الجمعة، 1 ديسمبر 2017

رحلة الماجستير: مشروع التخرج



"… The real issue is whether indeed there can be a true representation of anything, or whether any and all representations because they are representations, are embedded first in the language and then in the culture, institutions, and political ambience of the representer. … [ ] Then we must be prepared to accept the fact that a representation is implicated, intertwined, embedded, interwoven with a great many things besides the “truth,” which is itself a representation" 

Edward Said 


الحديث عن رحلة الماجستير ومشروع التخرج حديث مفعم بالكثير من المشاعر بالنسبة إلي، لايمكن أن أعبّر عن هذه المرحلة بكلمة واحدة أو أن أختصرها بكلام منمق، وحينما أبدأ بالكتابة عن شيء أجد نفسي أسترجع كم من الذكريات وأستطرد فيها ثم أستدرك فأعود للأساس. وربما طبيعة الموضوع تفرض هذا النوع من الكتابة.

مشروع التخرج أو كما أطلقت عليه: موعد مع العربية هو نتيجة بحث بدأ منذ صيف ٢٠١٦  بعنوان إسكات العربية Silencing Arabic حتى نهاية يونيو ٢٠١٧. بدأت وأنا أفكر من وجهة نظر مصممة جرافيك ماهي الأشياء التي قد أبحث عنها وأطبق فيها مفاهيم ونظريات الرواية بحكم التخصص الذي أدرس، ماهي الفئة التي يمكن أن أستهدفها ببحثي؟ كيف يمكن أن أبتكر تجربة أو فعالية تضيف للمستفيدين منها شيئاً مميزاً؟ ولم تكن الإجابة مفتوحة تماماً فأكبر تحدي كان أن أجد شيئاً مثيراً للإهتمام في لندن تحديداً بحيث يمكنني إجراء التجارب والبحث فيه بشكل مباشر دون اللجوء لمراجع فقط أو طرف ثالث.

كانت اللغة العربية من أولى الأفكار التي بدأت بها، بدأت أفكر بوضع اللغة حالياً وكيف يتم استهلاك اللغة عبر التاريخ والإستغناء عنها عندما لاتكون بذات القيمة بالمقارنة مع غيرها. فكرت بمستخدميها من الجيل العربي الثاني أو الجالية التي استقرت في لندن وعاش أبناؤها بعيداً عمّا يذكرهم أو يحثهم على الإهتمام باللغة ولعلّ هذه الملاحظة جاءت بعد أن وجدت نفسي وبعد سنة واحدة فقط في الغربة أستسهل التعبير بالإنجليزية وأستخدم مصطلحات يصعب علي إيجاد مرادفاتها بالعربي. ذهبت لشارع العرب أو كما يسمى، وبدأت أسأل الناس وأستقصي عن نظرتهم لما هو في نظري مشكلة ووجدت أنّ العديد منهم حقاً غير مهتم وبينما يتفقون جميعاً على أن استخدامهم للعربية نادر إلا في مكالمة هاتفية مع أهليهم في الوطن أو كلمات مختصرة لصاحب المقهى إلاّ أنهم لايجدون أن عدم استخدامهم للعربية مشكلة; ببساطة لأنهم لايحتاجونها وليسو مضطرين لها.

بينما أختلف تماماً مع وجهة النظر هذه إلا أن محاولاتي باقناعهم بماأجده مهماً كانت غير مجدية وأدت لطريق مسدود اضطررت معه أن أغير وجهتي وأهداف البحث. انتقلت لفئة أخرى تماماً من الأجانب المهتمين بالثقافة العربية بشكل عام، أين يبحثون عن العربية؟ أين يجدونها في لندن؟ وكيف يؤثر عليهم المحتوى الحالي في المتاحف أوالمكتبات أو الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في استقبالهم للغة تحديداً؟
أشهر من البحث، المقابلات، ورش العمل بين لندن والدمام واتصالات يومية من استشارات أو تكاليف وكم هائل من المغامرات مع أشخاص وأماكن أكتشفها للمرة الأولى أدت إلى استنتاجات مثيرة أثرت على توجه المشروع وتعلمت أكثر ماتعلمت منها الصبر وأن أحافظ على شغف مستتب دون اندفاع حتى أصل بنفس القوة التي بدأت بها.

الأبحاث التي وجدتها في الموضوع كثيرة جداً لكنها تتناول اللغة بطريقة لاأتفق معها، فبينما تستخدم الكتابات العربية أسلوب اللطم والحسرة على لغة ضاعت، وجدت الكتابات الأجنبية تأخذ صوراً نمطية من ألف ليلة وليلة وغيرها لتفهم اللغة، وحتى عندما تعرض العربية في المتاحف في أوروبا أو غيرها، نجدها لوحة فنية مبهرة بجانب نص مترجم دون تفاعل أبعد من الصورة مع الناظر لها.  وكأي موضوع عربي، ليست اللغة استثناء من ارتباطها بالسياسة بشكل مباشر وماقرأته عن الترجمة تحديداً ودورها المهم في إعادة هيكلة الدول شيء يستحق التعمق.

وعلى عكس توقع الجميع بما فيهم مشرفة البحث أنني سأهتم بشكل الحرف ورسمه بحكم خلفيتي إلا أنني كنت مشدودة أكثر لإحساس اللغة وصوتها المميز وكيف يمكن للإنطباع الذي يتركه صوت النص العربي التأثير على شخص لايفهم معناه. قادني هذا الإهتمام للتعرف على كتاب رائعين في اللغة والصوتيات وموسيقى الحرف العربي أمثال عبدالفتاح كليطو الذي أبهرني، كنت أتمنى أن أعرفهم دون الحاجة للإختصاص ببساطة كناطق بالعربية.

موعد مع العربية في نهايته كان حصيلة تعاون مثمر مع عدد من المبدعين الذين لم يكن ليكتمل دونهم في مجالات منها: الكتابة الإبداعية، التصميم الداخلي، الهندسة الصوتية، التصوير، تصميم المنتجات، الرسم وغيرها. كنت أمارس دوري كمصمم جرافيك وأهتم أيضاً بالإشراف على التنفيذ برؤية واضحة من خلال من أتعاون معهم، أكتب لهم المطلوب وأشرح لكل منهم المشروع من وجهة نظر تخدم ماأطلبه منه.

من خلال فعالية موعد مع اللغة العربية يهدف المشروع المصاحب لهذا البحث إلى تحدي الصورة النمطية السائدة عن اللغة العربية لدى غير الناطقين بها ومعرفة الأسباب وراء ترسخها في أذهانهم. يبحث في الأبعاد السياسية، الإجتماعية والثقافية للمشكلة ويستخدم نتائج البحث لتصميم تجربة فريدة. يدعوهم من خلال الفعالية لتجربة بعيدة عن التكلف تعرض لهم اللغة بصورة قريبة تساعدهم على معرفة بعض أسرار قوتها وتحثهم على المشاركة في النقاش عن تصوراتهم المسبقة ومقارنتها بردات فعلهم تجاه مايقدم لهم خلال الفعالية. تستخدم أساليب مبتكرة خلال الفعالية ناتجة عن البحث المطول للفئة المستهدفة وتشرك حواسهم (السمع- البصر- التذوق) والقليل من الترجمة لتقرّب العربية لهم من لغة وثقافة وتختبر نظرية البحث.- 


عندما أفكر بكم العمل الذي أدى لنهاية المشروع، أدرك، ورغم أنها لم تكن نتيجة خالية من العيوب، أدرك أن قدرة الإنسان أكبر بكثير مما يتوقع وأدرك أن عليه أن يخضع لضغط الوقت والحاجة حتى يُجبَر على تحدي نفسه. ولا يهم مايعتقده الناس أو يظنونه بأن أي شخص قادر على إكمال الدراسات العليا في وقتنا الحالي، الموضوع شخصي جداً ويستحيل تعميم صعوبته أو سهولته دون معرفة دقيقة. وحدك أنت صاحب التجربة تعرف مالذي بذلته وأين وصلت وإن كان يستحق أو لا.

عموماً، العديد من المهارات التي لم يخطر ببالي أن أمارسها يوماً كجزء من العمل اضطررت لها. مثلاً اهتماماتي بالحرف اليدوية من نحت ورسم وغيرها موجودة ولكنني لم أتعامل مع ورشة خشب وأضطر لاستعمال المنشار أو آلة القص أو المفك أو غيره من قبل، وربما لو أتممت هذا المشروع في مكان آخر لأوكلت هذه المهام لشخص أعتقد أنه أكثر خبرة مني. لكنني اضطررت وتفاجأت بما يمكن أن أصنع بنفسي فقط إن حاولت. لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة والعديد مما نتعلم في الحياة غالباً مانضطر إليه حتى نتقنه.

أكثر ماأضافه لي هذا التخصص هو توسيع دائرة خبرتي كمصمم جرافيك لأستوعب المساحة والمستخدمين بشكل أكبر، كيف يمكن استخدام المساحات لإلهام التصميم، كيف يمكن للمكان أن يروي القصة بالإضافة لاحتوائها. أضف لذلك مساعدتي في فهم المستخدمين بطريقة أكثر إبداعاً ومالذي يعنيه أن تكون مشاركاً في التصميم مع مصممين آخرين بأسلوب حضاري متفهم.
Co-design- collaboration- action research- narrative theories and more. 

لايمكن أن أختصر هذه المرحلة من حياتي بتدوينة واحد فقط وأظن أنني سأظل أتحدث عنها وأكتب لفترة ليست قصيرة حتى أستوفيها حقها ألا تنسى. قرار الإلتحاق بالدراسات العليا كان أفضل قرار اتخدته حتى الآن بجانب ارتباطي ورغم أن العقبات موجودة والرحلة لم تكن مفروشة بالورود، وربما هناك جامعة أفضل وتخصص أفضل أو مدينة أخرى كنت سأتعلم منها لكنني لم أفعل ولاأريد أن أنتهي بشك أو ندم أو مايمكن أن يؤثر به الناس على نظرتي لذا أفضل أن أكون واقعية وأن أصفها كما هي دون مبالغة لكن دون بهتان أيضاً. ولعلّ أكثر من يعرف عن هذه المرحلة وليد الذي لايزال دعمه أكبر سند لي، يقول لي دائماً ليرفع معنوياتي أنه فخور بماحققته. سأصدقه هذه المرة.

للإطلاع على المشروع أكثر يمكنكم مشاهدة الرابط التالي: 

http://mariamstudio.com/lunch-with-arabic 



هناك تعليقان (2):

  1. ماشاء الله هنيئًا لك كل دقيقة عملٍ بشغف قطفتي ثمارها في موعدك مع العربية. لا أخفيك كيف كان يتراقص قلبي فخرًا ويعتصر ألمًا في نفس الوقت، الأولة بك والثانية على بعدك ..
    بارك الله لك فيما علمتِ ونفعك به وأدام عليك فضله. موعد مع العربية أسرني وخطف حواسي من بُعد فماذا عن الملتفين حول تلك الطاولة!
    التجربة تقود لأخرى أكثر تشويقًا، والشغف كرة ثلج تتعاظم بالحركة، أتمنى لك كل خير وحب وسلام صديقتي المتألقة ✨

    ردحذف
    الردود
    1. لايمكن أن أصف سعادتي بكلماتك ياحبيبة، لم يكن لهذا الحلم أن يتحقق لولا الدعم والدعوات الصادقة التي غمرت بها.
      أتطلع لمعرفة إنجازاتك ولمستقبل نسعى فيه سوياً للأفضل جمعني الله وإياك على خير دائماً وأبداً في الدارين ()

      حذف

Feature Post