تصميم الجرافيك أكاديمياً بصورة جديدة - الجزء الأول
عندما أتحدث مع الأشخاص من حولي عن التخصص الذي أدرسه في الجامعة أجد العديد من الأفكار القديمة والمغلوطة أحياناً التي لازالت مترسخة في الأذهان حول طبيعة التخصص والتي تغيرت بشكل جذري في السنوات الأخيرة.
بفضل الله كنت أحد المشاركات في هذا التغيير ولازلت أؤمن بقوة التخصص وقدرته المرنة على التغيير والمساهمة في مجالات العمل المتغيرة. لذا سأتحدث في مقالين عن مثالين لمواد جديدة أضيفت للمنهج مؤخراً قمتُ بتأسيسها وتدريسها لسنتين حتى الآن والتي أتمنى أن تضيف لما هو معروف لديكم عن تصميم الجرافيك ومجاله في سوق العمل
تصميم تجربة المستخدم User Experience Design
أحد المواد النظرية الجديدة المضافة لمنهج الجرافيك والتي تدرس علاقة المستفيدين بالتصميم تدرس لطالبات السنة الثالثة. ولعل أكثر سؤال أواجهه من قبل طالبات هذه المادة هو عن علاقتها بالتخصص حيث يعتقد الكثير أنها مفيدة فقط في تصميم الويب أو تطبيقات الجوال لكننا ندرسها من نواحي متعددة تشمل هذه التطبيقات ولا تقتصر عليها. في أولى المحاضرات نتحدث عن مفهوم العلامة التجارية والعمل التجاري والمستخدم، فهم هذه الثلاثية بالإضافة لسياق النظام الاستهلاكي الذي يقوم عليه الاقتصاد هو أساس تصميم تجربة المستخدم. نتطرق بعدها لعدد من الطرق لبحث سلوك المستخدمين ومن ضمنها البحث الإجتماعي والبحث التفاعلي social and action research ونأخذ على ذلك أمثلة بتطبيقات متنوعة ونناقش مالذي يرغب به الأشخاص ومالذي يسهل اقتناعهم بفكرة ما أو تفضيل فكرة دون الأخرى.
من أجمل الأمثلة التي نتحدث عنها هو متجر أبل التنكري إن صح التعبير وهي تجربة قام بها فريق مختص بالبحث الاجتماعي حيث استغل وجود إصلاحات في فرع متجر أبل في نيويورك وقام بتقمص شخصية أبل التجارية من شكل واجهة محلها إلى شعارها إلى لغة موظفينها إلى طريقتها في جذب الناس ورغم أن التجربة حدثت في مصعد أمام أحد محطات الأنفاق إلا أن الجمهور صدقها وتقبلها في النهاية دون تذمر رغم أنها غير حقيقية.
هذه المقدمة الملهمة التي نتعرف فيها على سلوك المستخدمين بالإضافة لعدد من النشاطات التي نقوم بها مثل مشاهدة فلم المؤسس The founder وتحليل تجربة المستخدم في مطبخ ماكدونالدز وكتابة بعض التقارير التي نتناول فيها فهم العلامات التجارية المحلية وتفعيلها لمثل هذه المفاهيم. كل هذه المعلومات تقودنا لمعرفة كيف نصمم للمستخدمين وبأبسط الكلمات يتم ذلك بتطبيق مفهوم التعاطف Empathy فحتى أكبر الشركات البحثية في المستقبل مثل ام آي تي MIT تستخدم هذا الأسلوب في فهم مستخدمين المستقبل وهو تماماً ماقامت به في تجربتها البحثية لتطوير المدن لفئة كبار السن.
المشروع النهائي
سأتحدث عن المشروع النهائي الذي يلخص مانتعلمه في هذه المادة بطريقة بصرية توضح التطبيق
بعد الحديث عن كل النظريات ودراسة بعض الأمثلة المحلية يأتي المشروع النهائي لينقل الطلاب إلى المستقبل ومايحمله لنا من فرضيات. أطلقت على المشروع اسم: التصميم للمستخدم المستقبلي: مستخدم اكس.
ماهو روتين المستخدم في المستقبل؟ كيف تبدو حياته واهتماماته؟ كيف هو شكل العالم في ذلك الوقت ومالذي يعنيه ذلك بالنسبة للعلامات التجارية؟ وقد وجهت الطالبات لاستغلال الأوضاع الحالية مع كورونا وقراءة المقالات العديدة التي انتشرت مؤخراً عن مستقبل النمط الإستهلاكي للفرد وطبيعة الخدمات المتغيرة بسبب هذه الأزمة في أبحاثهم
يبدأ المشروع بالبحث عن المقالات والدراسات التي تناقش احتمالات المستقبل من تقنيات جديدة واختراعات أو شكل المدن أو سلوكيات يتنبأ بها ثم نأخذ هذه التقنية ونبني عليها سيناريو مستقبلي لشكل مستخدمها. وقد لاحظت تركيز واهتمام أغلب الطالبات على فكرة المستقبل الذي يصبح فيه الواقع الافتراضي والواقع المعزز شيئاً بديهياً يشبه استخدامنا الحالي للإنترنت. بعد ذلك تؤخذ الفكرة وتطبق عليها الوسائل المختلفة التي تعلمناها مثل تصميم شخصيات المستخدمين Personas Design واستخدام المصفوفة التفاعلية لرصد تسلسل التجربة واحتياج المستخدم Touchpoint Matrix وأيضا توقع الحالة النفسية أثناء التجربة Empathy maps وغيرها من وسائل تجربة المستخدم العملية حتى تتشكل الفكرة بقالب واقعي. أجمل جزئية في هذا البحث هو توسيع مدارك طلاب التخصص لعوالم مختلفة قد تكون مثالية أو غاية في السوء وإعطاؤهم فرصة لتشكيل هذا العالم على هيئة خدمة أو منتج يقدمونه للمستخدم المستقبلي وفي نفس الوقت وضعها بشكل واقعي يربطهم بالتطبيق العملي لمثل هذه المفاهيم. ينتهي البحث بعرض التجربة المقترحة للمنتج أو الخدمة من خلال عرض رحلة المستخدم وبعض اللقطات من تفاعله مع الفكرة.
نموذج لتجربة المستخدم من عمل الطالبتين ديمة العريفي ولجين الجهني |
|
|
البعد المستقبلي
يبدو هذا مختلفاً عن السائد لكن بينما يعتقد الكثير أن وظيفة المتخصص في التصميم الجرافيكي تقتصر على الجماليات والتنسيق أو الرسم، فهي تتعدى ذلك وتأسسه لفهم المستفيدين من هذه التصاميم حتى يعمل على تلبية احتياجهم وإيصال المعلومات لهم بلغة وشكل واضحين والذي يقودنا بالتالي لتحقيق الهدف الأكبر من التصميم وهو التواصل الفعال بين الفكرة والمستخدم بالشكل الصحيح.
تعلم مثل هذه المهارات المرتبطة بإدراك المفاهيم والنظريات الشاملة ينقلك لبعد آخر في تجربة التعليم حيث يربطك مع العلوم الأخرى وتتعلم منه كيف تبحث وتبني الفكرة بشكل قوي قادر على التنبؤ بالمشاكل التي قد يواجهها المستخدم وتقديم خيارات للحلول المتاحة لها بحيث تحتوي المشكلة حال وقوعها بأقل الأضرار. مثل هذا النمط في التفكير يتعدى تصميم الجرافيك ليشمل كل أفكار المنتجات والخدمات المطروحة في سوق العمل وكثير من النشاطات الأخرى سواء التعليمية أو الطبية التي يقوم أساسها على العلاقة بين مقدم الخدمة ومستخدمها. دراستي لهذه المادة في مرحلة الماجستير وتدريسي لها لاحقاً أضاف لي الكثير شخصياً وفي كل مرة يفاجئني بتطور الأمثلة في هذا المجال والإضافات لتطبيقاته المختلفة التي أتمنى أن أجد عليها وفرة في الأمثلة المحلية. أشعر بالسعادة عندما أتحدث عن هذه الأفكار الجديدة ومازلت أذكر كم تمنيت أن أعرف عنها أكثر وأنا في مرحلة التخصص لكن الحمدلله أن العلم ليس له وقت محدود والحمدلله أنني أرى اليوم ما كنت أتمناه لنفسي يتحقق لطالباتي