الجمعة، 3 أغسطس 2018

بعد الإبتعاث

رغم أنه لم يمض على عودتي من لندن سوى أشهر إلاّ أنني أشعر وكأنني لم أغادر من الأساس. أحياناً يصعب علي استحضار الأماكن واللحظات التي قضيتها هناك ويستوقفني دائماً أصحاب التجارب المشابهة وأنبهر عندما أقابل أحدهم ممن مضى على ابتعاثه زمن لكن قصص وتجارب المرحلة لاتكاد تفارق أياً من أحاديثه ويدفعني ذلك للتساؤل، هل النسيان، التناسي أو غيره شيء طبيعي؟
بعد عودتي بأسبوع باشرت العمل وانغمست مباشرة في مهام الجامعة والإنتقال لمنزل جديد والعلاقات الإجتماعية وأعتقد أنني مع زخم هذه الإلتزامات لم يتسن لي الوقت الكافي لأتأمل أو أفكر في وضع المرحلة مقارنة بغيرها. بالتأكيد الحياة هنا مختلفة عن غيرها وخلال زيارتي الأخيرة للندن فهمت بشكل واضح أن ماتغير علي لم يكن له علاقة بالمدينة نفسها ولكن بما تمنحه لساكنيها وتحديداً بالإستقلالية المبالغ فيها أحياناً. أسلوب الحياة، طبيعة العلاقات، والتفاصيل اليومية التي تجعلك إلى حد كبير تملك وقتك وتديره بالطريقة التي تريدها.
أمضيت فترة بعد عودتي أتساءل عمّا يجعل الأماكن وطناً ويحدد مصيرها بساكنيها، ولعل ماأثار هذا التساؤل بشدة هو تشتتي بين عدة منازل لفترة طويلة وبينما لم أجد صعوبة في تقبل مسكن جديد في لندن وجدت صعوبة بالغة في الإنتقال لمنزل جديد هنا، ماخلصت له حتى الآن وهي خلاصة متواضعة لازالت تتبلور هو أن المساحات الشخصية التي يجمعها الإنسان لنفسه والعادات اليومية التي يكررها في حيز معين، التفاصيل التي يضيفها، يعزلها، يطرحها من الأشياء حوله وأهم من كل هذا الذكريات التي يحملها أو يبنيها في المكان هي التي تحدد قيمته وأحياناً يجبر المرء على التأقلم وأحياناً يشعر أنه اختياره الوحيد أو أنه يأتي بعد بحث طويل فيسلم له أحلامه لكنّ هذا لايعني أنه لايمكن أن يعيد صياغته لشيء أقرب وأكثر عمقاً.
 
بعد الإبتعاث كنت أعتقد أنني سأكون متحمسة أكثر للعمل والإبداع في المجال الجديد الذي تعلمته لكنني أظن أنني تشتت مع كل التغييرات حولي بما فيها التغييرات في الوطن والرؤية الجديدة، أعتقد أن هذا جعلني محبطة بعض الشيء وأبحث عن الهدوء أكثر من بحثي عن الشغف، لم يكن هذا سلبياً تماماً كما يبدو لكنه على غير ماتوقعت ولهذا تأثير مختلف نوعاً ما. لم أجد بعد فرصة لتطبيق دراستي رغم أنني أجد المشاريع من حولي كثيرة، وربما هو الفريق أو الأسلوب أو كما أخبرني أحدهم طريقة عرضي لماتعلمت لكنني متفائلة أنني سأهتدي للطريق عمّا قريب. 
وجدت مايشغلني بالإضافة للتدريس الجامعي، أعددت منهجاً جديداً، قرأت كثيراً، جربت العمل المستقل وعملت على عدد من المشاريع الحكومية والخاصة، صممت عدد من المنتجات لكنني وبعد كل هذا لازلت أشعر أنّ هناك شيئاً أكثر قيمة يمكنني أن أحترفه ولعلي تائهة في الطريق الصحيح أو الخاطئ ولاأعرف غير أنني أجرب حتى اللحظة سعياً للوصول. وربما هو الموازنة بين كل هذا وربما هو شيء جديد مختلف كلياً. أستطيع أن أقول أن هذه الحيرة جعلتني أقرب لنفسي وأنتبه أكثر لتفاصيل مايعجبني ومايزعجني، للقيم المهمة في حياتي ولما أختار أن أعطيه وقتي. ليست النهايات دائماً باختياري لكنني أسعى لأن أقنن عدد ماهوعكس ذلك.
تحقيق نفسي في بيئة العمل قيمة مهمة جداً وكوني درست الفن غير في شخصيتي كثيراً وأضاف لهذه القيمة وزناً مختلفاً مرتبط بقوة بتحديد معنى الأشياء من حولي، ومؤخراً أدركت أنني من ضمن الأشخاص ذوي الإدراك العالي وهذا لايجعل الوضع أفضل على أية حال وقد أتحدث عنه لاحقاً بشيء من التفصيل… 

خلاصة القول أن درجة الرضا عن الحياة لدي ومايحقق لي السعادة قد تغير ميزانه كلياً ولم تعد الأشياء السابقة تحمل ذات المعاني وقد سبب لي كل هذا درجة كبيرة من الشتات الذي لازلت أحاول أن أجمعه لكنّه في المقابل يتيح لي فرصة اكتشاف نفسي والعالم الصغير من حولي من جديد ولأنني في مرحلة البداية في كل شيء أقوم به حالياً فالأخطاء واردة وكثيرة وأفكاري لازالت مبعثرة رغم انعكاسها بشكل ايجابي على مستوى النضج الفكري الذي أشعر به، وللمرحلة جوانب مختلفة ومتضادة أدعو كلّ يوم أن تصلني بالغاية وألا تضيع مقابل لاشيء. 

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم اخت مريم .. انا خريجه بكالوريس ادب انجليزي بعد تخرجي اكتشفت مواهبي في الجرافيك ديزاين ولحسن حظي حصل زوجي على بعثه للولايات المتحده وحتى اصقل مواهبي التحقت بأحدى الكليات وقمت بدارسه الجرافيك درجه.assiciate ولله الحمد قمت بأبهار جميع اساتذتي وتخطيت جميع من هم حولي .. حتى نصحتني استاذتي بالتوجه لسوق العمل والاكتفاء بشهاده تقنيه عاديه والتي تشمل سنه واحده من الدراسه وعدم تضييع وقتي في الحصول على الدرجه العلميه . وقد رشحتني لاحدى الشركات في المدينه.. سؤالي هو مع حصولي على فرصه عمل في الولايات المتحده وكذلك فرصه لدراسه الماجستير في هذا التخصص في نفس الوقت .. ايهم تنصحين ان اتوجه اليه ؟؟ علماً ان دراسه الماجستير ستكون على حسابي الخاص؟؟ هل ستكون شهاده الماجستير في الجرافيك مفيده لي في سوق العمل في السعوديه وتستحق الاهتمام ام الافضل ان اقوم بالتركيز على اخذ خبره عمل من امريكا ؟؟ وشكرا ..

    ردحذف
  2. كذلك ايضا هل تعلمين اذا كانت جامعاتنا في السعوديه تشترط على الطاقم الاكاديمي حين التوظيف ان يكون تخصص البكالوريس مطابق لتخصص الماستر ؟

    ردحذف

Feature Post