الخميس، 29 يناير 2015

أنا ومن بعدي الطوفان!

من المواضيع التي نالت اهتمام المجتمع العربي في الآونة الآخيرة كتب تطوير الذات والإدارة للوقت والحياة، وهي ظاهرة صحيّة للمجتمع أن يهتم برقي فكره وتنظيم حياته، وفي النسخ الأولى من الاهتمام بهذا الجانب في العالم العربي وُجدت الكثير من الكتب المترجمة حول الموضوع ويمكن أن نصنّفها لجيلين، الأول يركز على العوامل الخارجية التي تؤثر على قرارات الإنسان وهو الجيل الأقدم بالتوقيت، والثاني وهو الذي يركز على الإنسان نفسه والغوص في اكتشاف ميوله، مواهبه، قدراته العجيبة والسر الذي يحرك داخله ويجذب الكون له. 
عندما وصلت هذه المواضييع لمجتمعاتنا لم تصل منقّحة أو معدلة بل وصلت مترجمة حرفياً، وحتى بعد اطلاع المثقفين العرب عليها وانغماسهم بالبحث فيها ووصولهم لمرحلة التأليف، للأسف نجد الأغلبية تُكرر نفس الكلام دون أن تقيسه بمعايير الثقافة المحلية من أمثلة وإطارات ومحاذير.

هذه الملاحظة لم تأتِ من فراغ، كان أول ما لفت انتباهي لها أثناء بحث التخرج العام الماضي عندما كنت أبحث في كتب تطوير الذات التي تخاطب المراهقين في السعودية، وللأسف كانت تخاطبهم كأي مراهقين في أي كوكب آخر وهو أمر غير مقبول! من ضمن الانتقادات عليها على سبيل المثال ماتورده من أمثلة حين تتحدث عن حل المشاكل، فنجد فيها قصة عن فتى تركته صديقته ويمر بحالة نفسية صعبة أو عن طالب يواجه صعوبة مع والده الذي يتعاطى المخدرات، أو أنها تتحدث عن طريقة تعامل الطالب مع مدرسه ولكنها بنموذج الفصل الأمريكي وليس العربي، وهذا ليس نقصا في أمثلتنا المحلية أو وفرتها ولكنّه قصور في المترجم والمؤلف المنبهر بكل الثقافات الأخرى باستثناء ثقافته.
مايعنيني من هذا الموضوع وإن كنت أهتم بشدة لما يُخاطب به أبناء المجتمع خصوصاً الفئات الصغيرة، لكن ما يعنيني في هذا المقام هو التنويه على هذا التركيز العجيب على كلمة "الذات" وليس من حرج لغوي في استخدامها، ولكنها الطريقة التي تُصوِّر هذه الذات وكأنها قادرة على صنع كل شيء وتغيير كل شيء والتصرف وفق هواها ورغباتها دون أن تُهذّب. والحقيقية غير ذلك تماماً. الذات الإنسانية لو تركت لتصنع ما تريد لعاثت في الأرض الفساد لأن لكل إنسان ميوله المختلفة عن غيره ويستحيل أن يتفق اثنان بصورة متطابقة وهناك فطرة بشرية وميول نحو التنافس وغيرها من العادات التي يؤدي التمادي فيها للضرر. علينا أن نفهم أنه ليس من الضعف أن يفهم المرء الإطارات التي يجب عليه أن يحترمها كالمجتمع مثلاً وأن النجاح لا يعني الثورة على الجميع بل في كثير من الأحيان تكون هذه الأُطر هي المحرك للتصرفات الإيجابية والمثمرة وأعني الدين في هذا المقام. 

أنا أريد، أنا أستطيع، أنا أقدر، أنا وأنا وأنا حتى أصبحت الثقافة متمركزة في هذه الذات ووصلت للأنانية، يفكّر الإنسان بأهدافه ويضعها وفقاً لمصالحه الشخصية ويضرب برأي من حوله عرض الحائط بحجة أنها حياته وليس لأحد أي رأي في ذلك. 
الموازنة مطلوبة في كل الأمور وإيمانك بذاتك وقدرتك أمر مطلوب، لكن عليك أن تتيقن أن ذاتك ومهما بلغت فهي لاتزال خاضعة لإرادة الله وتسييره، لا يمكنك أن تنجح إذا لم تؤمن أولاً بقدرة الله عليك وبحاجتك لتوفيقه وبقِصر حولك وقوتك إلى حوله وقوته وكنت أتوقع من الباحثين إدراج هذه النقطة في بداية مؤلفاتهم كقاعدة أساسية للنجاح وتطوير الذات بدل من التركيز على جنون العظمة الذي نقرؤه وأصبحنا نستمع إليه مؤخراً، وقد يعتقد البعض أن هذا من الأمور البديهية لكن الأصل وإن كان تلقائياً إدراكه فهو أولى أن يؤرخ من غيره. أضف إلى ذلك أن نجاحك يشمل نجاح عائلتك والبيئة المحيطة بك، لا يمكنك أن تخطط لنفسك فقط لأن الحضارة التي نسعى لها والتي تزعم تلك المؤلفات أنها تملك السرّ للوصول إليها لا تقوم على الأفراد بل على الجماعة والفريق. 

في كثير من القصص التي تحكيها هذه المواضييع نجد المسافرين إلى الهند أو الصين الباحثين عن الحقيقة وعن الاتصال بالطبيعة والبعد عن النموذج الاستهلاكي المادي من الحياة والتعمق في أصل الروح والحياة، وفي كل هذه الرحلة هم لا يبحثون سوى عن الإيمان الذي يعطي للروح اتزانها ويحقق لها فيما بعد النجاح بكل أبعاده. كونك مسلم تقرأ في مثل هذه المواضييع يجعلك واعياً أكثر لما بين يديك من نعمة لم تسعَ لها، ويعطيك تصوّراً عن طبيعة الحياة المادية التي ستنتهي إليها لو لم تكترث بدينك وبمجتمعك. 

نحنُ عندما نطبق قيمة الإحسان على سبيل المثال، نُحسن لأنّنا نقرأ قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله" وليس بدافع الشفقة أو الإنسانية فقط لأنّ هناك دافع أقوى يحثّنا نحو الفعل الكريم ينبعث من إسلامنا، وكذلك يجب أن يكون المحرك لكل تصرفاتنا، وسواء كانت هذه النقطة حاضرة في ذهنك وقت الفعل أو لا فإنك نشأت في بيئة تحثُ عليها راجية الثواب قبل غيره وستؤجر عند احتسابها! 

حماسك نحو التطوير وتحسين شخصيتك وصفاتك أمر في غاية الروعة، إنّه مؤشر جيّد على طموحك للأفضل لكن كُن واعياً لما تقرأ مُدركاً للأصل قبل أن تتوسع في الفروع حتى لا ينتهي بك المطاف وقد ضيعت الإثنين وأصبحت نسخة تشبه غيرها لا جذور لها تحميها من متغيرات الزمن. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Feature Post