاً بدأت!
بدأت ب تأثير لغة المجتمع على إنتاجية الشباب السعودي. واللغة هنا أقصد فيها مضمون الكلام مش أصله يعني ماأتكلم عن عربي ولا إنجليزي اللي أقصده هو سلبية الكلام وايجابيته وتأثيره.
كنت أعتقد إن الإعلام هو السبب في إن الشباب عندنا مشتت وإنو مش لاقي شي يمثله أو يدعمه أو من هذا القبيل لكن بعد البحث اطلعت على دراسة في الدوحة عن حرية الإعلام بينت إن الشباب العربي عموماً والخليجي خصوصاً ممكن يتعرض للإعلام ويتأثر فيه لكن الدافع الأكبر والمحرك لتصرفاته نابع من القبيلة والدين أو بمعنى آخر انو عاداتنا وتقاليدنا وديننا هو أكبر مؤثر لتصرفاتنا. طيب احنا عندنا أكبر دافع وسبب وجيه يخلينا نصير منتجين. احنا مسلمين! والموضوع مش بسيط إحنا مسؤولين عن عمارة الأرض وبناءها! طيب إذا كان عندنا دافع بهذي القوة أجل فين المشكلة؟ 
بدأت أحط أسئلة وأوزع استبيانات. كان من ضمن الأسئلة مثلاً هل تعتقد إنو انت لو نجحت رح تخدم بلدك وكانت كثير من الأجوبة تقول لا. سألت برضو هل لديك قدوة في الحياة؟ كم عدد الأشخاص الناجحين الذين تعرفهم شخصياً؟ ايش الصورة اللي تخطر ع بالك أول ماتسمع كلمة سعودي؟ هل تتأثر بالكلمات السلبية عن الشباب السعودي؟ هل تعتقد إن لأنك سعودي فهذا يبرر لك بعض التصرفات؟ 
وكانت الأجوبة عجب عجاب :)
بس الشاهد في الموضوع إن الأشخاص اللي كان لهم قدوة جيدة كان تصورهم أفضل عن نفسهم في المستقبل. والأشخاص اللي لقيو دعم سواء من مدرستهم أو من الأهل كانت أهدافهم بعيدة المدى ويشوفون انهم رح ينجحون في المستقبل. أما الأشخاص اللي اختاروا مغني أو رياضي كقدوة كانو يشوفون المستقبل بعد ٢٠ سنة غير جيّد أو إنهم خارج الصورة. الجميع في الاستبيان قال إنو يسمع كلمات غير جيدة عن الشباب لكن لمن سألتهم تتأثرون؟ كان في عوامل أخرى زي القدوة والهدف بعد ٢٠ سنة أقوى في تأثيرها عليهم. 
احنا لمن نتكلم، لمن نكتب، نغرد أو نعيد إرسال الرسائل اللي تتكلم بسلبية عن أوضاعنا مش جالسين نوعي الناس ونحلّ المشكلة إلا في حالات قليلة. الشي اللي حاصل إن السلبية هذي قاعدة تأثر على المراهقين أكثر من الشباب وتحديداً في المتوسط والثنوي. تخيّل معي شخص يسمع هالكلام من أبوه. يقراه من ٦ أشخاص على الأقل ف تويتر، يوصله بالواتس اب ويحكون عنه أصدقاؤه بالمدرسة ويجلس على هالحالة لسنوات. ثم فجأة لمن يدخل الجامعة ويتخرج يحطم آمال الجميع لأنو ماحقق النجاح اللي مفروض يوصل له أو إنه اكتفى بوظيفة وراتب آخر الشهر! 
أي موضوع في الحياة لمن ندخله وف بالنا صورة مسبقة عنه تأثر كبير على حكمنا ونظرتنا له. فمابالك لو كان هذا الموضوع هو مستقبلك؟ بالإضافة إلى أن قوة الأمة هي اللي تخرج قائد قوي مش بالحلطمة أو الانتقاد ولكن بالعلم والتشجيع. 

الصعوبات كثيرة ومانختلف على هالشي لكنّ الإنسان لمن يسعى ربنا يفتح عيله ولو كان من كل هذا ماتحقق إلا لذة انجازك لكفى! 

كمصممة واجهت صعوبات كثيرة في تطويع فكرة كبيرة زي كذا لمشروع تخرّج، بس بتوفيق الله قدرت وكان "أكسجين"! مشروع تخرجي الي لازلت فخورة جداً فيه.

لو حاب تعرف أكثر عن تفاصيل المشروع والنقاط الي تطرقت لها بالبحث، زودّني باسمك ولماذا قد يهمّك الموضوع و سأسعد بالتواصل معك على البريد الإلكتروني 

الجمعة، 27 مارس 2015

١١:١٩

 
تعتريني رغبة جامحة للكتابة! مؤخراً هناك الكثير من الأفكار تطحنُ رأسي، تُحدث في أروقته ضجيجاً دون سابق إنذار، تصيبني بالأرق وتسلبني النوم، لا أجدُ وقتاً لأفصح عنها، أركمها في درج آخر وتستمرّ الحياة، إلى أن وقعت يديّ على روايتين لم أقرأهما متتابعتين بالصدفة. واثقة أنها لم تكن بالصدفة. 
لا يهمّ ماذا قرأت، لن يعنيك كثيراً، لكنه قلب موازين عقلي وزادني حيرة إلى حيرتي، في المقابل، حرّك فيّ الحاجة للكتابة، للتعبير ولهذا أنا ممتنة. 
ربّما لم تكن الكتب فقط هي السبب، لعلّ كل ما مررتُ به في الآونة الأخيرة كان دليلاً قاد لهذه النهاية؛
كيف نقرؤ الحزن؟ كيف نتعاملُ معه؟ 
تمرّ علينا مئات الأخبار يومياً عبر مختلف وسائل التواصل، القنوات الإخبارية، الواتس أب، تويتر وحتى تلك الموثّقة بالصور، كم حرّكت فينا؟ نُخبئ تأثرنا خلف أرقام تخفف من وطأة الصدمة، "قُتل عشرة مدنيين وجرح آخرون خلال اشتباكات مع قوّات الأمن"، كم يبدو هذا الخبر عادياً مكرراً في صياغته، لا يعنينا بالتحديد، تفصل بيننا وبينه آلاف الكيلومترات التي تحمينا منه، نرفع نظرنا عن شاشة الجوال، ننظر حولنا، نلتفت، الحمدلله لاشيء هنا! ثم نعود لقراءة الخبر التالي، نمرّ عليه بكل جمود، أو بلسان حالٍ يستعيذ مما نقرأ،  ننسى عمداً كلما كبرنا عليه من أهازيج ونداءات تهتف بالوحدة، ننسى صباحاتٍ لم نفعل فيها شيئاً سوى الاصطفاف مع أقراننا نردد: "وكلُّ العرب إخواني". أتذكر عندما كنت في التاسعة في الصف الرابع، أعتقد أنها كانت المرة الأولى التي أسمع فيها: "الشعب العربي فين" لا أدري إن أدركتَ مثلي أن ماكان يردد قبل خمس عشرة سنة ينطبق تماماً على حالنا اليوم. لا نزال بارعين في الكلام على الأقل، أو مايُعرف ب "بلاغة العرب". 
الإعلام يرينا جزءاً من الصورة، يصوغها لنا في كلمات مصفوفة أبعد ما تكون عن الواقع، لكن دعنا نجرّب قراءةً أخرى للأحداث، وللتنويه فقط لستُ هنا لأحكم سياسياً على الوضع ولكنني هُنا أخاطب قلبك، وأعبّر بشيء يكادُ ينفجر رأسي من شدة صداه. 

"خرج شابٌ بعدما ودعته أمه محفوفاً بدعواتها التي انتشت بمعرفتها بانتهاء الخصام الذي دام لعدة أيام مع والده حول موضوع التحاقه بالجامعة، وعدته أن تعدّ له طبقه المفضّل على الغداء احتفالاً بالصلح، خرج باسماً لوعودها مطمئناً بحصن دعواتها، لكنّ رصاصة اخترقت هذا الحصن، اخترقت عينيه وقتلت فرحتها" 
تخيّل لو أنّك تعرف أسماء كلّ شخص من العشرة المقتولين في الخبر السابق، تخيّلهم أبناء حارتك، جيرانك، أصدقاء دراستك، زملاء في العمل، أسقِط أسماءهم على ذكرياتٍ حدثت في طفولتك، هل يغيّر هذا من قراءتك للخبر؟ 
"قتل عشرة مدنيين وجرح آخرون خلال اشتباكات مع قوّات الأمن"
ماالفرق بينهم وبين من تعرف؟! ألم نحفظ عن ظهر قلب "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى". 
نحنُ نعرف ماتنقله لنا وسائل الإعلام عن سوريا، العراق، فلسطين، بورما، اليمن، مصر ...
نرى ما يريدنا أن نراه ويخفي ماكان أعظم، يروي لنا النسخة المختصرة من القصة، يختزلها في رقم، اسم، مجموعة، صورة مكررة، لكنّ هذه الصورة هي كائن حيّ مستقل له عائلة، تاريخ وحياة وليس مجرد عنصر جذب في نشرة الأخبار تتسابق عليه صفحات الجرائد الأولى. 

فكّر في عدد سكان الكرة الأرضية، فكّر كم منهم عانى من الجوع، الهجرة، الفقر، الجهل، الحرب، الفقد، فكّر في الكم الهائل من الخبايا التي تجهلها عن تفاصيل معاناتهم. فكّر جيداً قبل أن تتخذ موقفاً. قلص هذه الدائرة أكثر، تذكّر قصة إنسانية واحدة فقط عشتها شخصياً مع قريب لك، تذكّر مشاعرك في تلك اللحظة، تذكّر ردة فعلك، فكّر فيمن يمكن أن يعيش هذا الظرف يومياً لكن في كل مرة مع شخص مختلف! 
حسناً عُد للواقع الآن، هل تذكر ماقرأته للتو في تويتر: "صنع أكبر قطعة بيتزا في العالم ودخولها لموسوعة جينيس" هل يبدو لك مألوفاً؟ فكّر في آخر سطر كتبته قبل دقائق وشاركت العالم به، هل كان فعلاً يستحق؟! 
إن لم تكن قادراً على اتخاذ موقف حقيقي، ربّما يكون وقعُ الصمت على الأقل أخف من غيره وأكثرَ حكمة. 

الخميس، 29 يناير 2015

أنا ومن بعدي الطوفان!

من المواضيع التي نالت اهتمام المجتمع العربي في الآونة الآخيرة كتب تطوير الذات والإدارة للوقت والحياة، وهي ظاهرة صحيّة للمجتمع أن يهتم برقي فكره وتنظيم حياته، وفي النسخ الأولى من الاهتمام بهذا الجانب في العالم العربي وُجدت الكثير من الكتب المترجمة حول الموضوع ويمكن أن نصنّفها لجيلين، الأول يركز على العوامل الخارجية التي تؤثر على قرارات الإنسان وهو الجيل الأقدم بالتوقيت، والثاني وهو الذي يركز على الإنسان نفسه والغوص في اكتشاف ميوله، مواهبه، قدراته العجيبة والسر الذي يحرك داخله ويجذب الكون له. 
عندما وصلت هذه المواضييع لمجتمعاتنا لم تصل منقّحة أو معدلة بل وصلت مترجمة حرفياً، وحتى بعد اطلاع المثقفين العرب عليها وانغماسهم بالبحث فيها ووصولهم لمرحلة التأليف، للأسف نجد الأغلبية تُكرر نفس الكلام دون أن تقيسه بمعايير الثقافة المحلية من أمثلة وإطارات ومحاذير.

هذه الملاحظة لم تأتِ من فراغ، كان أول ما لفت انتباهي لها أثناء بحث التخرج العام الماضي عندما كنت أبحث في كتب تطوير الذات التي تخاطب المراهقين في السعودية، وللأسف كانت تخاطبهم كأي مراهقين في أي كوكب آخر وهو أمر غير مقبول! من ضمن الانتقادات عليها على سبيل المثال ماتورده من أمثلة حين تتحدث عن حل المشاكل، فنجد فيها قصة عن فتى تركته صديقته ويمر بحالة نفسية صعبة أو عن طالب يواجه صعوبة مع والده الذي يتعاطى المخدرات، أو أنها تتحدث عن طريقة تعامل الطالب مع مدرسه ولكنها بنموذج الفصل الأمريكي وليس العربي، وهذا ليس نقصا في أمثلتنا المحلية أو وفرتها ولكنّه قصور في المترجم والمؤلف المنبهر بكل الثقافات الأخرى باستثناء ثقافته.
مايعنيني من هذا الموضوع وإن كنت أهتم بشدة لما يُخاطب به أبناء المجتمع خصوصاً الفئات الصغيرة، لكن ما يعنيني في هذا المقام هو التنويه على هذا التركيز العجيب على كلمة "الذات" وليس من حرج لغوي في استخدامها، ولكنها الطريقة التي تُصوِّر هذه الذات وكأنها قادرة على صنع كل شيء وتغيير كل شيء والتصرف وفق هواها ورغباتها دون أن تُهذّب. والحقيقية غير ذلك تماماً. الذات الإنسانية لو تركت لتصنع ما تريد لعاثت في الأرض الفساد لأن لكل إنسان ميوله المختلفة عن غيره ويستحيل أن يتفق اثنان بصورة متطابقة وهناك فطرة بشرية وميول نحو التنافس وغيرها من العادات التي يؤدي التمادي فيها للضرر. علينا أن نفهم أنه ليس من الضعف أن يفهم المرء الإطارات التي يجب عليه أن يحترمها كالمجتمع مثلاً وأن النجاح لا يعني الثورة على الجميع بل في كثير من الأحيان تكون هذه الأُطر هي المحرك للتصرفات الإيجابية والمثمرة وأعني الدين في هذا المقام. 

أنا أريد، أنا أستطيع، أنا أقدر، أنا وأنا وأنا حتى أصبحت الثقافة متمركزة في هذه الذات ووصلت للأنانية، يفكّر الإنسان بأهدافه ويضعها وفقاً لمصالحه الشخصية ويضرب برأي من حوله عرض الحائط بحجة أنها حياته وليس لأحد أي رأي في ذلك. 
الموازنة مطلوبة في كل الأمور وإيمانك بذاتك وقدرتك أمر مطلوب، لكن عليك أن تتيقن أن ذاتك ومهما بلغت فهي لاتزال خاضعة لإرادة الله وتسييره، لا يمكنك أن تنجح إذا لم تؤمن أولاً بقدرة الله عليك وبحاجتك لتوفيقه وبقِصر حولك وقوتك إلى حوله وقوته وكنت أتوقع من الباحثين إدراج هذه النقطة في بداية مؤلفاتهم كقاعدة أساسية للنجاح وتطوير الذات بدل من التركيز على جنون العظمة الذي نقرؤه وأصبحنا نستمع إليه مؤخراً، وقد يعتقد البعض أن هذا من الأمور البديهية لكن الأصل وإن كان تلقائياً إدراكه فهو أولى أن يؤرخ من غيره. أضف إلى ذلك أن نجاحك يشمل نجاح عائلتك والبيئة المحيطة بك، لا يمكنك أن تخطط لنفسك فقط لأن الحضارة التي نسعى لها والتي تزعم تلك المؤلفات أنها تملك السرّ للوصول إليها لا تقوم على الأفراد بل على الجماعة والفريق. 

في كثير من القصص التي تحكيها هذه المواضييع نجد المسافرين إلى الهند أو الصين الباحثين عن الحقيقة وعن الاتصال بالطبيعة والبعد عن النموذج الاستهلاكي المادي من الحياة والتعمق في أصل الروح والحياة، وفي كل هذه الرحلة هم لا يبحثون سوى عن الإيمان الذي يعطي للروح اتزانها ويحقق لها فيما بعد النجاح بكل أبعاده. كونك مسلم تقرأ في مثل هذه المواضييع يجعلك واعياً أكثر لما بين يديك من نعمة لم تسعَ لها، ويعطيك تصوّراً عن طبيعة الحياة المادية التي ستنتهي إليها لو لم تكترث بدينك وبمجتمعك. 

نحنُ عندما نطبق قيمة الإحسان على سبيل المثال، نُحسن لأنّنا نقرأ قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله" وليس بدافع الشفقة أو الإنسانية فقط لأنّ هناك دافع أقوى يحثّنا نحو الفعل الكريم ينبعث من إسلامنا، وكذلك يجب أن يكون المحرك لكل تصرفاتنا، وسواء كانت هذه النقطة حاضرة في ذهنك وقت الفعل أو لا فإنك نشأت في بيئة تحثُ عليها راجية الثواب قبل غيره وستؤجر عند احتسابها! 

حماسك نحو التطوير وتحسين شخصيتك وصفاتك أمر في غاية الروعة، إنّه مؤشر جيّد على طموحك للأفضل لكن كُن واعياً لما تقرأ مُدركاً للأصل قبل أن تتوسع في الفروع حتى لا ينتهي بك المطاف وقد ضيعت الإثنين وأصبحت نسخة تشبه غيرها لا جذور لها تحميها من متغيرات الزمن. 

الخميس، 25 ديسمبر 2014

ثقافة الفن المبتذلة



“إن الفن ابن الدين، وإذا أراد الفن أن يبقى حيا فعليه أن يستقي دائمًا من المصدر الذي جاء منه” علي عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب 


بعد زيارتي الأخيرة لمعرض "فن أبوظبي" وعلى الرغم من كمية الجمال الذي كنت محاطة به إلاّ أنّ تلك الزيارة أثارت كثيراً من التساؤلات في ذهني عن حقيقة الفن. حضرت هذا المعرض لسنتين على التوالي وما يميّز السنة الثانية هو العدد الأكبر من صالات العرض المشاركة بالإضافة إلى التنوع الكبير في الحضور من الجنسيات وفئات مختلفة من المجتمع. لكن على الرغم من التنوع الملاحظ تجد أنّ الشريحة الموجودة وإن اختلفت يمكن أن تصنّف ضمن دائرة واحدة.
في كلّ معرض يقام في السعودية أو غيرها نجد أنّ المنظمين والمشاركين والحضور في الغالب يتشابه توجههم ولا أعمم ولكن في كثير من الأحيان تجدهم ينتمون لطبقة معينة وبأفكار متشابهة عن الثقافة والدين وغيرها. كلّ هذا أثار في ذهني العديد من التساؤلات التي أمضيت الكثير من الوقت أفكّر بها ومنها; هل يتعارض الفن مع الدين؟ هل يكون الدين للفقراء والفن للمترفين؟ تذهب لدور تحفيظ القرآن على سبيل المثال وتجد الأغلبية هناك من الفئة البسيطة المتقاعدة من التعليم أو غيره والمتفرغة "حالياً” للعبادة بعد أن أفنت عمرها في الدنيا، وفي المقابل الذهاب للمعارض الفنية يعني مقابلة العديد من "المثقفين" الغير متدينين بالضرورة والمنفتحين على كل شيء بدون وازع سوى تجارب شخصية وقراءات في مختارات من الكتب.

ربّما تكون المقارنة ليس لها أساس من الصحة لكن فكّر في الأمر للحظة؟ لمَ ينتشر فكر كون المتدين معقد وغير مثقف أو ليس له ذائقة فنية؟ لمَ يجب عند إقامة معرض فني يحتوي على أفكار ومشاريع ولوح وتجارب جميلة أن يكون مليئاً بكل مايتعارض مع الدين؟

على مرّ العصور وإذا عدنا لتطور الفن التاريخي نجد أنّ الدين لم يكن يوماً مثبطاً للفن أو مانعاً لانتشاره إلا في فترة الضلال حين اعتبر الفنانون زنادقة وأعداء لله، وعلى صعيد الفنانين نجد هناك شريحة كبيرة من الذين اشتهرت أعمالهم حتى بعد موتهم في دورالعبادة بمختلف توجهاتها ومعظمهم كان من الفقراء وأصحاب المعاناة الذين عبّروا عن مأساتهم باستخدام الألوان التي لامست قلوب الكثير من المترفين ربّما أو بعبارة أخرى من هم في حالة مادية أفضل. الفن للجميع، لعامة الشعب، وربّما اقتناؤه يكون من نصيب أصحاب الثروات لكنّ ثقافته حقٌ للجميع وهي من أساسيات البناء لأي حضارة.  

للأسف بحثت عن نموذج عمّا أعنيه في المنطقة العربية لكنني لم أجد، أي معرض هنا لا يختلف كثيراً عن أي معرض يقام في أي بقعة في العالم في طريقة العرض والتفكير والتوزيع والمعروضات وغيرها، بل إنّ كثيراً من المعارض المقامة في المنطقة هي من تنظيم جهات أجنبية في الأصل، بالطبع أدى هذا إلى دقة الاخراج وإبداع وسائل العرض لكنه في نفس الوقت غيّب الهوية الشرقية بتفاصيلها الساحرة وخصوصيتها التي بدأت تضمحلّ مع الأيام للأسف. 

الله جميل يحب الجمال، وإذا كان الدين يضع للإنسان شروطاً وخطوطاً حمراء فهذا لا يعني أنّه يعارض المبدأ ولكنّه يضبطه ويضعه ضمن إطار يحميه من الوقوع في الشبهات، المشكلة أنّ  دارس الفن يتعرّض لكثير من البحث في أفكار تصوفية ونماذج لفنانين بطقوس معينة، ينفتح فجأة على عالم مختلف، ظاهِرهُ جميل دون أن يكون لديه أساس متين يحميه من السقوط في عثراته، يجد الكثير ممن يصفق له ويمتدح عمله ويوهمه بأن المستقبل المختلف سيكون على يده، وفي هذا جزء من الصحة لكنّ التطور لا يعني الثورة على كل الماضي بحسنه وسيئه بل البناء عليه والإستفادة من تجاربه.


إنّ جمال الفن يكمن في اختلافه وليس في كونه نسخة طبق الأصل لنموذج مطبق في دولة أخرى، لمَ لا يكون لدينا تجربة مختلفة وغنية بالمقومات المطلوبة بنفس مستوى الاحترافية لكنّها تشبهنا، بأفكارنا، باختلافنا، وتنوّع توجهاتنا دون أنّ تتعارض مع قيمنا الدينية والمجتمعية؟ لمَ نحصر اختياراتنا بين نسخ النموذج أوإعدامه؟ لمَ لايكون هناك حلّ وسط؟ برأيي أنّ مايحدث الآن هو انتشار ثقافة مبتذلة وشروط ألزمنا بها أنفسنا بأنفسنا بحيث أصبح من يخرج عنها يُحكم عليه مسبقاً بالفشل. وهذا ينطبق على الفنانين في المستوى الأول والمنظمين من بعدهم. أحلم بيوم نكون فيه رائدين في التجربة الفنية في المنطقة، من أفكار وأعمال وطُرق عرض ولا ينقصنا أي شيء لتحقيق ذلك! وحتى وإن كانت جميع مقومات هذا الحلم مفقودة حالياً، لكنها وإن طال الزمن فلابد أن تتحد يوماً ما لتخرج بمنتجات تحمل أصل الهوية وتعبّر في نفس الوقت عن وجهة نظر أصحابها بطريقة متزنة. 

إنّ أردت البحث أكثر في علاقة الفن بالدين فأنا أنصح بقراءة الإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش، كتاب غني وفيه كثير من المعلومات التي تستحق وقتك. 




الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الدرس الثاني | الرابط العجيب

في نهاية السنة الأولى من التخصص كان المشروع النهائي عبارة عن قرعة بحيث تختار كل طالبة من بين كلمات متنوعة كتبت على أوراق. المطلوب هو أن تبحث حتى تصل لعلاقة تربط بين الكلمتين وتنتهي بتصميم بالتأكيد. في البداية كانت ردات فعلنا عجيبة تجاه الموضوع لكنّ الأمر أثبت جدواه بعد فترة.
كان السحب عشوائياً لدرجة أنّه يمكن أن تبدأ بموضوع عن المطر وتنتهي بموضوع عن الأطفال، الفكرة كانت في البحث وليس في التصميم. المشروع يأخذ شهر بحيث يخصص أسبوعين للبحث وأسبوعين للعمل على تطبيق نتيجته. 
في السنة الأولى لتطبيق هذه الفكرة لم تكن النتائج مذهلة بحكم أننا كنّا لا نزال في بداية التخصص.

السنة التي تليها طبقنا نفس الفكرة على المشروع النهائي لكن بطريقة أقل فرضاً بمعنى كان للجميع حرية اختيار موضوعاتهم بشرط ألاً تبدأ وفي ذهنك نتيجة المشروع، تبحث في الموضوع بعيداً عن التصميم حتى تتكوّن لك فكرة واضحة عن كل أبعاده وبعد ذلك تقدّم مقترحاتك عن التصاميم التي قد تخرج بها من بحثك، تناقش فيها ثم يعتمد أحدها وتبدأ رحلة أسبوعين من التصميم.
أكثر ماأعجبني في هذه الطريقة أنّها تناقض مايعرف بـ “ابدأ والنهاية في ذهنك” وتجبرك على السير عكس المألوف ولا تهتمّ كثيراً بالنهاية لكنّها تعتمد على تطوير مهاراتك البحثية وقدرتك على الخروج من أيّ موضوع كان سواء في الفلسفة أو الطب أو الحياة الاجتماعية أو العلوم أوالفلك أو أو.. بمنتج له علاقة بالتصميم.


سأحدثكم قليلاً عن المشروع الذي خرجت به من هذه التجربة في السنة الثانية للتخصص لعلّ الفكرة تتضح أكثر:

كنتُ أبحث عن بداية لا تشبهني، موضوع مثير لم أبحث فيه من قبل بعيداً عن كل الأمور التي قمتُ بها سابقاً، كنّا نجلس في حلقة ونناقش اختياراتنا وكنتُ أخبر زميلاتي بأنني مللت من البحث في الأمور التي أعرفها من هوايات وغيرها، واقترحت كل واحدة منّا موضوعاً على الأخرى. لا أذكر التفاصيل حول كيف وصلت لهذا الموضوع ولكن عموماً بدأت أبحث بكلمة “لاس فيغاس”. مثير ها؟
في تلك الفترة عندما أخبر أي شخص أنني أبحث عن هذا الموضوع يستغرب ويضحك بسخرية: “مرة ماينفع” حسناً لقد جرت الأمور عكس ماتوقعت حقيقة ولكن بشكل جيّد. بحثت في كل شيء يتعلق بالمدينة، تعرفت على أمور لم أكن أعرف بوجودها، عرفتُ لمَ يفضّل كثير من الناس قضاء الصيف فيها ليس لأنها مليئة بالأندية أو غيرها لكن لأنها تملك من الجبال ما يمكنك التخييم فيه وفيها من الطبيعة الجبلية والأنشطة ما يستهوي الكثيرين. مدينة تقام فيها العديد من الفعاليات ولست هنا لأتحدث عنها.

لم أكن مهتمة كثيراً بالمدينة ولكنّ اهتمامي انصب على  لماذا يفضلها الناس؟
انتقلت للبحث عن سبب تفضيل الناس للمناطق المزعجة أو الضوضاء، فكما هو معروف لاس فيغاس مدينة مكتضة بالسكّان و في الليل يصبح قلب المدينة وكأنّه يحتفل للمرة الأولى في حياته! الأضواء مشتعلة، الناس في حركة دؤوبة ووسائل المواصلات لا تتوقف عن الحركة.

على عكس كوني شخصاً يبحث عن الهدوء ويبتعد عن الازعاج هناك من يذهب لوسط المدن المكتضة مثل نيويورك أو لاس فيغاس ليس لشيء ولكن ليتيه بين الجموع. حينما يكون حولك الكثير من الأشخاص والكثير ممن لايبالي بوجودك ممن لاتعرف، لايكون وجودك هناك أمراً ذا قيمة وكأنك لوحدك في الازدحام. فكما أنّ عدم وجود الأشياء يعني الفراغ فوجودها بصورة مبالغ فيها يساوي الفراغ أيضاً. وجدت العديد من الأبحاث والدراسات التي تتحدث عن الموضوع بطريقة غريبة، كيف يكون للأصوات العالية من حولنا أثر على تصفية أدمغتنا وتفريغ السالب من الشحنات التي توجد بها. صدق أو لا كما أنّ الضوضاء قد تصيبك بالمرض هناك أشخاص يألفونها ويلجؤون لها لتصفية تفكيرهم!
وهكذا تحوّل موضوع البحث من لاس فيغاس لفلسفة الصوت، ولم يقف هنا!

بدأت أبحث في الموجات الصوتية وتأثيرها الذي يتعدى الإنسان للجمادات، الموضوع قديم جداً يرجع للحروب النازية عندما دُمّرت مدن بكاملها باستخدام ذبذات متخصصة، إلى أن صدرت قوانين دولية تحدد المسموح باستخدامه من ترددات الصوت المختلفة بناء على تأثيرها. 

اليوم وتبعاً للتطورات المنطقية للموضوع والمخيفة في نفس الوقت، هناك من يروّج لفكرة Digital Drugs الفكرة جيّدة لكنّ وضعها في اليد الخطأ أدى إلى وجود مواقع ترّوج هذه التقنية للمراهقين والأمر أشبه بغسيل الدماغ!
الفكرة أنهّا تبعيك مقطعاً صوتيّاً، تطلب منك استخدامه بطريقة معينة في وقت معيّن وبتكرار ما، حتى يؤثر عليك وكأنّك قمت بأخذ جرعة كوكاين أو هيروين أو غيرها من المخدرات والمسكرات.
مستحيل؟
لاشيء في عصرنا مستحيل :)

هناك في المقابل من يستخدم الأصوات بشكل عام كنوع من العلاج النفسي وهناك وهو المخيف أكثر من يدرس تأثير الذبذات والترددات على دماغ الإنسان ليتسخدمها في التأثير عليه لأغراض غير سليمة.

أين وصلت في المشروع؟ في هذه المرحلة كنت منبهرة جداً بكمية المعلومات التي تعرّفت عليها ونسيت أنّ عليّ أن أوصلها للتصميم. لكنّ الأمور سارت جيّداً في النهاية وللّه الحمد. فكّرت ماذا لو تطورت هذه التقنية لدرجة أن يتم طرحها في الأسواق وتصبح فعلاً أدوية تباع في الصيدليات؟ هل يمكن استباق الأحداث وتصميم دواء يعالج بالصوت بدل الحبوب، الشراب أو الإبر؟
يوماً ما سيكون هذا كلّه جزءاً من حياتنا اليومية وبطريقة جيّدة hopefully. 

هنا بعض الصور للمشروع:







صممت ثلاث أنواع للدواء المعالج بالصوت، للصداع، الأرق ولاكتئاب، مرحلة التصميم كانت رحلة أخرى من البحث لأن ماصممته يعتبر جديد في مجاله، كان عليّ تعلّم كيفية عمل هذه التقنية ومقارنتها بالأدوية المتوفرة حالياً للوصول إلى تصميم يمكن فعلاً أن يستفيد منه المريض بأحد هذه الأمراض. طوّرت الهوية، الرسومات والمعلومات بالإضافة إلى مايوجد داخل العبوّة من سماعات وغطاء للعين وغيرها من الأمور المناسبة لارشادات الاستخدام. 


يمكنك الاطلاع على جزء من البحث الذي قمت به هنا والتصفح إن كنت مهتمّاً : 
http://mariamawesomedesigns.tumblr.com/page/10 


المهم من كلّ هذا وخلاصة الكلام أنّ البحث هو الأساس لأي مشروع وهي المرحلة التي يجب أن تأخذ جلّ وقتك واهتمامك، عندما تصمم مثلاً إعلاناً عن القهوة،، لاتبدأ بالبحث عن "اعلانات القهوة" بل ابدأ بتاريخها، كيف تُزرع، كيف تطورت صناعتها، ثم وبعد أن تعرف كلّ هذه التفاصيل ابدأ بالتصميم وإلاّ فكيف ستخرج بأفكار جديدة؟ الأمثلة التي تراها حتماً ستؤثر عليك وسينتهي بك المطاف تشبه أحد التصاميم التي شاهدتها، لكنّ البحث هو مايميّزك لأنّه يستحيل أن يصل اثنان لنفس النتيجة حتماً حتى وإن كانت البداية متشابهة، بالإضافة إلى ذلك فنحن نعيش اليوم في زمن لايمكن اخفاء أيّ معلومة عن الناس وبضغطة زر يمكنك الوصول لآلاف منها، لذا فهناك تحدٍّ كبير أن تخرج بفكرة جديدة لم تخطر ببال المستخدم حول موضوعك، تجذبه لها وبهذا تحقق مبتغاك من لفت انتباهه للموضوع أو بيعه المنتج. 


إذا كان لديك أي مواضييع أو أسئلة تخص التصميم وترغب في طرحها أرحب باستقبالها عبر البريد الإكتروني mariamgdesign.a@gmail.com 


السبت، 20 سبتمبر 2014

فوبيا الحصول على وظيفة

قبل أشهر وأثناء مرحلة التقديم على الجامعات اتصلت بي احدى الزميلات تستشيرني في التخصص بحكم أن أختها ترغب في التقديم عليه، كان لديها سبب واحد جعلها مترددة بشأن الموضوع وهو ضمان حصولها على وظيفة بعد التخرج. لست هنا لأحكي القصة ولكنّ هذا التساؤل تكرر كثيراً من قبل أشخاص مختلفين، ورغم أن الشخص يملك كل مقومات اجتياز سنوات الدراسة بامتياز إلا أن موضوع الوظيفة لا زال يجعل الكثيرين غير واثقين من هذا المجال. 

التصميم لا يختلف عن كثير من التخصصات فهو لا يقدم ضمانات للأشخاص العاديين الذين لا يملكون سوا شهاداتهم، وحصولك على وظيفة فيه أو في غيره من التخصصات يعتمد على اجتهادك ومدى عصاميتك في العمل على تقديم نموذج راقي من الأعمال وشخصية متميزة في علاقاتها. 
في المقابل هو يقدم لك بعض الامتيازات التي لا تجدها في غيره مثل إمكانية العمل من المنزل، والعمل الحر الغير ملتزم بدوام بالاضافة لأن طالب/ة التصميم يتعلم من المهارات ما يمكّنه من الإبداع في مجالات حِرفية أخرى أوسع من مجال دراسته لأنه يفتح لك مواضيع بحث وآفاق لم تخطر ببالك يوماً فهو لا يعتمد على التلقين والحفظ بل يقوم على التجربة والاختبار وتعلّم وسائل البحث ثم الخروج من كل هذا بتصميم قابل للتطبيق، وكم من خريجي التصميم  والعمارة أو الهندسة حتى انتهى بهم المطاف لتصوير الأفلام وتصميم الأزياء والأنيميشن أو حتى رسوم القصص المصورة! وهناك الكثير ممن بدأ ببيع منتجاته الخاصة، أضف إلى ذلك أنّه من التخصصات القليلة التي يُدفع لها مكافأة “رمزية” عند التطوع في أي مجال كان. 

العجيب في الموضوع وبعد كل هذه المقدمة أن الطالب يتخرج من الثانوية وهو يحمل هم رأس المال الذي لا يملكه ولن يملكه حتى بعد خمس سنوات ويقرر بناء على ذلك تغيير رغباته الجامعية والتوجه لتخصص آخر طبي مثلاً! 
صدّق أو لا لكن لا أحد منّا يولد بملعقة ذهبية أو بالأصح الأغلبية منّا لا يحصل له ذلك. مجال الأعمال لا يعتمد على المال بقدر ما يعتمد على علاقاتك التي تجلب لك المال فيما بعد وهناك من الطرق الآلاف التي يمكن لك أن تسأل عنها وتتعلم الكثير منها خلال مشوارك الجامعي، ومن الطبيعي جداً أنّك لا تملك مقومات حلمك الكبير وأنت في عمر الخامسة عشر! كما أنّ بداية عمل في وقتنا الحالي أسهل بكثير مما كان عليه قبل سنوات وهذا بسبب تعدد وسائل التسويق المجانية التي يمكنك استخدامها بذكاء لتروّج لما تريد بيعه من الأفكار وغيرها!

لو أنّ هدفك الأساسي من العلم هو الحصول على وظيفة فأنت تضيّع على نفسك متعة التخصص الذي تختاره والذي سيلازمك لبقيّة عمرك! رزقك مكتوب منذ ولادتك ونصيبك لن تُقبض روحك حتى تستوفيه فلمَ تستبق الأحداث وتجزم بما لا تعلم وتروّج لفكرة أنّ هذا المجال لا مستقبل وظيفي له بناءً على رأيك الشخصي الذي -ومع فائق احترامي- لا أساس له من الصحة. 

حصولك على وظيفة يعتمد بالدرجة الأولى على علاقاتك، ومن يعتقد غير ذلك فعليه تغيير هذه النظرة وإلا فسينتهي به المطاف في المنزل، وهذا ليس كلامي فهناك العديد من أصحاب الخبرات من يؤكد ذلك، جودة العمل تأتي في المرحلة الثانية، لأن العمل الجيد الذي لا يعرفه أحد لا قيمة له. وكم من المصممين المبدعين الغير معروفين وكم من المصممين بمستوى عادي والذين تنتشر أعمالهم في كل مكان وهذا ليس نقصاً وإنّما مهارة تجارية وازنوا بها مهاراتهم الفنية. 

احرص منذ البداية على المشاركة في الفعاليات المتعلقة بتخصصك من مؤتمرات، ندوات او معارض وحتى وإلّم تُقدم أعمالك فيها فعلى الأقل ستلتقي بأشخاص يعرفون بدورهم آخرين يبحثون عن أمثالك وستتعلّم منهم كيف تسوّق لعملك.

لا يهمّني أن أجد قصة حياتك ولكن أريد أن أرى اسمك متواجداً عندما أبحث عنه في أي محرّك بحث، أعمالك، سيرتك الذاتية، موقعك الشخصي، مشاركتك في فعاليات كلّ هذا يضيف لرصيدك من المهارات ويجعلك متميّزاً عن غيرك في نفس المجال. 

لذا وقبل أن تحرم نفسك فرصة تعلّم ما تُحب لسبب قد لايكون له أي أساس من الصحة أعِد التفكير وانتبه لكمية الخسارة التي قد تحصل لك وليس فقط الفوز، المجال الذي ستعمل به سيأخذ من عمرك الوقت الكثير وإلّم تكن شغوفاً بتخصصك فلن تتمكن من مواكبة تطوراته والبحث في مجالاته المختلفة والتعمق بها وأنت مرتاح البال، ستفعل ذلك رغماً عنك و سيكون من الصعب أن تبدع وسينحصر همك على الكم المادي الذي سيعود به عليك، لكن في المقابل الصعاب التي تواجهك في مجال تحبّه تهون وقد توجِد لها ألف مخرج وحل في سبيل الوصول لما تطمح له والاستمتاع بالرحلة.


Feature Post