الاثنين، 15 أكتوبر 2018

وداعاً -كيت-

الموت. الشبح الذي ندرك حقيقتة وجوده، نسمع عنه ونتناقل القصص عمن زاره ونؤمن به كيقين مؤكد في دنيا فانية لكننا لا نستوعبه حقاً حتى يزورنا بصورة قريبة. قريبة مفاجأة. قريبة مفجعة. 
توفيت البارحة زميلتي في العمل. معلمتي. ملهمتي. جارتي في المكتب. لاأعرف أي وصف أختار لها، كانت أشياء مختلفة متضادة ومتناغمة.. عرفتها منذ اليوم الأول لها في الدمام ومرت علاقتنا بمراحل مختلفة اختلفنا في كثير منها وتعلمت منها في كثير آخر. 

لقاؤنا الأول 

أذكر تفاصيل محادثتي معها عندما رأيتها للمرة الأولى، وأذكر شغفها في أول محاضرة عندما حدثتنا عن خلفيتها ومسقط رأسها وعملها في جدة في الجامعة وعلاقتها الممتازة مع طالباتها الخريجات.. انبهرنا بقصتها عندما سمعناها للمرة الأولى وضحكنا كثيراً بعدها عندما بدأت تكرر القصة في محاضرات أخرى.  

كانت تحب الحديث وتتقن أصوله، فعندما تبدأ بسرد موقف أو إسداء نصيحة تستطرد بالحديث وتنقلك من عالم لآخر بأسلوب لاتملك معه إلا الاستماع والإستمتاع. تتحدث دائماً من خبرتها وتملك تجارب لاتعد ولاتحصى. 
عندما بدأت بالعمل درست معها في أول ترم لي بالجامعة وكنت أتعجب من قدرتها على الارتجال حينما تباغت بموقف غير مخطط له أو سؤال خارج النص وكانت دائماً تملك حضوراً يضيف لخبرتها في الحديث فتبدو متأكدة جداً مما تقوله، وقد تكررت المواقف حينما تتحدث بحزم ثم تلتفت علي بابتسامة ساخرة تتبعها ب”لاأعرف مالذي قلته للتو”.. 
مداخلاتها المثرية في الإجتماعات وإضافاتها الأكاديمية المثرية لايمكن حصرها حتى أطلقنا عليها "queen of rubrics" لقدرتها على فهم وإعداد هذه المصفوفات بصورة متميزة. 

مؤخراً كانت جارتي في المكتب أطل عليها كل صباح وأودعها في نهاية اليوم، أسأل عنها وعن يومها ونتحدث عن الطالبات بشكل أو بآخر، عندما كنت مسؤولة في المعرض الترم الفائت لا أنسى لها مساعدتها لي في عطلة نهاية الأسبوع وتكبدها عناء العمل الإضافي بكل رحابة صدر وبمبادرة سأفتقدها حتماً.. 
مررت بها الأسبوع الماضي لأحدث طالبات إحدى محاضراتها وكنت أمازحها “لقد افتقدتك منذ انتقلتِ للمكتب الجديد، علينا أن نجد بعض الوقت لنمضيه معاً”… سأفتقدك الآن للأبد… 

رحمته وسعت كل شيء 

حزينة جداً.. وأكثر ماآلمني أنها رحلت دون أن تُسلم. أريد أن أطلب لها الرحمة، أن أجمع لها الصدقات، أن أفعل الخير باسمها دون جدوى.. لو عاد بي الزمن سأحدثها أكثر عن الإسلام، ورغم أنها كانت في غاية الإحترام لكل العادات والتقاليد ودائماً ماتتحدث بلغة راقية عن السعودية وهي أفضل من أعرف من الأجانب في لف “الطرحة" ولبس العباءة إلاّ أن كل ذلك لايكفي دون الشهادة.. وفاتها أثرت فيني كثيراً واتصلت مباشرة بزميلة لي في الغربة أحدثها عن الإسلام وأجدني أدركت بصورة مباغتة أن الحياة لاقيمة لها إلم تحتوي أثراً بهذه القيمة. 
منذ أن تلقيت خبر الوفاة وأنا أبحث عن جواب لهذا التساؤل، ماذا يمكنني أن أفعل لها؟ وأعرف أن رحمة الله واسعة وأعرف يقيناً أن الله أرحم مني ومن غيري بها وهو أعلم بقلبها وصالح عملها وأدعوه أن ينظر لمافي قلوبنا لعله يشفع لها ويخفف عنها في وحشتها.

-
يأتي هذا الخبر لاحقاً لخبر وفاة محمد بن رافعة الذي فجعت به من قريب وأجدني متأثرة جداً بهؤلاء الذين عرفت باغتهم الموت وباغت أحبابهم.. أسأل الله أن يربط على قلوبهم ويلهمهم الصبر والسلوان. 
-

حسن الختام وطيب المأوى 

أيامنا في هذه الدنيا محدودة، تكاد تختفي في غمضة عين ودون استئذان.. أعد النظر في علاقتك بربك تفقدها يومياً واطلب المغفرة، أعد النظر في علاقاتك بمن حولك وانظر لأولائك الذين يعنون لك حقاً، أكرمهم واقضِ وقتاً أطول معهم فلاتدري أي في أي ساعة سيحين أجلك.. 
اللهم احفظ لنا أحبابنا ولاتفجعنا في فقدهم وأحسن خاتمتنا في الأمور كلها…  

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

معلم قيد التعلّم

لاأستطيع تذكر تاريخ بدايتي في التعليم فمنذ زمن طويل وأنا في هذا المجال، أتذكر دروس المصلى في المتوسطة وتطوعي في الصيف مع غراس أو لتدريس الأطفال في أحد المراكز الصيفية، بل لاأكاد أتذكر صيفاً دون أن أكون ضمن أحد هذه البرامج وأعتقد أن سنوات الجامعة صقلت هذه المهارة من خلال مهارات العرض العلمي وأسلوب طرح الأفكار بشكل أكثر حرفية. 

خط زمني 

أذكر خلال دراستي الجامعية إعدادي لدرس ديني أسبوعياً بيني وبين زميلاتي لايزال من أجمل ذكرياتي، كنت أستمتع بتلخيص الدروس وإعادة سردها بطريقة قصصية وتفاعل الأشخاص مع ما أروي كان حافزاً كافياً كي أستمر.
في السنة الثالثة، أنشأت نادٍ للقراءة مع زميلتي أسميناه تطوير وقدمنا من خلاله عدداً من الفعاليات. جاءتني  خلال هذه الفترة رسالة بترشيحي للمشاركة في المؤتمر العلمي من خلال تقديم ورشة عمل عن القراءة السريعة، كنت سعيدة جداً بهذه المشاركة وفكرة أن يتم ترشيحك لأداء ماتبرع به لأول مرة يمثل تحدٍ شيق قد يجعلك تستيقظ دون الحاجة للمنبه. 
وظيفتي الحالية أثارت عدداً لانهائياً من التساؤلات عن التعليم. سنوات عملي الأولى كنت فيها أقرب للمراقب المتعلم منها للمعلم، كنت في موضع يسمح لي برؤية الأشياء على بعد وغالباً يكون من السهل ابداء الآراء في مسائل لسنا بعد في موضع تحت ضغوطات اتخاذ القرار فيها. 
مؤخراً اختلفت القصة، فمنذ أن عدت من الماجستير استلمت مهام المحاضر وهي في القسم الذي أعمل فيه على الأقل لاتختلف عن مهام الدكتور المسؤول عن المادة بل أكثر. منذ أن يتم وضع اسمك في الجدول حتى تسليم التقرير النهائي عن المادة ومراجعة نتائج تقييمها مع رئيسك أنت المسؤول عن كل مايتعلق بها. مهام ومسؤوليات مختلفة وأمور قد لاتكون فيها خبيراً بعد وأحياناً تكون مهام غير محببة لأن الموضوع لا يتعلق فقط بحضورك وشخصيتك المميزة داخل الفصل لكنه يتعداه ليصل لمدى التزامك وجديتك وحضور شخصك مع الطالب ومع مرؤسك في نفس الوقت، تكون ليناً هنا حازماً هناك ومتفهماً في كثير من الأحيان التي لا تفهمها في اللحظة.

سؤال المرحلة

أكثر ماتعلمت منه ولاأزال هو حديثي مع زميلاتي في المهنة ونقاشاتنا المستمرة حول كيفية التصرف في مواقف مختلفة، فمن الصعب إيجاد كتاب تتبعه خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأشخاص حولك. يتبع كل منا نهجاً مختلفاً ويطرح الجميع وجهة نظره دون أن نتفق لكنني أستمتع بسماع الإختلافات ومنها أفهم أنّ الطريق الصحيح ليس بالضرورة واحداً.
أعتقد أن أكثر ماتحتاجه هذه المهنة هي الحكمة وسرعة البديهة، وكلاهما يتطور مع سنوات الخبرة، الممارسة والإستماع أكثر من الكلام، عندما لاتعرف كيف تتصرف وتساءل نفسك هل مافعلته هو الصواب فأنت تقوم على الأرجح بأفضل ماتستطيع، وهناك معلمون بالفطرة وآخرون يتعلمون وبعضهم ليست المهنة في دمه ببساطة والمؤهلات لا تقتصر فقط على التحصيل العلمي أو حضور الشخصية، بل أهمها الأمانة في التعلم ونقل المعلومات ومخافة الله في المسؤولية التي بين يديك وهو الدافع الأقوى خصوصاً عندما لاتكون في أفضل حالاتك.   

أحاول دائماً أن أرى الصورة الأكبر، أن أحب عملي كل يوم أكثر مما قبل وأن أكون على قدر من الحضور والإتقان الذي لا يقصر في حق طالباتي أولاً ثم في حق وظيفتي التي أؤمن بأنّ هدفها الأساسي هو إعداد الشباب لخدمة الوطن من خلال تعليمهم القيم والمهارات المطلوبة والمتوقعة لسوق العمل وإعدادهن للحياة بشكل أدق خصوصاً من خلال دراسة التصميم الذي غير حياتي شخصياً. 

لم يمت من له أثر*

كل يوم يزداد فهمي لمعنى التعليم بشكل أكبر، فأن تكون معلّماً لايعني أن تمارس مهنة التدريس فقط، هي أن تكون قدوة في نفسك أولاً ومن ثم في مجال تخصصك، أن تحتوي وتوجه وأحياناً أن تكون مرشداً مسؤولاً في نفس الوقت. أتمنى أن أكون معلماً ذو أثر وأعتقد أنني أمتلك المقومات اللازمة لذلك وأدعو الله أن يعينني على صقلها وتطويرها… 
يطول الحديث حول هذا الموضوع ولاأعرف إن كان ينتهي لخلاصة لكنني أحببت أن أوثق شعوري في بداياته حتى أتمكن من زيارة هذا الشعور بعد سنوات وأرى إن كنت أتفق معه أم لا.  

الجمعة، 3 أغسطس 2018

بعد الإبتعاث

رغم أنه لم يمض على عودتي من لندن سوى أشهر إلاّ أنني أشعر وكأنني لم أغادر من الأساس. أحياناً يصعب علي استحضار الأماكن واللحظات التي قضيتها هناك ويستوقفني دائماً أصحاب التجارب المشابهة وأنبهر عندما أقابل أحدهم ممن مضى على ابتعاثه زمن لكن قصص وتجارب المرحلة لاتكاد تفارق أياً من أحاديثه ويدفعني ذلك للتساؤل، هل النسيان، التناسي أو غيره شيء طبيعي؟
بعد عودتي بأسبوع باشرت العمل وانغمست مباشرة في مهام الجامعة والإنتقال لمنزل جديد والعلاقات الإجتماعية وأعتقد أنني مع زخم هذه الإلتزامات لم يتسن لي الوقت الكافي لأتأمل أو أفكر في وضع المرحلة مقارنة بغيرها. بالتأكيد الحياة هنا مختلفة عن غيرها وخلال زيارتي الأخيرة للندن فهمت بشكل واضح أن ماتغير علي لم يكن له علاقة بالمدينة نفسها ولكن بما تمنحه لساكنيها وتحديداً بالإستقلالية المبالغ فيها أحياناً. أسلوب الحياة، طبيعة العلاقات، والتفاصيل اليومية التي تجعلك إلى حد كبير تملك وقتك وتديره بالطريقة التي تريدها.
أمضيت فترة بعد عودتي أتساءل عمّا يجعل الأماكن وطناً ويحدد مصيرها بساكنيها، ولعل ماأثار هذا التساؤل بشدة هو تشتتي بين عدة منازل لفترة طويلة وبينما لم أجد صعوبة في تقبل مسكن جديد في لندن وجدت صعوبة بالغة في الإنتقال لمنزل جديد هنا، ماخلصت له حتى الآن وهي خلاصة متواضعة لازالت تتبلور هو أن المساحات الشخصية التي يجمعها الإنسان لنفسه والعادات اليومية التي يكررها في حيز معين، التفاصيل التي يضيفها، يعزلها، يطرحها من الأشياء حوله وأهم من كل هذا الذكريات التي يحملها أو يبنيها في المكان هي التي تحدد قيمته وأحياناً يجبر المرء على التأقلم وأحياناً يشعر أنه اختياره الوحيد أو أنه يأتي بعد بحث طويل فيسلم له أحلامه لكنّ هذا لايعني أنه لايمكن أن يعيد صياغته لشيء أقرب وأكثر عمقاً.
 
بعد الإبتعاث كنت أعتقد أنني سأكون متحمسة أكثر للعمل والإبداع في المجال الجديد الذي تعلمته لكنني أظن أنني تشتت مع كل التغييرات حولي بما فيها التغييرات في الوطن والرؤية الجديدة، أعتقد أن هذا جعلني محبطة بعض الشيء وأبحث عن الهدوء أكثر من بحثي عن الشغف، لم يكن هذا سلبياً تماماً كما يبدو لكنه على غير ماتوقعت ولهذا تأثير مختلف نوعاً ما. لم أجد بعد فرصة لتطبيق دراستي رغم أنني أجد المشاريع من حولي كثيرة، وربما هو الفريق أو الأسلوب أو كما أخبرني أحدهم طريقة عرضي لماتعلمت لكنني متفائلة أنني سأهتدي للطريق عمّا قريب. 
وجدت مايشغلني بالإضافة للتدريس الجامعي، أعددت منهجاً جديداً، قرأت كثيراً، جربت العمل المستقل وعملت على عدد من المشاريع الحكومية والخاصة، صممت عدد من المنتجات لكنني وبعد كل هذا لازلت أشعر أنّ هناك شيئاً أكثر قيمة يمكنني أن أحترفه ولعلي تائهة في الطريق الصحيح أو الخاطئ ولاأعرف غير أنني أجرب حتى اللحظة سعياً للوصول. وربما هو الموازنة بين كل هذا وربما هو شيء جديد مختلف كلياً. أستطيع أن أقول أن هذه الحيرة جعلتني أقرب لنفسي وأنتبه أكثر لتفاصيل مايعجبني ومايزعجني، للقيم المهمة في حياتي ولما أختار أن أعطيه وقتي. ليست النهايات دائماً باختياري لكنني أسعى لأن أقنن عدد ماهوعكس ذلك.
تحقيق نفسي في بيئة العمل قيمة مهمة جداً وكوني درست الفن غير في شخصيتي كثيراً وأضاف لهذه القيمة وزناً مختلفاً مرتبط بقوة بتحديد معنى الأشياء من حولي، ومؤخراً أدركت أنني من ضمن الأشخاص ذوي الإدراك العالي وهذا لايجعل الوضع أفضل على أية حال وقد أتحدث عنه لاحقاً بشيء من التفصيل… 

خلاصة القول أن درجة الرضا عن الحياة لدي ومايحقق لي السعادة قد تغير ميزانه كلياً ولم تعد الأشياء السابقة تحمل ذات المعاني وقد سبب لي كل هذا درجة كبيرة من الشتات الذي لازلت أحاول أن أجمعه لكنّه في المقابل يتيح لي فرصة اكتشاف نفسي والعالم الصغير من حولي من جديد ولأنني في مرحلة البداية في كل شيء أقوم به حالياً فالأخطاء واردة وكثيرة وأفكاري لازالت مبعثرة رغم انعكاسها بشكل ايجابي على مستوى النضج الفكري الذي أشعر به، وللمرحلة جوانب مختلفة ومتضادة أدعو كلّ يوم أن تصلني بالغاية وألا تضيع مقابل لاشيء. 

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

قطاف

٢٠١٧ لم تكن كأي سنة ليس لأنها حملت معها البدايات ولكنها كانت حصاد لما ابتدأ منذ فترة.
عندما بدأت أكتب هذه التدوينة لم أعرف هل أتحدث عما أرجوه للمستقبل أم  ما تعلمته من الماضي؟ هل تكون عن الأمل والأحلام أم تركز على التأمل واستدراك الأخطاء؟
من الصعب عليّ أن أحدد مسار القصة عندما أتحدث عن هذه السنة، أكتب هذه التدوينة وأنا على متن الطائرة متجهة للسعودية للمرة الأولى بتذكرة باتجاه واحد ولعلّ هذا أبرز حدث والأكثر تغييراً لهذه السنة ورغم أنه يأتي في نهايتها إلا أنه الجزء المثالي كي أختم به.
اليوم وعلى بعد أسبوع من بداية السنة الجديدة أنهي رحلة ابتعاثي وزوجي وليد للندن فخورة بإنجازنا وأعود للوطن، لعائلتي التي كان غيابي مصدر قلق لكلينا، أعود لجامعتي وطالباتي الذين افتقدتهم وأعود بشخصية لا تشبه مريم التي رحلت قبل مايوشك على مقاربة الثلاث سنوات. 


علاقتي بلندن 

قرار الإبتعاث كما أسلفت في تدوينات سابقة كان من أهم قرارات حياتي، وربما أتحدث هنا عن لندن، بإيجاز، التي احتضنتني وتعلمت فيها الكثير مما لا أستطيع حصره. المدينة التي لا أعرف كيف استطعت الإتفاق معها رغم أنني ابنة الماء التي تبحث عن الشمس وتجد بهجتها في الأمواج والإنعاكاسات، لكن بقدرة قادر ودعاء أمي أشعر وأنا أودع لندن بأن بيننا علاقة مميزة تعرفت فيها على الفن بتاريخه العريق وإتجاهه الحضاري ووجدت فيها فكراً يشبه ماأحب، ناقد، حذر، واعي ومطلع على كل شيء. لم أبذل جهداً كبيراً كي أندمج وهو شيء عكس ماتوقعته نظراً لطبيعة آرائي القوية، خلفيتي الدينية المحافظة واختياري للإلتزام بالعباءة في عقر دار الفن، ومن درس في جامعات الآرت والفاشن يعرف تماماً ماأقصد، وليس من العدل أن أقول أن الكل تفهم اختياري أو جنبني الإنتقاد لكن على الأقل لم أتعرض للمضايقة يوماً بسبب مظهري ولم أرفض في مقابلة عمل أو في ترشح لمسابقة أو غيره بسبب اسمي أو وطني ولعلّ المضحك أن بعضهم رأى في طريقة حجابي فنّاً وطلب مني أن أكون جزء من مشروع تصوير وغيره.

ربما تكون هناك تجارب مختلفة لبعض من يقرأ ولست هنا لأمجد الإنجليز فنحن لا نختلف على مايحدثنا به التاريخ والذي لايزال مترسخاً في أذهان الجيل الأقدم في المدينة خصوصاً عندما تضطر للتعامل معهم. لكنني أستطيع أن أتحدث بشكل شخصي عمّا عشته من خلال الجامعة وطبيعة الحياة اليومية التي في معظمها تكون مع جنسيات مختلفة قصدت لندن لنفس الغاية: طلب العلم أو البحث عن الرزق. 
أستطيع أن أقول أن علاقتي بالمدينة تطورت هذه السنة تحديداً بشكل غريب. قبل أن أسافر كانت إحدى الصديقات تحدثني إن شعرت بالحزن يوماً أن أطعم البط في الهايد بارك وأتمشى حول البحيرة وكنت أضحك باستغراب على تعليقاتها، لكنني عندما كنت أحن للوطن أو أصادف يوماً غير موفق في الجامعة كنت أجد نفسي أتجه للطبيعة التي تتمثل في لندن بالحدائق والبط والبحيرة. 

لم أكن أنا والمدينة على وفاق دائماً فأيامها الغائمة المتتالية وبرودتها القاسية كانت دوماً مصدر إزعاج بالنسبة إليّ خصوصاً حين يصادف ذلك يوماً صعباً في تفاصيله، لكنني وفي الأشهر القليلة الماضية حين لم أكن مرتبطة بالدراسة سمحت لنفسي بإعادة استكشاف المدينة وتكوين لحظاتي الخاصة معها وتوسيع قائمة مفضلاتي من خلال زيارة الأماكن والمحال التي كنت أتجنبها بسبب ضغط الدراسة. كنت أستمتع بقضاء الوقت مع زميلاتي الذين يعرفون المدينة أكثر مني، يرشدوني لوجهات جديدة ولاأضطر معهم لاستخدام التكنولوجيا للوصول للوجهة وهو من أجمل وسائل التعرف على المدينة من جديد. فترة الصيف تحديداً وعند زيارة عائلتي لي كانت من أمتع الأيام التي قضيتها فيها لأنني تعرفت من جديد على المنطقة من وجهة نظر العائلة وتحديداً إخوتي الصغار الذين كانت لهم لمستهم الخاصة في التجربة.
كانت لندن في الأيام الأخيرة في أبهى حلتها مستعدة لنهاية السنة واستمتعت كثيراً بقراءتها فنياً مع وليد والتجول في أبرز معالمها بنظرة المحلل لا الزائر. 

بالمناسبة، نزول الثلج في الشهر الماضي لأول مرة منذ سنوات على المدينة ولو أنه كان ليومين فقط إلا أنه جعل النهاية أكثر شاعرية. وداع أبيض كما وصفته إحدى زميلاتي. 


الدراسة والعمل

حملت لي هذه السنة العديد من القراءات الممتعة والكتاب المتخصصين في التصميم، السياسة، التحليل النقدي وغيرها الذين أحببت التعرف عليهم بجانب الدراسة. عملي على المشروع بحد ذاته وكوني في حالة بحث دائم عمّا يدعم أو يهدم فكرة الرسالة أوصلني للعديد من المواضيع المتشعبة ووجدت من خلاله فرصة للتواصل مع أشخاص لم أفكر بالتواصل معهم قبل ذلك رغم إعجابي الشديد بمايفعلونه.
تحدثت عن الماجستير سابقاً لذا لن أطيل هنا عن نفس الموضوع، وربما لم تكن هذه السنة متفردة بمشروعي فقط ولكن بمشروع وليد أيضاً، وقد يتحدث هو في وقت لاحق بشكل شخصي عنها لكنها فعلياً من أبرز إنجازات هذه السنة لكلينا، ورغم أننا اختلفنا في كثير من تفاصيلها وتحديد مسارها وخضنا ساعات وأيام طويلة من النقاش إلا أنني فخورة جداً بإنجازه في هذه المرحلة وواثقة بأهمية هذه الخطوة في مستقبله المهني.
أبرز ماأذكره استكشافنا لإمكانات الطباعة، الورق والتصنيع وزيارتتنا للعديد من الموردين والمحال المتخصصة في الموضوع. لازلت أذكر انبهاري بما رأيت وحتى الآن أعتقد أنه الأفضل مستوى بالمقارنة. 
 

لعلّ من أبرز الأحداث أيضاً هو عملي مع فريق KCA وهي شركة مهتمة بدراسة زوار المتاحف والمعارض التفاعلية وتصميم حيزاتها ومختصة أيضاً بتدريب طاقم العمل الذي يتعامل بشكل مباشر مع الجمهور لتحقيق الإستفادة الكبرى من التصميم، تقدمت للعمل لديهم بحكم عملهم المتواصل في الشرق الأوسط وكنت مهتمة جداً بفهم اتصال الشرق بالغرب من خلال نظرة داخلية أقرب على خطوات التصميم من الفكرة والإتصال بالعميل حتى التنفيذ. 
لم تكن هذه هي التجربة الأولى حيث عملت في ٢٠١٦ مع شركة 20.20 وهي مشابهة في نشاطها إلا أنها كانت تركز أكثر على البعد التجاري للمشاريع من محال تجارية، سينما، معارض أطفال وغيره وكان مفيداً جداً بالنسبة إلى أن أتعرف على نموذج مختلف هذه السنة حتى أميّز الفرق بينهم وأصقل التجربة وأحدد ماأميل له أكثر ولذا أعتقد أن هذه السنة ما هي إلاّ حصاد لما بدأ في سنوات قبلها.  


الأصدقاء والسفر 

من أجمل ماحصلت عليه خلال هذه السنة أيضاً هو تعرفي على صديقة عزيزة جداً من البرتغال، لاأستطيع تخيّل مكان غير لندن كنا لنلتقي فيه، أذكر المحاضرة الأولى لنا بالجامعة، كان علينا أن نستعرض ما لايزيد عن ١٠ دقائق عن أنفسنا ومجال خبرتنا وكنت في غاية توتري حتى أنني أضعت مكان الإجتماع ووصلت متأخرة. لاأنسى لكارولينا كيف أشارت لي من بعيد وأزاحت حقيبتها كي أجلس بجانبها. كانت هذه هي المرة الأولى التي أقابلها ومنذ تلك اللحظة وحتى لقاءنا الأخير قبل أيام في مدينتها لشبونة التي وقعت في حبها بسببها، وأنا مغمورة بصداقتها وطيب الذكريات التي جمعتنا سوياً. حب الفنّ والإهتمام بنقد الثقافات والتصميم، مدينة باث، جين أوستن، زيارة المتاحف والحدائق، أحلامنا للمستقبل، شرب الشاي الإنجليزي مع السكونز، نتشارك الطبق، تحظى بالزبدة وأأخذ المربى، ماتفضله من بقية المطابخ العالمية وحبها للشوكولا الذي يتحول لإدمان عند التوتر وصوتي الذي لايقلّ تعبيراً عن ملامح وجهي التي تجيد قراءتها. 
 في الأيام الطويلة الرتيبة تأتي لمنزلي أو أذهب لها ونعد الطعام سوياً، حتى قررنا أن نبتكر كتاب وصفات خاص بنا ولعله يرى النور قريباً. اكشتفنا في تعلّم الطهي الذكي ملجأً جميلاً بعيداً عن تعقيدات الحياة اتخدناه سوياً كهواية نستمتع بها من وقت لآخر. 

------------

بعيداً عن كل هذا السرد والتفاصيل، أشعر بأنّ نهاية هذه السنة حملت معها نتاج ما قبلها بشكل محسوس، لم تخلُ من الأخطاء والدروس الصعبة لكن أستطيع القول أنني نضجت فكرياً وأصبح من السهل عليّ أن أحدد رغباتي وميولي وماأريده للمستقبل ورغم أنني لا زلت أحلم بالكثير وقائمتي بالتجارب التي أود أن أخوضها لم تنتصف بعد بل وتوسعت بشكل رهيب في السنوات الأخيرة إلاّ أنني أشعر بثقة كبيرة بما وصلت إليه اليوم، أشعر بأنني بعد توفيق الله ورضاه أستطيع أن أفعل الكثير، خاصة بعد اختلاطي بأجناس وأصناف من البشر لاحصر لها وزياراتي للعديد من المدن برفقة وليد وتعرفنا سوياً على الأشياء للمرة الأولى، بعد كل هذه التجارب المختلفة أستطيع القول بصوت أوضح أنني أكثر ثقة بعملي وشخصيتي وقدراتي على النجاح ومايمكن أن أقدمه للآخرين. 

حمداً لله أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
ممتنة لوطني الذي وثق بقدراتي، لأبي وأمي، لعائلتي وزوجي الذين لاأكون إلا بهم، للدعوات الصادقة التي غمرني بها الأحباب والأصدقاء. 

وداعاً ٢٠١٧، إلى لقاء قريب لندن ومرحباً بالبدايات الجديدة.   

الجمعة، 1 ديسمبر 2017

رحلة الماجستير: مشروع التخرج



"… The real issue is whether indeed there can be a true representation of anything, or whether any and all representations because they are representations, are embedded first in the language and then in the culture, institutions, and political ambience of the representer. … [ ] Then we must be prepared to accept the fact that a representation is implicated, intertwined, embedded, interwoven with a great many things besides the “truth,” which is itself a representation" 

Edward Said 


الحديث عن رحلة الماجستير ومشروع التخرج حديث مفعم بالكثير من المشاعر بالنسبة إلي، لايمكن أن أعبّر عن هذه المرحلة بكلمة واحدة أو أن أختصرها بكلام منمق، وحينما أبدأ بالكتابة عن شيء أجد نفسي أسترجع كم من الذكريات وأستطرد فيها ثم أستدرك فأعود للأساس. وربما طبيعة الموضوع تفرض هذا النوع من الكتابة.

مشروع التخرج أو كما أطلقت عليه: موعد مع العربية هو نتيجة بحث بدأ منذ صيف ٢٠١٦  بعنوان إسكات العربية Silencing Arabic حتى نهاية يونيو ٢٠١٧. بدأت وأنا أفكر من وجهة نظر مصممة جرافيك ماهي الأشياء التي قد أبحث عنها وأطبق فيها مفاهيم ونظريات الرواية بحكم التخصص الذي أدرس، ماهي الفئة التي يمكن أن أستهدفها ببحثي؟ كيف يمكن أن أبتكر تجربة أو فعالية تضيف للمستفيدين منها شيئاً مميزاً؟ ولم تكن الإجابة مفتوحة تماماً فأكبر تحدي كان أن أجد شيئاً مثيراً للإهتمام في لندن تحديداً بحيث يمكنني إجراء التجارب والبحث فيه بشكل مباشر دون اللجوء لمراجع فقط أو طرف ثالث.

كانت اللغة العربية من أولى الأفكار التي بدأت بها، بدأت أفكر بوضع اللغة حالياً وكيف يتم استهلاك اللغة عبر التاريخ والإستغناء عنها عندما لاتكون بذات القيمة بالمقارنة مع غيرها. فكرت بمستخدميها من الجيل العربي الثاني أو الجالية التي استقرت في لندن وعاش أبناؤها بعيداً عمّا يذكرهم أو يحثهم على الإهتمام باللغة ولعلّ هذه الملاحظة جاءت بعد أن وجدت نفسي وبعد سنة واحدة فقط في الغربة أستسهل التعبير بالإنجليزية وأستخدم مصطلحات يصعب علي إيجاد مرادفاتها بالعربي. ذهبت لشارع العرب أو كما يسمى، وبدأت أسأل الناس وأستقصي عن نظرتهم لما هو في نظري مشكلة ووجدت أنّ العديد منهم حقاً غير مهتم وبينما يتفقون جميعاً على أن استخدامهم للعربية نادر إلا في مكالمة هاتفية مع أهليهم في الوطن أو كلمات مختصرة لصاحب المقهى إلاّ أنهم لايجدون أن عدم استخدامهم للعربية مشكلة; ببساطة لأنهم لايحتاجونها وليسو مضطرين لها.

بينما أختلف تماماً مع وجهة النظر هذه إلا أن محاولاتي باقناعهم بماأجده مهماً كانت غير مجدية وأدت لطريق مسدود اضطررت معه أن أغير وجهتي وأهداف البحث. انتقلت لفئة أخرى تماماً من الأجانب المهتمين بالثقافة العربية بشكل عام، أين يبحثون عن العربية؟ أين يجدونها في لندن؟ وكيف يؤثر عليهم المحتوى الحالي في المتاحف أوالمكتبات أو الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في استقبالهم للغة تحديداً؟
أشهر من البحث، المقابلات، ورش العمل بين لندن والدمام واتصالات يومية من استشارات أو تكاليف وكم هائل من المغامرات مع أشخاص وأماكن أكتشفها للمرة الأولى أدت إلى استنتاجات مثيرة أثرت على توجه المشروع وتعلمت أكثر ماتعلمت منها الصبر وأن أحافظ على شغف مستتب دون اندفاع حتى أصل بنفس القوة التي بدأت بها.

الأبحاث التي وجدتها في الموضوع كثيرة جداً لكنها تتناول اللغة بطريقة لاأتفق معها، فبينما تستخدم الكتابات العربية أسلوب اللطم والحسرة على لغة ضاعت، وجدت الكتابات الأجنبية تأخذ صوراً نمطية من ألف ليلة وليلة وغيرها لتفهم اللغة، وحتى عندما تعرض العربية في المتاحف في أوروبا أو غيرها، نجدها لوحة فنية مبهرة بجانب نص مترجم دون تفاعل أبعد من الصورة مع الناظر لها.  وكأي موضوع عربي، ليست اللغة استثناء من ارتباطها بالسياسة بشكل مباشر وماقرأته عن الترجمة تحديداً ودورها المهم في إعادة هيكلة الدول شيء يستحق التعمق.

وعلى عكس توقع الجميع بما فيهم مشرفة البحث أنني سأهتم بشكل الحرف ورسمه بحكم خلفيتي إلا أنني كنت مشدودة أكثر لإحساس اللغة وصوتها المميز وكيف يمكن للإنطباع الذي يتركه صوت النص العربي التأثير على شخص لايفهم معناه. قادني هذا الإهتمام للتعرف على كتاب رائعين في اللغة والصوتيات وموسيقى الحرف العربي أمثال عبدالفتاح كليطو الذي أبهرني، كنت أتمنى أن أعرفهم دون الحاجة للإختصاص ببساطة كناطق بالعربية.

موعد مع العربية في نهايته كان حصيلة تعاون مثمر مع عدد من المبدعين الذين لم يكن ليكتمل دونهم في مجالات منها: الكتابة الإبداعية، التصميم الداخلي، الهندسة الصوتية، التصوير، تصميم المنتجات، الرسم وغيرها. كنت أمارس دوري كمصمم جرافيك وأهتم أيضاً بالإشراف على التنفيذ برؤية واضحة من خلال من أتعاون معهم، أكتب لهم المطلوب وأشرح لكل منهم المشروع من وجهة نظر تخدم ماأطلبه منه.

من خلال فعالية موعد مع اللغة العربية يهدف المشروع المصاحب لهذا البحث إلى تحدي الصورة النمطية السائدة عن اللغة العربية لدى غير الناطقين بها ومعرفة الأسباب وراء ترسخها في أذهانهم. يبحث في الأبعاد السياسية، الإجتماعية والثقافية للمشكلة ويستخدم نتائج البحث لتصميم تجربة فريدة. يدعوهم من خلال الفعالية لتجربة بعيدة عن التكلف تعرض لهم اللغة بصورة قريبة تساعدهم على معرفة بعض أسرار قوتها وتحثهم على المشاركة في النقاش عن تصوراتهم المسبقة ومقارنتها بردات فعلهم تجاه مايقدم لهم خلال الفعالية. تستخدم أساليب مبتكرة خلال الفعالية ناتجة عن البحث المطول للفئة المستهدفة وتشرك حواسهم (السمع- البصر- التذوق) والقليل من الترجمة لتقرّب العربية لهم من لغة وثقافة وتختبر نظرية البحث.- 


عندما أفكر بكم العمل الذي أدى لنهاية المشروع، أدرك، ورغم أنها لم تكن نتيجة خالية من العيوب، أدرك أن قدرة الإنسان أكبر بكثير مما يتوقع وأدرك أن عليه أن يخضع لضغط الوقت والحاجة حتى يُجبَر على تحدي نفسه. ولا يهم مايعتقده الناس أو يظنونه بأن أي شخص قادر على إكمال الدراسات العليا في وقتنا الحالي، الموضوع شخصي جداً ويستحيل تعميم صعوبته أو سهولته دون معرفة دقيقة. وحدك أنت صاحب التجربة تعرف مالذي بذلته وأين وصلت وإن كان يستحق أو لا.

عموماً، العديد من المهارات التي لم يخطر ببالي أن أمارسها يوماً كجزء من العمل اضطررت لها. مثلاً اهتماماتي بالحرف اليدوية من نحت ورسم وغيرها موجودة ولكنني لم أتعامل مع ورشة خشب وأضطر لاستعمال المنشار أو آلة القص أو المفك أو غيره من قبل، وربما لو أتممت هذا المشروع في مكان آخر لأوكلت هذه المهام لشخص أعتقد أنه أكثر خبرة مني. لكنني اضطررت وتفاجأت بما يمكن أن أصنع بنفسي فقط إن حاولت. لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة والعديد مما نتعلم في الحياة غالباً مانضطر إليه حتى نتقنه.

أكثر ماأضافه لي هذا التخصص هو توسيع دائرة خبرتي كمصمم جرافيك لأستوعب المساحة والمستخدمين بشكل أكبر، كيف يمكن استخدام المساحات لإلهام التصميم، كيف يمكن للمكان أن يروي القصة بالإضافة لاحتوائها. أضف لذلك مساعدتي في فهم المستخدمين بطريقة أكثر إبداعاً ومالذي يعنيه أن تكون مشاركاً في التصميم مع مصممين آخرين بأسلوب حضاري متفهم.
Co-design- collaboration- action research- narrative theories and more. 

لايمكن أن أختصر هذه المرحلة من حياتي بتدوينة واحد فقط وأظن أنني سأظل أتحدث عنها وأكتب لفترة ليست قصيرة حتى أستوفيها حقها ألا تنسى. قرار الإلتحاق بالدراسات العليا كان أفضل قرار اتخدته حتى الآن بجانب ارتباطي ورغم أن العقبات موجودة والرحلة لم تكن مفروشة بالورود، وربما هناك جامعة أفضل وتخصص أفضل أو مدينة أخرى كنت سأتعلم منها لكنني لم أفعل ولاأريد أن أنتهي بشك أو ندم أو مايمكن أن يؤثر به الناس على نظرتي لذا أفضل أن أكون واقعية وأن أصفها كما هي دون مبالغة لكن دون بهتان أيضاً. ولعلّ أكثر من يعرف عن هذه المرحلة وليد الذي لايزال دعمه أكبر سند لي، يقول لي دائماً ليرفع معنوياتي أنه فخور بماحققته. سأصدقه هذه المرة.

للإطلاع على المشروع أكثر يمكنكم مشاهدة الرابط التالي: 

http://mariamstudio.com/lunch-with-arabic 



السبت، 14 أكتوبر 2017

شخصيات لن تجدها في الكتب

لاأعتقد أنني كنت يوماً بهذا القرب من أحدهم، يفهمني من نظرة ولاأضطر للتصنع حوله، في اجتماعاتنا نكون الفريق الذي يملك رؤى تكمل بعضها وييأس الباقون من مجاراته وبالرغم أنني لاأذكر تفاصيل طفولتي بجانبها إلاأنني وخلال فترة الغربة لم أكن أقرب من أي شخص سواها؛ جدتي.
جدتي، أو كما أناديها أمي، شخصية استثنائية ، ابتداءً من اسمها: نجمة انتهاءً بحضورها الذي لاتملك تجاهله، رزانتها في الحديث ومراعاتها للأصول والتقاليد تبهرني دائماً ورغم الحياة الصعبة التي مرت بها ورغم أنها لم تتمكن من إكمال تعليمها إلا أنها متقنة للقراءة والكتابة وتتحدث الإنجليزية وتعرف كيف تستخدم التكنولوجيا وتتواصل دائماً معنا على الواتس أب والانستقرام والسناب. 
تفاجئني دائماً بقراءتها للأمور والطريقة التي تتحدث بها عن مجريات الحياة، ليست من الشخصيات القوية التي تفرض رأيها لكنك ستجد نفسك مصغياً لها عندما تتحدث.
استحضارها للماضي يأتي دائماً مع شيء من الحنين والشوق للصبا بطريقة مشوقة والمستقبل بالنسبة لها محفوف بطلب المغفرة والعفو من الله وقلب راضي عما قُدّر له. 
لا أستطيع الحديث بما فيه الكفاية عن امتناني لوجودها في حياتي بهذا القرب ورغم أننا من جيلين مختلفين تماماً إلا أنها من أقرب الشخصيات لقلبي ومجلسها من أحب المجالس وأكثرها لطافة وخفة. 

أجزم أنّ في كل عائلة شخصية استثنائية لن تتكرر يرقب حضورها الصغار قبل الكبار وعلى قدر من الثقافة والمسؤولية التي يتطلع إليها باقي أفراد العائلة. المشكلة أن هذه الشخصيات في الغالب ليست من محبين الأضواء والشهرة أو “المؤثرين” المنتشرين في واقعنا الإفتراضي أكثر من "…" لن تقرأ عنهم السير، لن تجدهم في المقالات أو في المقابلات لكنك حتماً ستتعلم منهم ومن قصصهم مالن تتعلمه في عشرات بل مئات مما سبق ذكره. 
وبعيداً عن الكلمات الكبيرة والجمل المنمقة وبعيداً عما يصلح للتوثيق والتصوير، بعيداً عن القوالب التي وضعناها لأنفسنا كمعنى للنجاح ومايستحق الاحتفاء... 
فكّر في أحد هؤلاء المؤثرين الحقيقين في حياتك، أمعن النظر وابحث عن البسطاء، تحدث معهم، تذكر الماضي شاركهم مخاوف المستقبل وكلي ثقة أن ساعة من هذا النوع ستثريك فكرياً وستشحن طاقتك المعنوية أكثر بكثير ممن تستمع لهم من خلف الشاشة. 

اللهم احفظ لي جدتي وجميع أهلي من كل شر ومتعها بالصحة والعافية ❤



للتواصل والإستفسارات على الإيميل

لطلبات التصميم على الإنستقرام 

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

رحلة الماجستير: أمثلة ومشاريع


لفترة طويلة وأنا أبحث عن تعريف مختصر أو شرح مبسط لما درسته في الماجستير، شيء يمكنني التحدث به عندما يسألني أحدهم عما يعنيه تخصص تصميم البيئات الروائية MA Narrative Environments ومالذي قضيت به عامين في لندن. يمكنني أن أقول أنه تخصص يعنى بالمعارض والمتاحف من دراسة الحاجة لها، فهم المستخدمين والزوار ودراسة احتياجهم ورغباتهم، اختيار المكان وتحليل عناصره، بناء القصة المناسبة ثم إيجاد عناصر التصميم  واختبارها للوصول للنتيجة المطلوبة وأخيراً تصميمها بشكل كامل. لكن مجالات تطبيقه أوسع من المتاحف فقط ويمكن أن تتضمن أي خدمة أو فكرة تجارية كانت أو اجتماعية أو فنية بحتة وحيث أنه يهتم بالبحث والتحليل وفهم المستخدمين كثيراً فالتصميم يمثل جزء منه فقط يمكن أن يستعان فيه بالمختصين بحسب المشروع. 

هذه الرحلة تتضمن العديد من المحطات التي يكون التصميم أحدها وليس جلها، لكنني أعتقد أن هذا الكلام يعتبر عام ومن الصعب فهمه دون أمثلة واضحة وتماماً مثل كل التخصصات التي لا تنتهي بلقب مهندس أو طبيب يصعب على أصحابها تفسيرها لغيرهم. لذا وبدلاً من العيش وحيدة في فقاعة “لاأحد يفهم مادرست” سأشارككم بعضاً من المشاريع التي طبقناها باستخدام هذا المفهوم وسأذكر في تدوينات أخرى بعض المشاريع العالمية التي يمكن أن نصنفها ضمن البيئة الروائية. 

مشروع معهد/معرض الفيزياء Institue of physics IOP 
كانت لنا الفرصة في هذا المشروع للعمل مع عميل حقيقي حيث حظينا بعدد من اللقاءات مع أشخاص من مجلس الإدارة وفريق التصميم المسؤول عن المعهد. المشكلة كانت أن المعهد سينتقل قريباً إلى موقع جديد ويرغب في توسعة نشاطاته ليستفيد منها العامة من مختلف الأعمار بالإضافة لذلك عليه أن يقنع عملاءه الحاليين بأنهم لايزالون الأهم بالنسبة له ويقنع أيضاً المستثمرين بأن أموالهم ليست مهدرة في هذه النقلة. 
كان هناك العديد من stakeholders أو المستفيدين الذين يهتم لهم المعهد وكان علينا كفريق تصميم أن نفهم أولوية كل منهم على حدا وأن نبتكر مقترح يرضي جميع الأطراف إلى حد معقول.
 توضيح بشكل بسيط كيف ينظر كل مستفيد للفيزياء بشكل عام. 

التصميم النهائي للمعهد الجديد في فترة لقاءنا بالعميل كان لايزال في مرحلة الموافقة وكان توقيت مقترحنا ممتاز حيث عمل كتوصية لكيفية التنفيذ من وجهة نظر لن يهتم لها المهندس المعماري أو مسؤول الإنشاء بالضرورة لأنه سيأخذها بمنظور عملي جداً ولأنها تتطلب جهد مضاعف للوصول للمستفيدين الحقيقين للمعهد. 
ركزنا على جزء المعرض من المعهد كمثال لمانوصي به وقمنا بوضع استراتيجية لما يمكن أن يعرض داخل هذه المساحة وكيف له أن يخاطب الفيزيائيين، المستثمرين، وعامة الناس المهتمين بالفيزياء أو الذين يصدف أنهم مروا بالمعهد بدافع الفضول. كان المثال الذي عرضناه يتحدث عن مفهوم الكون والمجرات واستخدمناه كأداة لتبسيط الفكرة للعميل. لاأستطيع عرض كامل المشروع ولكنني سأعرض لكم بعض الصور التي عملت عليها مع الفريق. 
الرسم يوضح تحليلنا للمستفيدين احتياج كل منهم. 




تركيزنا كان على فهم المستخدمين وماهية احتياجاتهم وطبيعة توقعاتهم ونقاط التقائهم بالمعهد. كانت هذه المعلومات بين توقعات وبين ماأخبرنا به العميل ومااستطعنا الوصول له من خلال تواصلنا المباشر مع المستفيدين. عملنا أيضاً على حساب الفترة الزمنية التي سيقضيها كل من المستفيدين الثلاثة وفترات ترددهم على المعهد وأسبابها. وبينما يأتي الفيزيائي للبحث أو استلام جائزة أو حضور ندوة، يكون اهتمام الطالب على المكتبة والعائلة على تبسيط العلوم والمستثمر على حضور اجتماع شهري أو ربع سنوي. 

الصورة التالية لأحد مراحل التفكير في تصميم المعرض وطريقة ربط المحتوى المعروض بالمشاعر المطلوبة وعلاقتها بمكان عرضها والوقت اللازم للزائر كي يطلع عليها أو يصل لها. ربما لاتعنيك النتيجة النهائية عزيزي القارئ ولكن طريق الوصول إليها هو مغامرة بها العديد من الغير متوقع، فجزء كبير من هذا المشروع كان عبارة عن رسائل ومكالمات واجتماعات وتواصل مستمر مع أكثر من جهة. ولأن الفريق كان مكوناً من مصممين فقط، كنا ننتظر بفارغ الصبر لحظة الوصول لمرحلة التصميم ولم يكن من السهل علينا أن نعلب دور (البحث- التحليل- التنسيق مع العميل- الإشراف والإدارة) دون الحصول على نتائج بصرية قوية مماشكل ضغطاً كبيراً على نفسية الفريق. 
تتبع حركة المستخدمين: نموذج أولي للفكرة
mapping user experince first draft




من الأمور التي أحببتها في هذا المشروع هو تواصلنا المباشر مع العميل، كان العرض النهائي هو اللحظة الحاسمة لما فعلناه خلال الشهر والنصف الماضيين وكان التوتر في أوجه، أذكر بكل وضوح ذلك اليوم، كان على جميع الطلاب عرض أعمالهم وكانت مجموعتنا هي الأخيرة، تخيل معي كمية الارتباك في الإنتظار من العاشرة صباحاً وحتى الخامسة وسماع باقي عروض الطلاب والتعليقات عليها. بدأنا أخيراً وقمنا بعرض أفكارنا بطريقة سلسة ورغم الإرتباك الواضح وصلنا للنهاية دون أخطاء تذكر وكانت ردة فعل العميل مبهرة لدرجة أنه قرر مكافأتنا مالياً على مافعلناه.
الحقيقة أننا كنّا في غاية الذكاء حين قررنا جعل العرض جزء من الفكرة ككل بحيث لم نفصل بين مااقترحناه وبين كيفية إيصاله، لم نكتف بالرسومات التوضيحية بل قمنا بإحضار بعض المعدات المجهزة وتجربة بعض الأفكار بجعل العميل وبقية الطلاب جزء منها. ورغم بساطتها، إلا أنّ هذه اللفتة التفاعلية جعلت المقترح أكثر واقعية وتأثيراً.

مشروع معهد الفيزياء كان يحمل العديد من التقلبات كونه المشروع الأول خلال بداية الدراسة، كنا لانزال في بداية الطريق وكل شيء كان جديداً وأعتقد أن تركيزنا على فهم بعضنا وتوطيد علاقتنا من خلال إدراج المحادثات الشخصية والتطرق لأمورغير العمل ساعدنا في فهم أعضاء الفريق أكثر وبناء على ذلك توزيع العمل بطريقة منظمة وخلق جو محبب للإنجاز. ربما لايعني هذا الكثير، لكنّ العديد من التجارب الثرية والجديدة تعتمد بناء علاقات إنسانية جديدة وفي كل مرة تعتقد أنك ناضج بما فيه الكفاية للتعامل مع الإنسان تكتشف أنك تعود للمربع الأول وتعيد حساباتك من جديد.  



للإطلاع على بعض من نتائج المشروع النهائية mariamstudio

للتواصل والإستفسارات على الإيميل
لطلبات التصميم على الإنستقرام 

Feature Post