في ٢٠٠٩ وتحديداً في رمضان كانت تعلن نتائج القبول لجامعة الدمام من خلال نظام التسجيل على الموقع. أذكر في تلك الفترة أعلنت نتائج الدفعة الأولى في ساعات الفجر ولم يكن لدي اتصال بالانترنت. كانت كلّ وسائل الاتصال في تلك الفترة محدودة، لم أملك هاتفي الخاص بعد وليس هناك من وسيلة لمعرفة النتيجة. كنت متوترة لأبعد درجة، مستقبلي يعتمد على هذا القبول ورغم أني أعرف بأنّ هناك دفعات أخرى ستظهر وأنّ نسبتي جيّدة وتؤهلني بجدارة إلا أنّ الخوف كان سيّد الموقف. رغبتي الأولى كانت الهندسة ولاأعلم لماذا في ذلك الوقت كنت متحمسة لهذا التخصص رغم خلفيتي المتواضعة جداً عنه. جائني اتصال من زميلة لي تبشرني بقبولها في الطب، طلبت منها التحقق من نتيجتي، وكانت لحظة القبول من أسعد لحظات حياتي! كنت سعيدة جداً لدرجة أنني أردت أن أوقظ كلّ من في المنزل والصراخ بأعلى صوتي.
لكنّ هذه السعادة سرعان ماتلاشت مع بداية الفصل الأول.
في المرحلة الثانوية كانت معادلة النجاح أو التميّز بالأصح بسيطة، عليك بمتابعة واجباتك، الانتباه في الحصة، التحضير المسبق، احترام المعلم وانتهى الموضوع! طالب ناجح متفوّق. تدخل الجامعة سعيد بالنجاح الذي حققته لغاية الآن، واثق بقدراتك ومستعد لتثبت نفسك من جديد. لكنّ المفاجأة أنّ كل شيء تعلمته لايشبه ماينتظرك بأيّ وجه من الأوجه. خصوصاً لو كنت طالب هندسة، عمارة أو تصميم.
مع بداية الفصل الأول، المحاضرة الأولى، كلّ شيء أصبح مختلفاً، لست متميزاً كما كنت في فصل المدرسة وعليك بذل جهد مختلف حتى تبرز وتحصّل شيئاً من الدرجات. تبدأ وفي ذهنك الدرجة الكاملة ثم تفتر همتك بسبب الدكتور الذي لايقدر اجتهادك والمادة التي لا تفهم منها حتى اسمها والطلاب الغير متعاونين معك والدوام المتأخر حتى قُبيل المغرب وضغط الدراسة لتصبح باحثاً عن درجة النجاح التي تنقلك للفصل التالي فقط.
في كلّ هذا تنسى سعادتك الأولى بالقبول و تنسى أنّك كنت يوماً طالباً متفوقاً ويبدأ حقدك على الجامعة في التزايد حتى تصل للتخرج غير مصدق أنّك كنت قادراً على تحمّل كل تلك السنين الماضية والوصول لآخر سنة!
من منّا لم يمرّ بهذه المراحل؟ من منّا لم يستقظ يوماً وهو يسائل نفسه لماذا لم أدخل تخصصاً سهلا؟ “ليش جبت لنفسي الشقا؟”
لكنّ الوصول ليس مستحيلاً! والإنسان من أعجب الكائنات قدرةً على التكيّف والتطور. لاتتوقع أنّك ستظل على نفس المستوى منذ دخولك الجامعة وحتى التخرج، ولا تعتقد أنّك تمتلك وأنت في سنتك الأولى مايؤهلك للتخصص. كلّ شيء يحتاج إلى صبر ووقت طويل حتى ينضج. أحياناً كثيرة في التخصصات العملية تصاب بالإحباط من أقرانك الذين هم أسرع منك في تقبل المعلومة واكتساب المهارة ولكنّ هذا لايعني بأنك سيء أو غير مناسب للتخصص! لكن لكل إنسان درجة من سرعة البديهة وعليك أن تبذل جهداً يتناسب مع مستواك حتى تصل للدرجة التي تودّ تحقيقها من الاحترافية.
في السنوات الأولى في الجامعة يسهل جداً أن تفقد الأمل وتحتاج لفترة طويلة حتى تكتسب ثقة بنفسك في المجال الذي اخترته ولكن رسالتي إليك ألا تيأس ولا تجعل من حولك من الأساتذة أو الطلاب أو حتى أهلك في كثير من الأحيان يقف في طريقك. لازلت أذكر عودتي متأخرة جداً للمنزل وعملي لأيام متواصلة حتى في الإجازات وشكلي الذي أصبح متعباً جداً ووقتي الذي لا أملكه، كلّ هذا لم يكن سهلاً على عائلتي أن تتقبله ولطالما توالت النصائح لي بترك التخصص وتغييره وعدم إجهاد نفسي و و و، وفيه شيء من الصحة ولكنّ الهدف يدفعك لكلّ هذا ويصبح لتعبك قيمة وإن كان لايراها سواك!
لو عاد بي الزمن لأكون طالبة من جديد، لاستغليت هذه السنوات أكثر في الاستزادة من كل من كان يمكنني التعلم منه ولقضيت وقتاً أطول في المكتبة. حقيقةً سنوات الجامعة من أكثر السنوات التي سيتطور فيها فهمك ليس فقط لمجال تخصصك بل ونظرتك للحياة، ستجد نفسك بعدها مختلفاً لذا لاتستعجل النتيجة واستمتع بكلّ لحظة وإن كانت في ظاهرها سيئة أو بدون جدوى. حتى العلاقات التي تبنيها في الجامعة ستكون مختلفة، المواقف التي ستمر بها ستجعل بينك وبين زملائك ذكريات عديدة وستجد في تخصصك دائرة لها اهتمامات مشتركة معك مما قد لاتجده خارجها. علاقتك بالجامعة لا تنتهي بمجرد خروجك منها وانتهاء الدوام إن أردت فعلاً التعلم، ولا يكن همك الأكبر هو تحصيل الدرجات وإن كانت فعلاً مهمة ولكن انظر للصورة كاملة، تعلّم أن "تتعلم" من كل شيء حولك، انظر للأشخاص كمصدر للعلم بغض النظر عن درجاتهم العلمية لأنك قد تستفيد من زميلك أكثر من أستاذك وقد تستلهم من عامل النظافة ما لايمكن أن تجده عند أمين المكتبة وقد تتعلم من محاضَرة عابرة ليس لها علاقة مباشرة بتخصصك مالايمكن أن تتعلمه من كتاب! فلا تستسخف التجربة واستمتع بخوضها عندها فقط يصبح لنهايتها طعم مختلف وإنجاز عظيم.
تمنيتُ فعلاً لو أجد شيئاً في بداية دراستي الجامعية يخبرني بأنّ الطريق طويل وأنني سأصل حتى لو متأخرة وأنّ الحيرة والتساؤلات المصيرية التي مررت بها كانت طبيعية بل وجزء أساسي من المشوار! أعتقد أنني فهمت ذلك جيّداً الآن وأتمنى أن تصلك هذه التدوينة وأنت في بداية الطريق وأن ترتب شيئاً مما في ذهنك من البعثرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق