الجمعة، 11 أبريل 2014

لماذا رفضت بعد المقابلة؟

في العام الماضي عندما كنّا نبحث عن فرص للتدريب في فترة الصيف، تواصلنا مع أحد المؤسسات ورحب بنا كثيراً بحجة أنه في انتظار المصممات السعوديات ويبحث عنهنّ منذ فنرة ووعدنا بوظيفة ثابتة بعد التدريب. حدد موعد للمقابلة الشخصية وتقديم نموذج من أعمالنا في مجال التصميم الجرافيكي. ذهبت مع صديقاتي وأجرينا المقابلة كلٌّ على حده وكانت المسؤولة في تلك الفترة من جنسية غير سعودية. المهم أنه بعد ثلاث أسابيع وصلنا رد بالرفض مع اعتذار غير مبرر. انتهت القصة وحصلنا على فرصة أخرى في مكان آخر.
مايجعلني أستحضر هذه القصة الآن هو أنني قابلت من يمثل هذه المؤسسة في ملتقى المهنة وتحدثنا مطولاً عما تبحث عنه في موظفيها. ضلت المسؤولة “الغير سعودية” تردد كلمات مثل الحرية والانفتاح والسفر لأكثر من ١٠ دقائق وتتحدث عن وضع النساء هنا وأنها لاتفهم كيف يقضين أوقاتهن برتابة وملل. كان من أهم المميزات التي تبحث عنها الشركة أو مسؤولة التوظيف على الأقل أن تكون الموظفة ذات فكر مفتوح. قلت لها “أنا صاحبة فكر كثير منفتح لكني أغطي وجهي كثير برضو”. ضحكت ثم سألت: "من جد؟" تفاجأت بالرد وارتبكت، استتنجتُ أنها من كل السابق كانت تتحدث عن غطاء الوجه وربطت كلامها هذا بالرفض في العام الماضي. هي تعتقد أن الغطاء سيجعلك معقد أو غير منفتح. تحدثنا طويلاً  ليس لأحصل على الوظيفة ولكن لأبين لها بأنّ هذه الفكرة خاطئة تماماً. 
ماأريد الوصول إليه هو أنني لست عاتبة على هذه الموظفة التي أتت من بلد مختلف تماماً في ثقافته لتستلم أكبر منصب في قسمها بفكرها الغير صحيح وتصبح مسؤولة عن التوظيف أيضاً، ولكنني عاتبة على السعودي صاحب المؤسسة الذي لم يكترث إلا بسير العمل بغض النظر عمن يؤديه. 
المشكلة عويصة مع غطاء الوجه في كلّ العالم ولاأفهم كل هذا التحجير للنساء اللاتي يخترن هذا الطريق. حتى أنني لم أخبرها عن نوعية الغطاء الذي أرتديه ولربّما أصيبت في مقتل بعدها! 

عندما ذهبت لفن أبوظبي في نوفمبر الماضي عانيت من هذا الأمر أيضاً. المعرض كان مليء بالأجانب والكل كان يتحاشى الحديث معك بسبب عباءتك أو غطاءك. وكان هناك العديد من الأشخاص الذين يعتبرون وجودك في مكان "فنّي" بهذا المظهر أمراً مستحيلاً  ويطلبون تصويرك أمام المعروضات بحجة توثيق الفعالية، لكنّ أعينهم كانت تتحدث. 
أحد المعارض كان يقف عليها امرأة أمريكية وبّختنا بشدة عندما حاولنا لمس أحد المعروضات بلغة تدل على فكرتها المسبقة بأننا “لانعرف ماذا نفعل”. عندما بدأت بالحديث معها استغربت أنني أتقن الانجليزية وسألتني إن كنت درست في مدرسة عالمية وتفاجأت بالرد، واستغربت أكثر أنني أعرف الفنان وعلى اطلاع بنوعية المواد التي يستخدمها واتجاهه الفني. الخلاصة أنّ هذ الحكم المسبق مزعج جداً ويحرمك في كثير من الأحيان من فرص مؤهل لها. وفي كلّ مرة عليك أن تثبت العكس. هذا الموقف تكرر للأسف مع زميلة لي في دبي أيضاً في فعالية مماثلة حيث كانت مع اللجنة المنظمة وكانو يتجنبون وضعها في "الواجهة عشان ماتفشلهم"! ولا تقل لي بأنني أبالغ، لستُ أعمم على الكلّ  ولكنّ هذا الأمر شاهدته بعيني. 

إذا كنّا ننادي بالحرية ونطلب التغيير فعلينا أولاً أن نغيّر من أنفسنا ونظرتنا للأشياء، إذا كنت أنا في بلد الحرمين أقيّم من شكلي الملتزم ولاأحصل على وظيفة مميزة بسبب غطاء وجهي فأنا لاألوم كلّ من يتجنب الحديث معي ويرمقني بنظرات استغراب في بلدان أخرى!
أنا مؤهلة وأتحدث الانجليزية بطلاقة، أدرس الفن وأجيد النقاش ولايجب عليّ أن أثبت أيّاً من هذا لكل شخص يملك حكماً مسبقاً عليّ. وإذا كنت أحترمك مع كل الاختلافات في معتقدك وهيئتك فمن باب أولى أن تحترمني في المقابل. إذا كنت ترا أن كشف الوجه دليل على التحضر فأنا أرى أن تغطية الوجه دليل على الالتزام، ولايعني أنني سأخل بواجباتي أو أصبح أقل مسؤولية من غيري. لايعني غطائي أنني سأعطي عملي نصف الوقت أو أنني لن أتقن ماأقوم به!
التفكير في مناقشة هذا الموضوع مزعج جداً وأنا آسفة لأنني مضطرة للتعامل معه، لكنني أعرف أنّ هناك الكثير ممن لهم نفس التجربة مع اختلافها ولذا أردت أن أكتب عنها، علّه يفيد ويغيّر شيئاً من الحكم المسبق أو الصورة النمطية لدى من يقرؤه.

هناك 5 تعليقات:

  1. لا فظ فوك يامريم...ولا شلت يدك...(جبتيها على الجرح)كما يضرب في الأمثال....

    ردحذف
    الردود
    1. يعطيك العافيه، وسعيدة لأنه أعجبك.

      حذف
  2. ك"القابضون على الجمر"

    ردحذف
  3. نقطة نسيت ان اذكرها .. صحيح ان هناك بعض العوائل تجبر نساءها على تغطية الوجه .. ولكن هناك من النساء ( أمي هي إحداهن ) من يكون لبس النقاب عبارة عن خيار شخصي عن قناعة شخصية .. صحيح ان في الغالب يكون هذا ما تتعود عليه وتربى عليه ولكنها لم تجبر عليه .. قلة السفر .. قلة القراءة والاطلاع .. أو بالأحرى قلة الاطلاع على الثقافة من أكبر دوافع الناس للحكم على المظهر .. يظنون لمجرد خبرتهم ومعرفتهم في مجال الفن .. وهو جزء وإن كان لا يتجزأ من الثقافة إلا أنه كالنظر من ثقب إبرة للصورة كاملة أو انتقاد ضربة فرشاة واحدة في رسمة فنان .. الالم يبقى .. والعقول الضيقة في كل مكان ..

    كنت اتحدث مع امريكي في امريكا عند محطة الحافلة العامة .. لمدة قاربت إن لم تجاوز العشر دقائق .. وكان الضحك يملأ المكان .. حتى سألني من أين أنت .. عندا أخبرته اسم دولتي واستوعب انها عربية اعطاني ظهره ومشى إلى طرف المحطة .. فما كان مني الا ان ابتسمت اعرض ابتسامة اعرفها .. وضحكت في داخلي على عقله ..


    السموحة عالمغثة والاطالة والقصور

    ردحذف
    الردود
    1. يعطيك العافية أخ علي،
      فعلاً ونحن في حاجة للكثير من الجهد حتى نغيّر هذه النظرة القاصرة عن المرأة في مجتمعنا.

      حذف

Feature Post