السبت، 30 أغسطس 2014

أنا وأنت كلٌّ منّا على ثغر!

كنتُ في حديث قبل فترة مع مسؤولة عن أحد الأندية التطوعية حول عظيم أجر من يعمل لله عز وجل وبالتحديد من يستحضر هذا الأجر كأسلوب حياة في كلّ مايعمله، عظيم الأجر لايكون فقط بالأجر الأخروي عند الله ولكنّ المرء يجد لذته في الدنيا حيث يستمتع بما يفعل ويخلص في اتقانه ويفتح الله له بنيته أبواباً لم تكن لتخطر على باله.
كلّنا يعرف هذا الكلام وما من أحد إلاّ وقرأه أو سمع به، لكن عندما نأتي للواقع نجد أنّ تصرفاتنا لا تمت لهذا المعنى العميق بصلة.
منذ البداية وعندما نبدأ بادراك تصرفات الآخرين نحونا وعلى سبيل المثال في المرحلة المتوسطة عندما نقابل معلّماً يجتهد في تصعيب الدروس، وآخر لا نجد اجتهاده إلا عند حضور المشرف أو المسؤول للصف، يستنكر جميع الطلاب عليه ذلك ونتوعدّ بأننا وأنّنا لو كنّا مكانه فلن نكون مثله أبداً، وفي مرحلة متقدمة ندخل الجامعة ونقابل مختلف الأشكال والألوان من الإداريين والمحاضرين ومنهم من يُحسن ومنهم من يسيء ونظل موقنين بأننا لن نصبح مثلهم أبداً وسنكون مخلصين وماإلى ذلك من حلو الكلام.
وتمرّ السنين...
ويصبح ذلك الطالب أستاذاً في المدرسة وذلك الجامعي محاضراً ويكون ربّما أسوأ من النماذج التي قابلها. هل تعتقد أنّ هناك من قفز على كرسي الوزارة أو الإدارة وحصل له ذلك فجأة؟ كلهم يوماً كان ذلك الطالب الذي انتقد وذلك المواطن الذي عانى، ظلّ عقله في تقدّم لكنّ نيته تغيرت أو ربّما نسي ماكان يدعو بالأمس، أحياناً تتعجب من تصرفات بعض الأشخاص وتتساءل ألم يجرب يوماً أن يكون تحت مسؤول؟ لمَ قد يُسيء عمداً من مرّ يوماً بتجربتك؟ لكنّه وإن كان يوماً في موقفك فقد أعمته الدنيا ولربما يعتقد أنّه يقدم خدمة للعالم بما يفعله حتى يصنع نماذج تشبهه.

يقول خير البشر محمد صلى الله عليه وسلّم: “ كلّ رجل من المسلمين على ثغرة من ثغر الإسلام، الله الله لايؤتى الإسلام من قبلك” فكلّ مسلم هو سفير لهذا الدين مهما كانت صنعته وكلنا سفير لهذه الرسالة أيّاً كانت مناصبنا وسنُحاسب. المشكلة أننا نعتقد أنّ خدمة الإسلام يجب أن تكون في المحافل الدعوية وخُطب الجمع لكنّ فضل الله واسع وأبواب الخير كثيرة “إنّ المؤمن ليبلغ بنيته مالم يبلغ بعمله”! 
نحنُ الآن على أعتاب عام دراسي جديد وأنا هنا أخاطب نفسي قبل الجميع، ولعلّ الحديث أمام الملأ يُحمّل المرء المزيد من المسؤولية في مراقبة سلوكه، لنستحضر نيّة العمل لأجل الله وأعتقد جازمة أنّها الحل لكلّ مانعاني منه في مختلف المؤسسات لأنّ صناعة النية هي صناعة توجه وفِكر وبالتالي سلوك. لو أنّ نيتك في استيقاظك وذهابك للمدرسة أو الجامعة هي طلب العلم لخدمة أمة، لو أنّ نيتك فيما تُعطيه وتبذله من وقت هو إصلاح مجتمع، لو أنّ نيتك في اتقانك لحرفتك هي مسلم قدوة وعمل لما يحب أنّ يراه الله من إخلاص، وغيرها من الأمثلة كثير، عندها ستتغير نظرتك للأشياء وتعاملك مع الناس، وسيزيد صبرك وستوقن أنّ أجرك هو ماتنتظره عند الله، ولن تنسى معاناتك في قديم الزمان ووعودك التي حقق الله لك منها المنصب ليختبر صدقك في تأديتها.

جرّب أن تجلس مع نفسك الليلة وحدثها عن ١٠ نوايا صادقة تحتسبها فيما تنوي فعله لهذا العام، اجعلها حاضرة في ذهنك وذكّر بها قلبك قبل أن تُقدم على أيّ عمل بالقبول أو الرفض. الأمر ليس بهذه السهولة وهو يتطلب الجهاد ومن يعقد العزم عليه لابد أنّ الله سيختبر صِدقه ولكنّ التزامك به سيجعلك ثابتاً في زمن قلّ من يثبت فيه وستكون عنده مرتاح البال لأنّك موقن أنّك مستخلَف لإعمار الأرض لا للتجبّر فيها.  

الأربعاء، 2 يوليو 2014

"مشاكل اليوم مابدها حل امبارح" !

سامسونج أطلقت قبل فترة "الغسالة الذكية" شفت اعلانها قريب ومن ضمن الميزات العديدة الي أبهرتني إنّ فيها امكانية التشغيل بالواي فاي بمعنى لو الأم قاعدة بالصالة وحبت تشغل الغسالة تفتح أبليكيشن من جوالها وتعطي أمر "غسيل". 
هذي الصورة هي تطور طبيعي للثورة التكنولوجية اللي قاعدين نعيشها بس لمن يوصل الوضع إلى الغسالة وليش مركزة عليها هنا لأنّ الغسيل عملية أساسية في كل بيت، الثورة في الجوالات ممكن تصنف ضمن الكماليات على الرغم من إن الجميع أصبح يملكها، لكن لمن يوصل الموضوع لثلاجة، غسالة، تلفزيون، مكيف هذي الأشياء اللي تستهدف كل الناس بمختلف مستوى تعليمها وبغض النظر عن خلفياتها وتجاربها السابقة مع التكنولوجيا، وتخاطبها بلغة سهلة واضحة أساسية، لمن نوصل لهذي المرحلة يصير التنبؤ بالمستقبل شي صعب! 
هذا على مستوى العالم، طب على مستوى محلّي وين قاعدة تاخذنا الثورة التكنولوجية؟

أثناء فترة تسليمنا لمشاريع التخرج وبعد ماكنت مبهورة بتطور أفكار البنات من مجرد نظرية إلى مشاريع متكاملة مبتكرة تلامس قضايا اجتماعية نعيشها كل يوم، ورح تشوفونها قريباً بإذن الله، حضرت حفل تدشين أحد المناهج الجديدة. الشاهد في الموضوع إن المنهج استغرق العمل عليه سنوات طويلة وأعجبني كثير كمية الدقة واهتمامهم بأدق التفاصيل في كل اللي قدموه الله يعطيهم العافية.
صار لي فترة طويلة بعيدة عن طلاب الصفوف المبكرة لكن تفاجأت إن الوسائل التعليمية اللي كانت معروضة مع إنّ أفكارها مصممة لمنهج دقيق إلا أن مخرجاتها تشبه بالضبط الشي الي شفته لمن كنت أنا أدرس بالابتدائي. 
هالشي استوقفني كثير وتتابع هذي المواقف من ثورة سامسونج إلى أعمال الطالبات إلى هالمنهج اللي رح تعتمده الوزارة ورح يطبق للخمس أو العشر سنوات القادمة!
أتخيّل ايش كان ممكن يصير لو كان فيه قسم متخصص لتصميم المواد التعليمية والوسائل العملية لتوصيل المعلومات للطلاب والطالبات؟ الثورة اللي قاعدين نعيشها شملت كل شي من أفكار إلى مواد إلى تكنولوجيا إلى وإلى.. مو معقولة إني من ٢٠ سنة إلى الآن لازلت أستخدم نفس المواد بنفس الإخراج مع كل التطور اللي قاعدين نعيشه؟
يعني نتخيل كذا بيت فيه غسالة ذكية ويروح ولدهم المدرسة يلقى سبورة طباشير؟
أنا مش مع ان التكنولوجيا تطغى على التعليم بالعكس المواد المهارية وتعلم الحِرف ضرورة من ضرورات الحياة لكن لابد يكون للتعليم نصيب الأسد في مواكبة التطور لأن الجيل يُبنى من المدرسة ويتوقع منها تكون محضن يوجه الطلاب للاستخدام السليم والذكي لكل الأشياء اللي بسهولة في وقتنا الحالي يقدر يحصل عليها.

كم طفل عنده آي باد؟ على الأقل في كل بيت طفلين إلى ثلاث لكن كم واحد منهم يستخدم هذي التقنية في غير اللعب ومشاهدة يوتيوب؟ 

لمن أدخل على بيهانس وأتفرج على الأفكار اللي تستهدف أطفال المراحل الإبتدائية وأصغر واللي في نظري مرحلة مهملة في كثير من الأحيان بحجة إنهم "صغار" وأشوف الوسائل التعليمية المصممة وفق سيكولوجية الطفل وتعامله مع العالم الخارجي واستخدامهم للخشب والبلاستيك والوسائل "المصنعة" خصيصاً للأطفال بحيث تكون صديقة لهم، يعجبني وأنبهر وأرجع للواقع وألقى الأساتذة لازالوا بالدبل ستك والدباسة وصور الكلب آرت؟ ليش لازالت هذي الوسائل الأساسية تعتمد على اجتهاد المعلم ودرجة حرص المدرسة ومين اللي قاعد يراقبها؟  
فيه فجوة كبيرة وفيه مشكلة مو بس قاعدة تأثر على تقبّل الطفل للمعلومة لكن على مجتمع بأكمله! لمن يكون فيه فرق كبير بطريقة تلقي المعلومات بين مايعتبر رسمي وصحي ومفيد وآمن "المدرسة" وبين الحياة الحقيقية ومتطلباتها!
أي علم لمن نجي نتعلمه نبدأ من الأصل وكيف بدأ وكيف تطور إلى مانوصل للأشياء المتوقعة لهذا العلم في المستقبل. الحمدلله التقنية سهلت علينا خطوات كثيرة جداً واختصرت علينا بحث طويل في الكتب والمراجع وصار سهل علينا نقرأ تاريخ الأشياء ونبحث في أصلها، لكن المشكلة إننا نغرز في التاريخ ونوقف البحث. 
في مهارات كثير ومعلومات أساسية تعلمتها في الجامعة كنت أتمنى لو إني أعرفها من مراحل مبكرة، كنت رح أطورها من بدري ورح أعرف غيرها بصورة متتابعة وسريعة، لكن للأسف كان مفروض أستنى دخولي الجامعة ومحاضرة في سنة خامسة عشان أعرفها.

ماأعرف هل الخطاب هنا موجه للوزارة؟ للمصممين إنهم يتبرعون؟ أو للمدرسين عشان يجتهدون أكثر؟ كل اللي أعرفه إن فيه مشكلة مضايقتني جداً ومتحسفة على طاقات قاعدة تضيع في غير محل.  


الجمعة، 11 أبريل 2014

لماذا رفضت بعد المقابلة؟

في العام الماضي عندما كنّا نبحث عن فرص للتدريب في فترة الصيف، تواصلنا مع أحد المؤسسات ورحب بنا كثيراً بحجة أنه في انتظار المصممات السعوديات ويبحث عنهنّ منذ فنرة ووعدنا بوظيفة ثابتة بعد التدريب. حدد موعد للمقابلة الشخصية وتقديم نموذج من أعمالنا في مجال التصميم الجرافيكي. ذهبت مع صديقاتي وأجرينا المقابلة كلٌّ على حده وكانت المسؤولة في تلك الفترة من جنسية غير سعودية. المهم أنه بعد ثلاث أسابيع وصلنا رد بالرفض مع اعتذار غير مبرر. انتهت القصة وحصلنا على فرصة أخرى في مكان آخر.
مايجعلني أستحضر هذه القصة الآن هو أنني قابلت من يمثل هذه المؤسسة في ملتقى المهنة وتحدثنا مطولاً عما تبحث عنه في موظفيها. ضلت المسؤولة “الغير سعودية” تردد كلمات مثل الحرية والانفتاح والسفر لأكثر من ١٠ دقائق وتتحدث عن وضع النساء هنا وأنها لاتفهم كيف يقضين أوقاتهن برتابة وملل. كان من أهم المميزات التي تبحث عنها الشركة أو مسؤولة التوظيف على الأقل أن تكون الموظفة ذات فكر مفتوح. قلت لها “أنا صاحبة فكر كثير منفتح لكني أغطي وجهي كثير برضو”. ضحكت ثم سألت: "من جد؟" تفاجأت بالرد وارتبكت، استتنجتُ أنها من كل السابق كانت تتحدث عن غطاء الوجه وربطت كلامها هذا بالرفض في العام الماضي. هي تعتقد أن الغطاء سيجعلك معقد أو غير منفتح. تحدثنا طويلاً  ليس لأحصل على الوظيفة ولكن لأبين لها بأنّ هذه الفكرة خاطئة تماماً. 
ماأريد الوصول إليه هو أنني لست عاتبة على هذه الموظفة التي أتت من بلد مختلف تماماً في ثقافته لتستلم أكبر منصب في قسمها بفكرها الغير صحيح وتصبح مسؤولة عن التوظيف أيضاً، ولكنني عاتبة على السعودي صاحب المؤسسة الذي لم يكترث إلا بسير العمل بغض النظر عمن يؤديه. 
المشكلة عويصة مع غطاء الوجه في كلّ العالم ولاأفهم كل هذا التحجير للنساء اللاتي يخترن هذا الطريق. حتى أنني لم أخبرها عن نوعية الغطاء الذي أرتديه ولربّما أصيبت في مقتل بعدها! 

عندما ذهبت لفن أبوظبي في نوفمبر الماضي عانيت من هذا الأمر أيضاً. المعرض كان مليء بالأجانب والكل كان يتحاشى الحديث معك بسبب عباءتك أو غطاءك. وكان هناك العديد من الأشخاص الذين يعتبرون وجودك في مكان "فنّي" بهذا المظهر أمراً مستحيلاً  ويطلبون تصويرك أمام المعروضات بحجة توثيق الفعالية، لكنّ أعينهم كانت تتحدث. 
أحد المعارض كان يقف عليها امرأة أمريكية وبّختنا بشدة عندما حاولنا لمس أحد المعروضات بلغة تدل على فكرتها المسبقة بأننا “لانعرف ماذا نفعل”. عندما بدأت بالحديث معها استغربت أنني أتقن الانجليزية وسألتني إن كنت درست في مدرسة عالمية وتفاجأت بالرد، واستغربت أكثر أنني أعرف الفنان وعلى اطلاع بنوعية المواد التي يستخدمها واتجاهه الفني. الخلاصة أنّ هذ الحكم المسبق مزعج جداً ويحرمك في كثير من الأحيان من فرص مؤهل لها. وفي كلّ مرة عليك أن تثبت العكس. هذا الموقف تكرر للأسف مع زميلة لي في دبي أيضاً في فعالية مماثلة حيث كانت مع اللجنة المنظمة وكانو يتجنبون وضعها في "الواجهة عشان ماتفشلهم"! ولا تقل لي بأنني أبالغ، لستُ أعمم على الكلّ  ولكنّ هذا الأمر شاهدته بعيني. 

إذا كنّا ننادي بالحرية ونطلب التغيير فعلينا أولاً أن نغيّر من أنفسنا ونظرتنا للأشياء، إذا كنت أنا في بلد الحرمين أقيّم من شكلي الملتزم ولاأحصل على وظيفة مميزة بسبب غطاء وجهي فأنا لاألوم كلّ من يتجنب الحديث معي ويرمقني بنظرات استغراب في بلدان أخرى!
أنا مؤهلة وأتحدث الانجليزية بطلاقة، أدرس الفن وأجيد النقاش ولايجب عليّ أن أثبت أيّاً من هذا لكل شخص يملك حكماً مسبقاً عليّ. وإذا كنت أحترمك مع كل الاختلافات في معتقدك وهيئتك فمن باب أولى أن تحترمني في المقابل. إذا كنت ترا أن كشف الوجه دليل على التحضر فأنا أرى أن تغطية الوجه دليل على الالتزام، ولايعني أنني سأخل بواجباتي أو أصبح أقل مسؤولية من غيري. لايعني غطائي أنني سأعطي عملي نصف الوقت أو أنني لن أتقن ماأقوم به!
التفكير في مناقشة هذا الموضوع مزعج جداً وأنا آسفة لأنني مضطرة للتعامل معه، لكنني أعرف أنّ هناك الكثير ممن لهم نفس التجربة مع اختلافها ولذا أردت أن أكتب عنها، علّه يفيد ويغيّر شيئاً من الحكم المسبق أو الصورة النمطية لدى من يقرؤه.

الثلاثاء، 21 يناير 2014

نص أدبي.

لاشيء وليد الصدفة. 
كل الانفعالات والمشاعر التي نمر بها هي نتيجة لتراكمات مسبقة، أمور تغاضينا عنها، مواقف لم نتفق معها، برامج اقتنعنا بوجة نظرها والكثير من الأشياء التي لم نلقِ لها بالاً! 
تلك اللحظة التي نغرق فيها بكمية عميقة من المشاعر التي تباغتنا ليست في الحقيقة إلا حصيلة لكل مامرنا به قبلاً. 
احتَضنتُه بين يديها لدقيقة كاملة أو تزيد، لم يصرخ، لم يتحدث كالعادة وكأنّ كل شيء كان مهيئاً لها تلك اللحظة حتى تعي فكرةً قبل فوات الأوان.
احتَضنتُه كما لم تفعل من قبل!
كانت حرارة دموعها تبلل طرفاً من كتفه لكنه لم يشتكِ أو يتذمر على غير العادة!
تعثرت في عينيه، ابتسمت له، ثم بدأ يتحدث ويسأل ببراءته التي طالما أسرتها. 
تلك الدقيقة غيّرت شيئاً في تفكيرها للأبد..

قبل أن تمسكه بدقائق كانت تحمد الله على كل حال، لم يكن كأي دعاء رتّلته فهذه المرة كان نابعاً من قلبها ثم احتضنته وأدركت أن كل النعم بمافيها هُوَ، يمكن أن تذهب مابين غمضة عين وانتباهتها..
لاشيء تخشاه في هذا العالم أكثر من فقدها لأحد أحبابها. هذا الخوف الذي تذبل معه في كل يوم لأنها لا تحتمل توابع الفكرة.
لو أنّ العالم أدرك ماشعرت به في تلك الدقيقة لما كان هناك متجبرون أو ظلمة لأنهم سيكونون على يقين حاضر بأنّ كل شيء مصيره للزوال!
أرادت أن توصل هذا المعنى لكل من تعرف، أرادت أن تصرخ به بأعلى صوتها لكنها لم تستطع! وحتى وإن فعلت فلن يجدي نفعاً لأنّ الانسان يجب أن يعيش التجربة حتى يدرك معنى قوياً كهذا ولربما يعرفه الكثيرون لكنهم لم يجرّبوه مثلها.

تلك الدقيقة جعلتها تشعر بالفضل لكل تلك الأيام والمحن التي مرت بها والتي ربما أصّلت شيئاً مختلفاً في طريقة تفكيرها ونظرتها للأمور جعلتها تقرؤ بين السطور وتُحس شيئاً لا يُعير أكثر الناس له أدنى انتباه.
تأملت في حالها وحال من عرفت. يعيش الناس ربما في بيت واحد لكنهم يخوضون تجارب مختلفة تماماً وتتكون لهم تبعاً لذلك شخصيات ووجهات نظر لاتشبه بعضها وقد تتعارض في كثير من الأحيان. كلّ تجربة هي قدر الله الذي يهيئنا لمستقبلٍ لانعرفه، وكأنّ مامرّ من حياتنا هو معسكر تدريبي لما سيأتي بعده، وكأنها مراحل نجتازها لنتأهل لما بعدها..
ولو عاش انسان آخر في وضعك الراهن دون أن يكون له خلفيتك الماضية فلن يتحمّلها ربما أو ربما ينسحب ويتذمر لأنه لم يتوقعها.
تأملت في هذه التقلبات التي تمر بها مؤخراً، اعترتها رعشةٌ مما سيأتي، مما تخبّئ لها الأيام من أحداث. لم تعرف كيف تُطمئن نفسها، لم تعرف إن كان بامكانها أن تهربَ من هذه الأفكار، أن تتخلص منها وتريح عقلها الذي لايتوقف مطلقاً عن التفكير!
هذه الأفكار كأغنيةٍ علقت في عقلك، ترددها حتى تستولي عليك، تصبح وأنت تترنم بها ثم تصل لمرحلة تريد اخراجها من ذاكرتك دون جدوى! حتى تمسي وأن تلعنها.
لو كانت هذه الأفكارُ خرساء لكان الأمر أهون، لكنّها تثرثر طوال الوقت. تحاول أن تصرخ، تريد صوتاً أعلى منها، تُسرّع من خطواتك، تركض، تبتعد قدر الامكان، تصرخ بصوتٍ أعلى. دون جدوى. 
تركض بسرعة أكبر، تضع سمّاعة في أذنك، تستمع لأي شيء، لايُهمّ مايكون المهم أن له صوتاً أعلى من الأفكار في رأسك، تردد الكلمات بصوت مرتفع. دون جدوى! 
تجلسُ يائساً في النهاية، يظنّ من حولك أنّك مجنون، لكنّ الحقيقة أنّك طبيعيّ جداً، ورغم أنّ الجميع قد يكون مكانك الآن إلاّ أنّ أحدهم لايجرؤ على الاعتراف بذلك. 
تجلس يائساً، تتأملّ حالك. تنهار بالبكاء، تنهار دون مقدمات. دمعاتٌ متتالية تنهمر من عينيك دون ارداتك، دون أن تطلب إذناً! وفجأة تجد نفسك تشهق بكاءً حاراً وتتمنى لو ينزل المطر الآن في هذه اللحظة لتتمكن من طمس وجهك بين قطراته.
لكنّ المطر لم ينزل ودموعك لم تتوقف. 
تأخذ نفساً عميقاً، تعيدُ لملمة أشتاتك وتنطلق من جديد وكأنّ شيئاً لم يكن. يقابلك صديق قديم في الطريق تضحك له وتدردش وكأنك غيرُ الشخص الذي انهار قبل لحظات. تكمل حياتك على هذا النحو بصورة علّق عليها أحدهم مرةً بأنها هستيرية.

لم تكن ليلتها مختلفة عن هذه الرواية، شيء هستيريّ لم تفهمه بالضبط، كان أعمق منها، وأكبر من أن تشرحه لأحد. تلك الليلة أدركت أننا حصيلة مانختبر، انتابها احساس بأنّ ماتمر به يحمل غداً جميلاً، لم يكن احساساً صادقاً لكن كان عليها أن تتشبث به بكل قوتها حتى تستطيع أن تعيش للغد. ارتعشت مرةً أخرى لكنّ هذه الرعشة لم تشبه سابقتها.
تمتمت بقناعة تامة: لاشيء وليد الصدفة.. 

تمت.

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

السنة الماضية في مثل هذا الوقت تقريباً كان لدينا مشروع يدعى:"صدمة حضارية" الفكرة هي أن تأتي بمدينة لها ميزة غير معروفة تعرضها بطريقة فنية مبتكرة بهدف انو أي أحد يشوف أو يسمع أو يشترك فيها يعيش تجربة حقيقية للميزة المطروحة. 
لمن تكون انت في خضم المشروع غير لمن تتفرج عليه ولمن تتفرج عليه وعندك خلفية ممتازة عنه غير لمن تكون مشاهد عابر. هذي السنة واليوم تحديداً الدفعة اللي أصغر مننا عملو نفس المشروع و حضرنا اليوم عرضهم. 
الأفكار كانت مختلفة تماماً عن اللي طرحناها وفعلاً تستغرب قد ايش في أشياء غير معروفة عن حضارات معروفة جداً. مثلاً أحد المشاريع كان يتكلم عن فيتنام وإنهم مشهورين بالقهوة! مشروع ثاني كان يتكلم عن الفاشن النازي وكيف انو هتلر عيّن هيوجو بوس كمصمم للبدل العسكرية للنازيين! 
مين كان يتخيّل بس؟
النقاشات اللي انطرحت وكمية المواضيع الغنيّة كانت ممتازة، وهذا أحد أكثر الأشياء اللي أحبها بالديزاين. التصميم مش شكل ولا رموز جميلة التصميم فكرة عميقة تحكي تاريخ تحكي قصة حتى لو كانت شخصية. أما التصاميم السطحية فتموت بوقتها بدون مايذكرها أحد. 
مع كلّ هذي الثقافات المختلفة من الشرق لين الغرب كان الختام مشروع يتكلم عن فلسطين. عنوانه كان "سُرّاق"  صاحبة المشروع اسمها سميّة العقيل ويمكن الاسم مألوف للبعض.

                                     
سميّة من الأشخاص الي أي مشروع تسويه يكون فيه لمسة عربية، لمسة أصالة لمسة مختلفة وجميلة جداً. 
المشروع كان يتكلم عن الحضارة الفلسطينية المسروقة وكيف انو تاريخ فلسطين جالس يُعرض في متاحف عالمية على انو تاريخ اسرائيلي! 
كان في عبارة جميلة جداً مكتوبة في بداية المعرض "الكبار يموتون، والأطفال ينسون" !
إلى أيّ مدى هذي العبارة صحيحة؟ 
إلين آخر سنة بالثنوي كنت أحس بانتماء شديد لعروبتي، لديني، لتاريخ الإسلام، لكن ومن أول سنة بالجامعة وفي بداية المشاريع لمن نبدا نبحث عن مصممين معروفين وندرس طرقهم بالتصميم لين آخر سنة تقريباً لمن نناقش برضو أعمال مصممين معروفين ونحلل كيف فكروا وعكسوا نقاط قوتهم في المطبوعات وغيرها. هذا الانبهار العجيب اللي نتلقاه كلّ يوم في كلّ محاضرة من كل النواحي يخلي همّة الواحد مش زي قبل. 
مع كذا في أول مشروع أنا اخترت مصمم عربي وفي آخر مشروع برضو فكرة وطنية. بس هذا كان اجتهادي الشخصي، اختياراتي المبنية على خلفيتي الفكرية اللي نوعاً ما مختلفة. 
اليوم وسمية تتكلم، نبرة صوتها والجوّ اللي عيشتنا فيه، لمن سألوها ليش هالموضوع قالت بكل بساطة: "أنا كبرت على هذا الموضوع". خنقتني العبرة واستوعبت قد ايش احنا مقصّرين تجاه قضايانا اللي محد يفهمها غيرنا ومع كذا سمحنا للناس تتكلم بلساننا وتحكي أشياء غالباً تكون غلط! 
السؤال مش ليش، السؤال ليش لأ؟ 
مسؤولية المصمم تتعدى رفع ذائقة الناس الجمالية إلى تعليم الناس وتثقيفهم بالأشياء اللي غافلين عنها. وإذا كانت نتائج شغلنا جميلة ايش الفايدة إذا كانت ماتعبّر عننا؟ عن مشاكلنا؟ عن بيئتنا؟ 
ايش الفايدة اني أتخرج بعد خمس سنين وأنا شغلي يشبه أي مصمم في العالم بس الفرق اني بكتب بالعربي؟ 
لو كان في شي حتى بعد الثنوي يأكد على هذي القضايا، يرفع حسّ المسؤولية لدى الناس الجامعيين خصوصاً بمختلف تخصصاتهم كان طلعنا بمخرجات مختلفة. مخرجات تعبّر عن ثقافتنا وعن التزامنا بالقيم. 
المصممين اليوم، على الأقل المصممات في منطقتنا يعتبرون الدفعات الأولى لمفهوم الجرافيك في المنطقة. تخيّلوا بعد عشرين أو ثلاثين سنة لمن نسأل مين بدا؟ ايش شغلهم؟ ونجي نسوي تحليل ونقد فني لهذا الشغل، كم مشروع بنلاقيه فعلاً يعكس الفترة اللي احنا نمرّ فيها؟ ،وكم مشروع بيكون لمصمم مثقف تأثر بالعولمة وبموجة التطور الحالية؟ 
كم تصميم سويت يعبّر عن ثقافتك؟ عن بلدك؟ عن دينك؟
هذي المسؤولية، هذا الوعي لو مات فينا ايش بيكون وضع الجيل القادم؟ أنا مش قاعدة أتلكم عن اهتمامات شخصية، أنا أتكلم هنا عن واجبنا تجاه العلم اللي تعلمناه. 
بالنهاية خيارات كلّ شخص تختلف، طريقة تعبيره بفنّه تختلف، كلّنا نعرف انو الصورة هي أقوى طريقة  للتعبير عن الفكرة وأنا متأكدة انو في مجموعة كبيرة جداً تحمل نفس الهم وعندها نفس التوجه. 
كنت أتمنى انو خلال دراستي أخذت مادة مفصلة تحكي تاريخ الفن الاسلامي، شي متخصص محترم مش خبط لزق أي كلام. 
أنا مش ضد اننا نتعلم من الثقافات الأخرى بالعكس هذا الشي يوسّع مداركنا ويختصر علينا شوط كبير، لكن بالنهاية وبعد ماآخذ هذا العلم كيف أصبّه بطريقة تعبّر عني، تعبّر عن البيئة اللي تشبهني هنا المحك. وهذا لايعني انو تكون المخرجات تقليدية أو كلاسيكية بالعكس التحدّي اني أوظفها بطريقة تتماشى مع العصر الحالي لكن ماتفقد روحها المتفردة.

فكّروا فيها، كم من الأشياء اللي كنّا نشوفها عظيمة وصار طاريها مثل أي شي عادي؟ 




السبت، 19 أكتوبر 2013

من يضمن لي النجاح؟

عندما تقابل أشخاصاً بمهارات عالية، أعلى منك! 
بخبرة طويلة، أطول بكثير من خبرتك!
بعلاقات ناجحة لا تشبه شيئاً من علاقاتك الحالية!
لهم باع طويل في مجال من مجالات اهتمامك أو تخصصك ومع كلّ هذه الفروقات أو الامتيازات لم ينجحوا، لم يحققوا ذاتهم، وانتهى بهم المطاف بمشاهدة التلفاز والعيش وحيدين ليس لهم من كل مما عرفوا سوى الذكريات!
ثم تنظر لنفسك ومع المقارنة التي فكرت بها سابقاً تجد أنّ فرصتك بالنسبة لهم لاتساوي إلا صفراً. مالذي يمكن لمبتدئ مثلك أن يحقق؟ من سيعيرك الانتباه المطلوب؟ وكم هي فرصة تحقيقك لما ترغب به فعلاً؟ 
صدّق أو لا الفرصة هُنا تشبه نسبة واحد إلى مليون، لكنّ هذا "الواحد" هو السبب الوحيد الذي يدفعنا للاستيقاظ يومياً والعمل بجد والاستمرار في القيام بما نقوم به لأجل الحصول على هذه الفرصة الوحيدة التي يمكن أن تغيّر حياتنا وتقلب موازيننا رأساً على عقب. 
الأمر يشبه احتمالات عودتك لبيتك من العمل. كم نسبة الحوادث على الطريق؟ كم عدد الأشخاص الذين تعرفهم فقدوا حياتهم أو أقاربهم في حوادث السير؟ كم نسبة الإصابة بالتماس بالكهرباء؟ ماهي احتمالات أن يسقط عليك شيء حاد؟ أو أن تقع على الطريق؟ أن تحترق بكوب الشاي؟ أو أن تُجرح بسبب صديق؟ 
باختصار الاحتمالات السيئة التي يمكن التفكير بها ليس لها حصر! ويمكن أن نستمر في تعداد الأشياء التي لن تصل بسببها إلى منزلك حتى اليوم التالي! 
لكن..
ولكنك لاتزال تذهب للعمل أو الدراسة يومياً حتى مع علمك بكل هذه النسب! 
هذه الفرصة التي تساوي واحد في المليون التي تنتظرها قد تكون أشياء بسيطة كمقابلتك لشخص معين وقد يكون هدفك هو فقط الاستقرار الوظيفي لكنّها تشكل مخاطرة في أسوأ حالاتها وهُنا تكمن المتعة، لو عرفت الطريق دون مفاجآت لأصابك الملل لكنّ هذه الأحداث التي لا نتوقعها والأشياء التي لم تخطط لها هي ماتجعلك شخصاً مميزاً بتجارب مختلفة عن الآخرين. هذه الأمور هي التي تصنع منّا شخصيات لاتُشبه بعضها! وتجعلنا نهتمّ باكتشاف بعضنا واكمال النقص الذي نجده. 
فكّر بأصدقائك مثلاً، بعضهم يخاف من أشياء معينة بناءً على تجربة مرّ بها، البعض الآخر يحب الشتاء جداً، بعضهم لديه ذكريات سيئة مع حيوانات معينة. هذه المواقف التي مروا بها تؤثر فيما بعد على سلوكياتهم، ردات أفعالهم وربّما بعض من قراراتهم في الحياة! 
لايمكن أن نضمن النجاح. لايمكن لأحد أن يعطيك وثيقة تؤكد على وصولك لغايتك مهما كانت مهارتك ومهما بلغت من الذكاء. ومع ذلك لازلنا متمسكين بتلك الصورة في مخيلتنا، واثقين، ناجحين وقد أصبح ما حلمنا به حقيقة.
بصيص الأمل ونسبة "الواحد" هي مايبقيني متحمسة لاغتنام الفرص لعلّ أحدها يغيّر الواقع إلى أفضل ماأحلم به.

 ملاحظة: هذه التدوينة مستوحاة من مسلسل فني عُرض في التسعينات*



الجمعة، 20 سبتمبر 2013

أحبّ في بلدي

قبل أيام شاهدت مقطعاً على اليويتوب يتحدث فيه طبيب عن اختلاف استجابة المرضى للعلاج بناء على توقعاتهم السابقة وأنهى حديثه بأنّ مانفّكر فيه قبل القيام بأي شيء يؤثر فعلياً على حكمنا على الأشياء وهو ما أثبته بناءً على تجارب فعلية وليس كلاماً نظرياً فقط. 
دائماً ماأدخل في حوارات عن الوطن والثقافة المحلية وكيف ينظر أبناء البلد للبلد وأظنّ هذا الحال الجميع هُنا، يكفي فقط أن تدخل لتويتر حتى تعرف حجم السوء عند الكلام عن موضوع كهذا، ودائماً أستاء من هذه النقاشات وأفكر فيها طويلاً، لم لايستطيع الناس أن يروا شيئاً من الجمال أو الحسن حتى يضيفوه عند الانتقاد اللاذع الذي يقدمونه؟ لم لايستطيعون أن يتحدثوا عن أي مشروع وطني دون أن يدخل شيء من السخرية لحديثهم؟ ولاأعني هنا أنني استنثاء. 
أظن أن ماقاله الطبيب يشرح القصة، نحنُ نتحدث عن كلّ شيء بناء على التاريخ الطويل الذي يحكيه لنا آباؤنا وتثرثر به الأمهات مع قهوة الضحى وفي محادثات الواتس أب، نتحدث بناء على تجاربنا وتجارب أصدقائنا القليلة ربّما لكنها كفيلة بأن تخبرنا عن الوضع السيء الذي نعيشه وعن المشاكل العديدة في مختلف القطاعات التي نعاني منها. 
لاأحد يختلف على وجود المشكلة لكن ماذا لو كان هناك منظار آخر ننظر به للأمور؟ 
أفضل طريقة لفعل هذا هو أن تضع قدمك في حذاء شخص آخر شخص لايملك أي فكرة عن المشاكل الكبيرة ويهتم فقط باكتشاف شيء جديد جميل كل يوم وهو ماحصل معي. 
هذه السنة أدرس عند دكتورة أمريكية الأصل عاشت في السعودية لثمان سنوات وهي "بكل صدق" لاتريد مغادرتها. في كلّ محاضرة لاتنفك تنبهنا عن جمال هذا البلد وعن جمال ثقافتنا والأخلاق التي نعامل بها بعضنا وأهمية الشعور بهذا الأمر كمسؤولية علينا نحنُ مصممات المستقبل. 
في البداية كنّا نضحك باستهزاء "مو من جدها؟" وحتى أصدقاؤها في الخارج يلومونها لأنها اختارت السعودية مكاناً لإقامتها اضافة إلى أنها تدرس في جامعة حكومية أنّ مجال حريتها هنا بالمقارنة مثلاً مع جامعة أهلية محدود جداً. 
أعجبني تفكيرها جداً ومنذ ذلك الوقت وأنا أحاول أن أنظر بمنظورها للأشياء ليس بالحرف ولكن لنقل بطريقة لاتشبه نظرتي السابقة، في نفس الوقت كنت أفكر في كلّ الأشخاص الناقمين على وجودهم هنا والذين يريدون الخروج بأي طريقة ممكنة! 

مالذي أحبّه في بلدي؟ أو لنبدأ بسؤال أبسط، ماذا أحب في عائلتي؟ في نهاية الأسبوع مثلاً؟ في الأشخاص من حولي؟ 
أحب الاجتماعات العائلية في كلّ أسبوع، أحب فكرة العائلة التي يقدسها معظم الأشخاص، أحب الاهتمام الذي يوليه الآباء لأبنائهم والأبناء بالمقابل لآبائهم، أحبّ الدين الذي أراه في تصرفات الناس، في القائهم السلام على بعضهم، في تحريهم أخبار من يحبّون، في حرصهم على حضور صلاة الجماعة والجمعة تحديداً، أحب عندما أرى شاباً يمسك بيد والده ليساعده على النزول من السيارة للمسجد، أحبّ عندما يتسابق الجيران لمساعدة بعضهم وتقديم "الواجب" عندما يمرّ أحدهم بضائقة أياً كانت.
وصدّق أو لا هذا جزء من ثقافة البلد التي لن تجدها في أي دولة أجنبية إلاّ ماندر والتي لاينفك البعض من نهشها وانتقادها!  
البلد ليس فقط في الدوائر الحكومية والخدمات التي يقدّمها، البلد أو الوطن هو الأشخاص الذين يشعرونك بالأمان ويضيفون شيئاً من الحب لما يفعلونه، البلد هو طباع الناس من حولك والدكاكين الصغيرة و بسطة الخضار والشيخ الذي يلقي درساً بعد صلاة العشاء وأشياء أخرى أبسط مماتظن!
أتفق معك أن هناك الكثير من المشاكل والأشياء التي تنقصنا لكننا كأي بلد في العالم، ربّما نحنُ متأخرون أكثر بكثير مما نريد لكن مهما بلغنا من درجة في التقدم سنظل نطلب المزيد وسنظل "مش عاجبنا شي" لأنها الفطرة التي تقتضي بالمزيد والمزيد دون أن تقتنع بما تملك. وهو شيء مزعج جداً حينما يصبح عادة تقوم بها دون تفكير، وإذا استمرينا على هذا النحو فسينتقل لأبنائنا وأبنائهم وسنظل ندور في حلقة مفرغة لا خلاص منها.
لذا في المرة القادمة التي تقود فيها سيارتك أو تخرج لعملك أو تتحدث مع أهلك حاول أن تنظر بعين الشكر لا بعين الانتقاد لماتملك ومايمكنك أن تفعله واسأل نفسك بكل صراحة مالذي أحبه في بلدي؟ 

Feature Post